اللاجئون السوريون يتنسمون عبق الحريات في المخيمات التركية

شاب من خربة الجوز: هذه تجربة لم أعشها من قبل لا في حياتي ولا في حياة آبائي

TT

أطل بلال من سقف إحدى البنايات في هذه المدينة الحدودية المتربة، عبر الوادي الوعر، إلى مخيم مهجور للاجئين كان قد غادره خوفا على حياته، قبيل دخول القوات السورية المكان ليكتشف شيئا مختلفا تماما، ألا وهو الإحساس بالحرية. عندما أرسل الرئيس بشار الأسد الجيش السوري إلى الشمال لسحق الانتفاضة، دفع ذلك الآلاف إلى الفرار من منازلهم، حيث توجه من 11 ألف شخص صوب الحدود التركية بحثا عن ملاذ آمن.

لكن كثيرين مثل بلال، ممن لم يرغبوا في مغادرة الأراضي السورية أقاموا مخيما على الحدود. ويشير بلال إلى أنه إذا كان الأسد يرغب في نشر الرعب لإسكات الثورة الشعبية، فإن تجربة اللجوء ربما يكون لها تأثير عكسي. وقال بلال (30 عاما)، الذي صرح باسمه الأول فقط خشية للتعرض للتنكيل به على أيدي الحكومة: «كوننا من أبناء خربة الجوز جعلنا نكتشف الكثير من الأشياء التي كانت غريبة علينا، فقد تمكنا من التجوال بحرية والحديث إلى بعضنا البعض حول حقوقنا كآدميين دون خوف. فهذه تجربة لم نعشها من قبل، لا في حياتي ولا في حياة آبائي».

ووجد بلال وآخرون ملاذا آمنا في معسكر مؤقت في خربة الجوز، التي يبدو أنها غير خاضعة لسلطة الدولة، حيث ضربوا خيامهم الرثة المتناثرة في بستان مليء بالشجيرات القصيرة وغابة كثيفة وظروف قاسية وغذاء وأدوية غير كافية ومياه غير نظيفة. لكن رغم ذلك، أكد بلال وآخرون أنهم استلهموا الإحساس بالحرية على التراب السوري.

ويوم الجمعة الماضي، نظم اللاجئون مظاهرات حاشدة مناوئة للحكومة على الجانب السوري الحدودي الشائك مستمتعين بغياب القوات الأمنية التي فرقت مظاهرات في مناطق أخرى من سوريا مستخدمة القوة. وقام الشباب وبعضهم مسلحون بمسدسات بتنظيم لجان شعبية لمراقبة أي تحركات للجيش. بينما أقامت مجموعة من نشطاء اللاجئين مركزا إعلاميا لتحميل مقاطع الفيديو على الإنترنت. بعد ذلك بقليل أعلنوا هم وآخرون عن تأسيس مجلس الإرشاد الوطني للثورة السورية، والتي لم تتمكن من الانطلاق وقد توارى دورها. ويقول بلال متعجبا من تأثير ما شاهده: «لم يكن هناك جيش أو شرطة أو أي شيء، لقد عشنا طوال عمرنا تحت قمع بالغ، بالغ القسوة. كان الجيش والقوات الأمنية دائما ما تقول لنا إنها تعلم ما يدور بين المرء وزوجته. لكن ذلك لم يكن ليدوم طويلا، ففي يوم الخميس عادت الدبابات والجنود، معيدة التأكيد على قدرة الدولة على استخدام القوة، وفي النهاية فر الجميع إلى تركيا ما إن تحركت القوات السورية»، بحسب تصريحات قادة اللاجئين ومسؤولي الإغاثة. تدفق غالبية أهالي خربة الجوز على معسكر ريهانلي، حيث يدير الهلال الأحمر معسكرا، وحيث تمنع السلطات التركية اللاجئين من الحديث إلى الصحافيين. ويؤكد المسؤولون الأتراك أن المعسكرات الرسمية تستضيف الآن أكثر من 11.000 «ضيف» سوري، حيث تتجنب استخدام كلمة لاجئ، بينما تشير تقديرات الهلال الأحمر إلى أن 17.000 شخص آخرين ينتظرون العبور إلى الجانب التركي.

وفر على مدار الشهر الماضي اللاجئون إلى المنطقة الحدودية عبر المناطق الرعوية بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، حيث أحرقت القوات الأمنية السورية الحقول واعتدت على السكان في محاولة لإخضاع سلسلة من المدن التي شهدت مظاهرات مناوئة للحكومة يتسع نطاقها كل أسبوع. وقد أسفرت جهود الحكومة في سحق الانتفاضة الشعبية التي دامت على مدار شهر عن مقتل ما يزيد على 1.400 شخص واعتقال ما لا يقل عن 10 آلاف، بحسب ناشطين سوريين.

يروي الكثير من الأشخاص أنهم بعد فرارهم من ديارهم كانوا مترددين في ترك بلادهم والعبور إلى تركيا خشية ترك منقولاتهم الثمينة مثل الماشية أو السيارات، بينما رفض آخرون العبور بدافع من التحدي أو خشية ألا يتمكنوا من العودة.

نوفا العلي (48 عاما) أحد هؤلاء، والتي لم ترغب في العبور إلى تركيا لأنها كانت ترغب في العودة إلى قريتها عشتورية، لكن بعد سقوط النظام فقط. فيما يقول أحمد، سوري طاعن في السن، وقد جلس إلى جوار سيارته التي ينام فيها يدخن لفافة تبغ إنه سيظل في هذا المعسكر حتى يموت بدلا من أن يطرد من قبل القاتل بشار.

ويقول وسام طريف، الرئيس التنفيذي لمنظمة «إنسان»، الناشطة في مجلة حقوق الإنسان، إنه واجه تحولا مذهلا في العقلية السورية عبر المحادثات الهاتفية مع الأفراد في المنطقة الحدودية. وقال طريف: «كانوا يفكرون بشأن وسائل الانتقال السياسي في سوريا وكيفية حدوثه».

لكن الحياة في المنطقة الحدودية أوضحت للبعض القصور الذي تعانيه الانتفاضة السورية من تفشي الأخبار الكاذبة. من ناحية أخرى أعرب الكثير من اللاجئين عن شعورهم بالأمان لأن الحدود كان تحت الحماية التركية. وأشاروا كدليل إلى ذلك بمعاهدة يعتقد على نطاق واسع أنها تحظر على القوات السورية القيام بأنشطة داخل نطاق خمسة كيلومترات من الحدود، بيد أن الحكمة التركية تنفي وجود مثل هذه الوثيقة.

كانت أحداث ليبيا حاضرة في عقول الكثير من اللاجئين السوريين، فقد تحولت الانتفاضة الليبية إلى حرب بعد انضمام بعض وحدات الجيش إلى جانب الثوار، ودخول المجتمع الدولي طرفا في الصراع مستخدما قوات الناتو الجوية لحماية المدنيين الليبيين من عنف الدولة.

لكن أيا من هذا لم يحدث في سوريا، فلم يظهر الدعم الدولي ورغم الانشقاقات في صفوف القوات السورية فإن هذه الانشقاقات لا تزال محدودة للغاية وأقل من أن تشكل تهديدا جديا للدولة.

ويقسم نشطاء اللاجئين على التزامهم بالاحتجاجات السلمية لأنهم ينعمون بحريتهم الوليدة، لكنهم غير قادرين على الدفاع عنها. وقد عبر أحد الشباب عن شعوره بالإحباط من أنهم لا يزالون محاصرين من قبل الدول والقوى غير الراغبة في توفير الوسائل اللازمة للسوريين للدفاع عن أنفسهم. فعندما دخلت القوات السورية كان الخيار الوحيد المتاح أمامهم هو الهرب.

ويقول بلال، محدقا في جابن التل في الوقت الذي تبرز فيه قبعات داكنة صغيرة لقوات الأمن بين الخيام الرثة: «هذه أشبه ببنغازي، لكن الاختلاف الوحيد هو أن أحدهم كان يمتلك السلاح، أما الآخر فلا. لو كانت لدينا أسلحة لحاربناهم، لكننا لا نملك أي مصدر للأسلحة. لا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا سوى بالفرار إلى تركيا».

* خدمة «نيويورك تايمز»