نشطاء: حماه أصبحت مدينة محررة بعد انسحاب قوات النظام منها

المتظاهرون أعادوا تسمية ميدان العاصي باسم التحرير.. ومدرس: الثورة الجزئية تعني حفر قبورنا بأيدينا

TT

انسحبت القوات العسكرية السورية وقوات الأمن في معظمها من واحدة من أكبر مدن البلاد، إضافة لبعض المناطق الأخرى، حسبما أفاد مقيمون ونشطاء، أول من أمس، ليتركوا بذلك هذه المناطق تحت سيطرة المتظاهرين الذين ازدادت مظاهراتهم ضخامة ونددت هتافاتهم بقيادة كان ذكرها يثير الرعب في النفوس من قبل.

وجاءت خطوة انسحاب القوات العسكرية من حماه، التي أصبحت مرادفا لوحشية نظام الأسد بسبب الحملة الحكومية القاسية التي شنتها ضد المدينة منذ جيل، بمثابة مفاجأة حتى لبعض النشطاء والدبلوماسيين. إلا أنهم يختلفون فيما بينهم حول تفسير الانسحاب، متسائلين بشأن ما إذا كان الانسحاب يشير لمحاولة حكومية تجنب سقوط مزيد من الضحايا ووقوع صدام دموي جديد داخل بلاد تعج بالقلاقل، أم إلى أن الجهاز القمعي السوري أنهك بعد توسيع رقعة نشاطاته بدرجة مفرطة.

ومع ذلك، احتفل سكان حماه، رابع أكبر المدن السورية، بالانسحاب باعتباره نصرا أعقب واحدة من أكثر موجات إراقة الدماء بالمدينة خلال الثورة المندلعة منذ قرابة أربعة شهور. وأعلن ناشط أشار لنفسه باسم حنين أن: «حماه أصبحت مدينة محررة».

ويقول سكان ونشطاء إن القوات العسكرية والأمنية انسحبت من أبو كمال، قرب الحدود مع العراق، وبعض ضواحي العاصمة دمشق. وفي دير الزور، وهي مدينة كبيرة إلى الشرق، ظلت القوات العسكرية على أطراف المدينة، رغم أن هناك أقاويل بأن قوات الأمن لا تزال نشطة داخل المدينة. تسلط الأحداث الدائرة في حماه وبمناطق أخرى بمختلف أرجاء البلاد الضوء على الديناميكيات الجديدة في الثورة، حيث ليس بإمكان الحكومة ولا المتظاهرين تسوية الأزمة بالشروط التي يفرضونها. ودعا اجتماع للمعارضة، الاثنين، علانية لإنهاء سيطرة الرئيس بشار الأسد على السلطة. وجرت إذاعة مقتطفات من الاجتماع عبر شاشات التلفزيون السوري، الذي يشكل في العادة أداة في يد النظام. في الوقت ذاته، يزداد تنظيم اللجان المسؤولة عن المظاهرات، ولا يزال الاقتصاد الضعيف الذي شكل من قبل أداة محورية في رؤية الحكومة في الترنح.

من ناحية أخرى، قال مسؤول بإدارة أوباما رفض كشف هويته: «أشعر بأننا بصدد موقف متأزم، وبينما يبدو هذا الموقف قبيحا، فإنه يعمل لصالح المعارضة وحدها. الوقت يقف في صف المعارضة».

يذكر أن القوات الحكومية سبق وأن انسحبت من مدن، تحديدا بانياس المطلة على البحر المتوسط ودرعا الواقعة إلى الجنوب، ثم عاودت اقتحامها بقسوة أكبر. ورغم ذلك، فإن حجم الانسحاب الذي تم من حماه يجعل منها تجربة متفردة.

عن ذلك، قال وسام طريف، المدير التنفيذي لمنظمة «إنسان» السورية المعنية بحقوق الإنسان: «لا أعتقد أن هذا تكتيك. إن هذا نتيجة للإنهاك ونقص الموارد والتمويل».

تعد حماه مدينة لا يزال اسمها يلفح أذهان الكثير من السوريين، ففي ذروة معركة بين الحكومة ومعارضة إسلامية مسلحة، اجتاحت القوات العسكرية المدينة عام 1982، لتقتل 10.000 شخص على الأقل، بل وربما أكثر بكثير. وقال بعض سكان المدينة إن المكانة التي احتلتها حماه في التاريخ جعلت الدولة أكثر ترددا حيال مهاجمتها بقسوة هذه المرة.

في هذا الصدد، اعترف مدرس من حماة أشار لنفسه باسم أبو عمر، قائلا: «تعلمنا من أخطائنا». ومثل الكثيرين ممن التقيناهم هنا، وافق على الحديث شريطة عدم الكشف الكامل عن هويته. وقال: «إن إشعال ثورة جزئية هو حفر لقبورنا بأيدينا».

في 3 يونيو (حزيران)، وقعت مصادمات بين قوات حكومية ومتظاهرين في المدينة، الواقعة على طريق سريع استراتيجي يؤدي لدمشق وحمص وحلب. وطبقا لرواية نشطاء، فإن ما يصل إلى 73 من أبناء حماه قتلوا، رغم أن مسؤولين سوريين أعلنوا أن قتلى أيضا سقطوا بين صفوفهم. وأشار مسؤولون سوريون إلى أن اتفاقا تم التوصل إليه لاحقا سيسمح بمقتضاه بالمظاهرات، طالما بقيت سلمية ولم يتم الإضرار بممتلكات. وأكد بعض سكان المدينة على أن اتفاقا بالفعل أبرم هذا الشهر.

وذكر البعض أنه منذ ذلك الحين انسحبت الشرطة حتى المسؤولون منها عن تنظيم المرور. وقال أحد سكان المدينة أشار لنفسه باسم أبو عبده: «الأمن والجيش غائبان تماما. ولا يتحرشان بنا مطلقا، لا قبل ولا أثناء المسيرات اليومية المحتشدة ليل نهار. ولا ينفذون أي دوريات. الحياة تسير على نحو طبيعي».

بأعداد أكبر، احتشد متظاهرون في حماه ليلا في ميدان العاصي، والذين أشاروا إلى أنهم أعادوا تسميته ميدان التحرير، وتعهدوا بتنظيم مسيرات أكبر الجمعة. وذكر نشطاء أن عمدة المدينة خاطب الحشود مساء الأربعاء. وعندما سألهم عن مطالبهم، قال أحد الناشطين إن المتظاهرين أجابوه: «الإطاحة بالنظام». وذكروا أن العمدة سرعان ما رحل عن المكان بعد ذلك.

وندد متظاهرون آخرون بمدن أخرى وبالقيادة السورية. ومن بين الهتافات التي رددوها: «يا شباب دمشق، نحن شباب حماه أسقطنا النظام».

وفي أصداء الأيام الأولى من عمر الثورة المصرية، عندما ألهب نظام استبدادي متداع في النفوس شعورا جديدا بالوطنية والمواطنة، قال بعض النشطاء إن سكانا من المدينة خرجوا لكنس الشوارع أمام منازلهم ومتاجرهم، وأبقى متطوعون على الميادين الكبرى نظيفة والتزم السائقون بقواعد المرور في غياب الشرطة.

في المقابل، قلل مسؤولون سوريون من أهمية فكرة أن انسحاب القوات الحكومية يوحي بوجود فراغ في السلطة. منذ بداية الثورة، قالت الحكومة إن الكثير من أعمال العنف وقع خلال مصادمات مع معارضين مسلحين. وأكد مسؤولون أميركيون وجود متمردين ببعض المناطق السورية.

من جانبه، قال عماد مصطفى، السفير السوري لدى الولايات المتحدة، خلال مقابلة أجريت معه: «قامت سياستنا على أنه عندما يكون المتظاهرون سلميين ولا يثيرون الفوضى أو يحطمون ممتلكات عامة، لن تتدخل ضدهم قوات أمن. تدور التعليمات العامة حول ضرورة عدم الاعتداء على المتظاهرين ما داموا سلميين». وقدر مصطفى أن 9 من بين كل 10 مظاهرات بدأت وانتهت على نحو سلمي.

وأعرب المسؤول الأميركي عن اعتقاده بأن العنف جاء نتيجة القمع الحكومي. وأضاف أنه عندما تسحب الحكومة قواتها، يصبح الوضع سلميا من جديد. وقال: «هذا هو ما أثبتته حماه».

وربما يوحي الانسحاب أيضا ببعض الاعتراف على الأقل من جانب الحكومة بأن القمع الوحشي لن يفلح. في دير الزور وأبو كمال، أزال مسؤولون تماثيل حافظ الأسد، بينما بدا اعترافا بأنها لا تستحق إراقة الدماء لإنقاذها من أيدي المتظاهرين.

وقال طريف: «في هذه اللحظة الجميع عالقون، فالنظام عالق والمتظاهرون عالقون والمعارضة عالقة».

* هويدا سعد شاركت من بيروت وموظف بـ«نيويورك تايمز» شارك من دمشق بسوريا

* خدمة «نيويورك تايمز»