محمد نجيب الشابي لـ«الشرق الأوسط»: جاهزون لحكم تونس

مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي: ننظر بجدية لاحتمال وجودنا في صف المعارضة

محمد نجيب الشابي
TT

قال أحمد نجيب الشابي، مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي التونسي، إن الحزب يسعى إلى حكم تونس لأول مرة في تاريخ البلاد، وإنه جاهز لأداء هذه المهمة الشاقة، مشيرا إلى أن الحزب التقدمي لا يسانده رجال الأعمال فقط؛ بل مجموعة من الأحزاب السياسية كذلك، وهو لن ينحاز في المستقبل لصالح طبقة اجتماعية على حساب أخرى.

ولم يخف الشابي تخوفه من إمكانية عودة نظام دكتاتوري إلى الحكم في تونس، وقال إن «هذا ليس مستبعدا». وزاد قائلا بوضوح إنه يدعم النظام الرئاسي على الرغم من أن تونس عانت كثيرا من ذاك النظام، إلا أنه دعا كذلك إلى الحد من سلطات الرئيس حتى لا يعيد البلاد إلى الحكم نفسه بطريقة بن علي ومن قبله بورقيبة.

ودعا الشابي، في حديث خص به «الشرق الأوسط» في تونس، حركة النهضة إلى تقديم برنامج سياسي واضح بعيدا عن التعبئة الآيديولوجية القائمة على أساس المشاعر الدينية، وقال إنه لا أحد «يعرف ما تخفيه (النهضة) للتونسيين إذا اعتمدت على الدين». واعتبر الشابي أن المشهد السياسي في تونس شهد تطورات إيجابية كثيرة بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني)، إلا أنه قال إن قائمة التحديات طويلة وعريضة. وحول انتخابات المجلس الوطني المقبلة، قال الشابي إن الحزب الديمقراطي التقدمي وضع احتمال الفوز في الانتخابات، ولكنه كذلك نظر بجدية لاحتمال وجوده في صف المعارضة، وهو يعتقد أن الديمقراطية في جوهرها ليست غير تداول السلطة.

إلى ذلك، قال الشابي إن خطر تسرب الإرهاب القادم من وراء الحدود إلى تونس، لا يزال قائما، ودعا إلى اليقظة ومعالجته بعيدا عن الحلول الأمنية وعن طريق حلول بعيدة المدى تقضي على منابت الإرهاب في معاقله. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما تقييمكم للواقع السياسي في تونس؟ وما الذي تغير؟ وما المنتظر خلال الفترة المقبلة؟

- أعتقد أن المشهد السياسي في تونس شهد تطورات إيجابية كثيرة بعد ثورة 14 يناير وبالإمكان أن نقول إنه يتمتع بعناصر إيجابية جدا، فالتونسيون جميعا تمتعوا بالتغيير السياسي الحقيقي، كما أن الأحزاب السياسية تأسست دون قيود الماضي، والفضاءات العمومية أصبحت مفتوحة أمام التونسيين، وهناك قانون انتخابي وهيئة عليا مستقلة للانتخابات، وتم تحديد موعد نهائي لتلك الانتخابات.

* لكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يبدو «ورديا»؟

- هذا صحيح، فقائمة التحديات طويلة وعريضة وأهمها على الإطلاق الركود الاقتصادي؛ فنسبة النمو لن تزيد على نصف نقطة بعد أن كانت في حدود خمس نقاط، كما أن البطالة ارتفعت بنسبة 50 في المائة وربما تصل في بعض الجهات إلى المائة في المائة. ونلاحظ أن الشباب بدأ يفقد صبره، وهناك ظواهر توتر بدأت ترجع إلى الساحة هنا وهناك، ولكنها لا ترقى إلى مستوى تهديد الاستقرار في البلاد. هذا الوضع تمليه عملية الانتقال إلى الديمقراطية ولا بد من إعادة عنصر الثقة للمستثمرين، وإعادة بريق الأمل للفئات الشابة عن طريق العبور إلى انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتمثيل الشعب بحكومة شرعية قادرة على إيجاد حلول عملية لمثل هذه التحديات.

* نبهت خلال أواخر حكم بن علي إلى مجموعة من التخوفات كانت تهدد تونس، هل تلك التخوفات ما زالت قائمة؟

- بالفعل بين سنوات 2007 و2009 قلت إن البلاد مقبلة على وضع قد يكون مأساويا، ولكن النظام السابق لم يكن يستمع لأحد. ولكنني في الحقيقة لم أكن أتوقع أن تتحول تلك الهزات إلى ثورة سياسية عارمة، وبعد حدوث التغيير ليس هناك خشية كبيرة مما ينتظر البلاد، فمعظم المعطيات إيجابية.

* ولكن التخوفات قائمة حتى الآن وهناك تخوف من عودة الدكتاتورية بعباءة أخرى؟

- أن يعود نظام دكتاتوري إلى الحكم في تونس، فهذا ليس مستبعدا، ولكن عوامل تعطيل الحياة السياسية انتفت حاليا، والعقبة الكأداء، حسب رأيي، هي رؤية التونسيين للوضع السياسي وضرورة اختيار أفضل من يمثلهم في مختلف المحطات السياسية حتى لا يقع التغرير بأحد عن طريق الشعارات البراقة والأماني المعلقة.

* معظم استطلاعات الرأي تضع الحزب الديمقراطي التقدمي في مواجهة انتخابية مع حركة النهضة، كيف تنظرون لهذه المنافسة، وهل هناك حوار بين الطرفين؟

- حزبنا يؤمن بحق حركة النهضة في العمل السياسي، وأنا بالفعل سعيد لأن كل الفرقاء عادوا للنشاط السياسي من جديد. ولكن مستقبل تونس يجب أن يكون مبنيا على مشروع ديمقراطي له مشروع مجتمعي يحافظ على مكاسب التونسيين، ويتسم بالوسطية والاعتدال، وقائم على اقتصاد السوق.

والحزب الديمقراطي التقدمي يريد أن يعزز العدل عن طريق مشروعه المجتمعي الديمقراطي، وأن يحقق التوازن في التنمية والتوزيع العدل للثروات بين التونسيين، والمحافظة على مكاسب التونسيين من صحة وتعليم.. كل أفكار إدارة الدولة التونسية لخصناها في برنامج الحزب الذي يتضمن 120 نقطة، وسيتأكد معظم التونسيين أنه الحزب يعمل لصالحهم.

* ولكن حركة النهضة تتبنى الأفكار نفسها، وتنادي بالمبادئ نفسها، وهي قوة انتخابية على مستوى مناطق عديدة في تونس، فكيف سيقع الحسم حسب رأيك؟

- على حد علمي، لم تقدم حركة النهضة حتى الآن برنامجا سياسيا واضحا، ولكن في مقابل غياب البرنامج، رأيت تعبئة آيديولوجية على أساس المشاعر الدينية، وهذا يقلقني؛ فالدين في تونس ليس محل خلاف، والتونسيون كلهم يريدون أن يعيشوا دينهم. أما تجنيد الناس في الحقل السياسي على أساس ديني، فهذا ما لا ترتضيه كل الأحزاب السياسية في تونس. نحن نعلم أن كل حزب سيكون له برنامج دولة، والدولة قوة إكراه، فما الذي تخفيه النهضة للتونسيين إذا اعتمدت على الدين؟

* هل تتوقعون أن تكره النهضة التونسيين على سلوكيات معينة إذا فازت في الانتخابات؟

- ما نخافه حقيقة في تونس هو أن يتحول الدين إلى موضوع خلاف بين التونسيين، ونحن نعرف أن باب الاجتهاد موجود في الدين، وهو ليس حكرا على أحد، وكل الأمور يمكن حسمها عن طريق الحوار. ولكن المخيف أكثر أن تستعمل حركة النهضة قوة الإكراه، وأن تحمل الناس على أن يأتوا وأن لا يأتوا أشياء في حياتهم الخاصة، ونحن نعلم أن مثل هذه المغامرة سبقتنا إليها دول أخرى ولم تسجل نتائج إيجابية.

* دعا العديد من الوجوه السياسية إلى خلق تحالفات سياسية خلال انتخابات المجلس التأسيسي، ما رأيكم في هذه الدعوة؟

- تبقى التحالفات السياسية على أساس التقاطع في المشاريع السياسية، مطلوبة خلال المرحلة المقبلة، ولكن علينا أن نفتح أبواب المنافسة بين أكثر من تيار سياسي، وأن نذهب في اتجاه الأغلبية. نحن لا نخفي أن حزبنا يسعى إلى الحكم وبكل مسؤولية، ونحن جاهزون لهذه المهمة الشاقة.

* تتحدث من منطق يقترب من حسم الأمور لصالح حزبكم، ما المؤشرات التي بنيتم عليها مثل هذه التوقعات؟

- نحن لم نقل إن الأمور محسومة، ولكننا نعتمد على مجموعة من المعطيات المهمة التي تميل الكفة لصالح الحزب الديمقراطي التقدمي. فعدد كبير من رجال الأعمال التونسيين أصبحوا اليوم يراهنون على الحزب وهم يرون أنه قادر على المحافظة على النمط المجتمعي الذي يريدون، وبإمكانه رعاية المصالح الكبرى لتونس. ونحن نقر أن حزبنا حزب وطني يخدم الشعب التونسي في المقام الأول، ويدرك مدى الصراع القائم حول تقاسم الثروة، وبالتالي سيعمل من أجل الحوار لتحقيق العدالة الاجتماعية. إن الحزب التقدمي لا يسانده رجال الأعمال فقط؛ بل مجموعة من الأحزاب السياسية كذلك، ولن ينحاز في المستقبل لصالح طبقة اجتماعية على حساب أخرى.

* يبدو أن مشاركتكم في حكومة محمد الغنوشي مكنتكم من التدرب على ممارسة الحكم..

- بالفعل، المشاركة في حكومة الغنوشي مباشرة بعد الإطاحة بنظام بن علي، أظهرت أن الحزب كان مستعدا لتحمل المسؤولية، وجاهزا للقيام بأعباء الحكم. واكتشف الشعب خلال 45 يوما من تسيير أمور الدولة في ظروف قاسية وجوها سياسية تستأهل الثقة، وقد أسهمت تلك الفترة في تحول الحزب إلى أهم حزب سياسي ديمقراطي خلافا لمنافسينا الذين هاجموا الحزب، وحاولوا أن يعطلوا اجتماعاتنا، ولا شك أن الزمن تجاوز الكثير منهم.

* أثارت الحملة الانتخابية التي قام بها الحزب عن طريق المعلقات الضخمة الكثير من التساؤلات حول مصادر تمويل الحزب والطريقة الجديدة في تسويق برامج الحزب، ما ردكم على تلك الاتهامات؟

- بالفعل فوجئت الساحة السياسية بالسرعة القصوى التي اعتمدها حزبنا في التعريف بنفسه وببرامجه المختلفة، فكان رد البعض متشنجا، والحال أن الأحزاب مطالبة باستغلال كل وسائل الاتصال الممكنة. الطريقة التي اعتمدناها مبتكرة، وهي ناجحة في العالم الغربي. ولكن المهم في الموضوع هو أننا اعتمدنا على إمكاناتنا الذاتية، وهي إمكانات تونسية محضة، ولم نتلق أية أموال من أي طرف كان. وأنا في باب المال السياسي لا أتهم أي حزب من الأحزاب، ولا علم لي بأية أشياء تدور في الكواليس.

* كثرة الأحزاب هل تقلقكم؟

- هي مسألة طبيعية، فبعد كبت سياسي دام أكثر من 50 سنة، لا بد أن نشهد تلك الطفرة العجيبة من الأحزاب، ولكنني أعتقد أن الانتخابات المقبلة ستعيد الأمور إلى نصابها، وتعرف كل الأحزاب حقيقة حجمها على مستوى الناخب التونسي.

* ما النظام السياسي الذي يدعو حزبكم إلى تبنيه خلال المرحلة المقبلة؟

- أنا أدعم النظام الرئاسي على الرغم من أن تونس عانت كثيرا من النظام الرئاسي الذي تحول مع مرور السنوات إلى نظام «رئاسوي»، لذلك لم يكن لدينا في يوم ما نظاما رئاسيا، ومنذ استقلال تونس سنة 1956 ونحن نعاني من نظام الحكم الفردي، والنظام الرئاسي منا براء. إننا ندعو إلى نظام يحترم السلطات ويفصل بينها، وإلى توازن في الحكم المعتمد على المراقبة المتبادلة، وأن تسهر السلطات القضائية على علوية الدستور. نتمنى مثل هذا النظام لتونس. أما بالنسبة للنظام البرلماني، فنخشى أن يكون مدعاة لعدم الاستقرار، لذلك نميل للنظام الرئاسي عبر مجالس منتخبة على مستوى كل الدوائر مع الحد من سلطتي الرئيس والبرلمان.

* تمسكتم في البداية بموعد 24 يوليو (تموز) المقبل لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي، ثم اضطر حزبكم للتسليم بتأخيره.. هل تخشون خوض الانتخابات خلال هذه الفترة؟

- لاحظنا أن بعض القوى السياسية تحاول تأخير الانتخابات كلما اقترب موعد إجرائها، وهو ما اعتبرنا أنه يهدد أمن البلاد واستقرارها. كنا نود إجراء الانتخابات في موعد 24 يوليو، وتجاوبنا مع حركة النهضة في هذا المجال، وكنا تجاوبنا مع المصلحة الوطنية عندما تمت الدعوة لتأجيل الانتخابات، ونتمنى أن لا تظهر عوائق جديدة أمام إحدى المحطات الانتخابية المهمة في تاريخ تونس.

* بصراحة، هل تخافون من قوة حركة النهضة؟

- نحن حزب جاد يهدف في المقام الأول إلى نيل أغلبية الأصوات، وإن كان القانون الانتخابي الذي تمت المصادقة عليه لا يسمح بذلك. ولكننا نقبل بإرادة الشعب مهما كانت. ولن نكون ديمقراطيين إذا لم نقبل بنتائج الانتخابات مهما أفرزت لقيادة البلاد. ونحن في حزبنا وضعنا احتمال فوزنا في الانتخابات، ولكننا كذلك نظرنا بجدية لاحتمال وجودنا في صف المعارضة، وسنلعب دورنا الديمقراطي كاملا، وفي كل الأحوال، نعتقد أن الديمقراطية في جوهرها ليست غير التداول على السلطة.

* تابعت أداء الحكومتين (حكومة محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي)، ما تقييمكم لأداء هاتين الحكومتين؟

- في حدود 45 يوما من انضمامي لحكومة الغنوشي بعد الإطاحة بنظام بن علي، تمكنا من تحقيق العديد من المطالب العالقة؛ من بينها تحرير المساجين السياسيين، والعفو العام منذ الاستقلال، وتعقب المسؤولين عن قمع المتظاهرين، وتحرير الأموال المنهوبة، وفتح حرية الاجتماع والتظاهر، ووضع آليات مراجعة القوانين، ودعوة المؤسسات الدولية لمراقبة عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد. وتحقيق هذا الكم الهائل من المكاسب في وقت وجيز ليس بالأمر الهين. أما بالنسبة لحكومة قائد السبسي، فقد تسلمت الملفات في ظل أزمة سياسية وتوترات اجتماعية وسياسية واختلال أمني. وأظنها نجحت في التهدئة وتمكنت من التفاهم مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وأحدثت لجنة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، كما أنها أعادت بناء قوات الأمن، ومكنت الدولة من استرجاع جانب مهم من هيبتها، ولم يسجل خلال الفترة الماضية إعلان أي مستثمر أجنبي عن مغادرة البلاد، لذلك لا يمكن أن يكون تقييمنا إلا إيجابيا في ظل هذه التجربة.

* لجأ النظام السابق إلى «فزاعة» الإرهاب للسيطرة على التونسيين، هل ما زالت هذه الفزاعة صالحة بعد قبول التيارات الإسلامية المتهمة بالعنف بواقع التعايش السياسي مع بقية التيارات السياسية؟

- لا بد أن نقر بأن خطر تسرب الإرهاب القادم من وراء الحدود إلى تونس، لا يزال قائما، فالجزائر لم تسيطر على الظاهرة بالكامل، كما أن الوضع في ليبيا قد يفتح الباب على كل الاحتمالات، وبالإمكان أن تمتد الظاهرة إلى تونس. وأعتقد أن ظاهرة العنف في تونس بدأت تفقد أسبابها، فالشعب التونسي وجد طريقه إلى التغيير السلمي، وذهب الاضطهاد، وحلت الحرية محله، فما الذي سيدفع التونسيين مجددا لاستعمال العنف في التغيير السياسي؟

في تونس، المناخ السياسي لن يكون مواتيا لرجوع مثل تلك الظواهر المقلقة، وأعتبر أن اتجاه منطقة المغرب العربي ككل سيكون مغايرا، فلا مكان فيها للإرهاب والعنف، حيث إن كل التجارب أظهرت أنهما لا يوصلان إلى أية حلول. ومع ذلك، تبقى اليقظة ضرورية، وأن تكون المعالجة بعيدة عن الحلول الأمنية، وعن طريق حلول بعيدة المدى تقضي على منابت الإرهاب في معاقله.