الزعيم الاسكوتلندي سالموند يريد تجسيد حلم الاستقلال إلى واقع

فوز حزبه في الانتخابات منحه قوة دفع لإجراء الاستفتاء ومكنه من تهميش الأحزاب التقليدية

TT

شكاوى اسكوتلندا من إنجلترا، جارتها الجنوبية الأقوى، عميقة وقديمة ومنذ مئات الأعوام. ولكن على الرغم من شعور البلد بالفخر بأمور جعلته مختلفا، مثل الثقافة والتاريخ وأطباق الهاجي، فإنه دائما ما اعتبر الاستقلال الاسكوتلندي حلما خياليا، وتبدو اسكوتلندا كأقلية لديها عاطفة تفوق قوتها.

وكان ذلك الحال حتى مايو (أيار) من العام الماضي. لكن الحزب القومي الاسكوتلندي، الذي يحمل هدفا معلنا هو تحقيق الاستقلال الاسكوتلندي، فاجأ الجميع وربما فاجأ حتى نفسه، بفوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان الاسكوتلندي وحصل على سيطرة مباشرة على الحكومة الاسكوتلندية للمرة الأولى (كان الحزب يقود حكومة ائتلافية ضعيفة منذ 2007).

والمفارقة أن هذا الفوز الانتخابي يجعل الحزب في موقف صعب، فبعد أن تعهد طويلا بإجراء استفتاء على الاستقلال، لا يوجد أمام زعيم الحزب أليكس سالموند سوى المضي قدما في هذا الأمر. وتظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الاسكوتلنديين يعارضون الاستقلال، وسيكون التصويت بـ «لا» في الاستفتاء بمثابة ضربة قوية لمصداقية وقضية القوميين.

وربما تكون أمام سالموند، الذي يتولى المسؤولية عن الحكومة الاسكوتلندية بحكم كونه الوزير الأول، مساحة للمناورة. ومن خلال إرجاء الاستفتاء إلى نهاية الفترة البرلمانية الحالية، وربما إلى 2014 أو 2015، ستكون لديه مساحة للتحرك من أجل الترويج لفكرته. كما يمكنه التحايل على الأمر إذا تمكن من طرح أكثر من سؤال في الاستفتاء – حتى يمكن للناخبين مثلا الاختيار بين الوضع الراهن أو الوضع الراهن بالإضافة إلى المزيد من السلطات لاسكوتلندا أو الاستقلال الكامل.

ويقول غاي لودج، المدير المشارك في معهد أبحاث السياسات العامة، وهي مجموعة بحثية ذات ميول يسارية في لندن: «إذا مضى في استفتاء يحتوي على عدة أسئلة، يمكن أن يخسر أليكس سالموند الاستفتاء ولكنه يستطيع أن يقول إنه على الرغم من أن الاستقلال طموحنا، فإننا نرضى بالحل الوسط». وأضاف قائلا: «سوف يبقي هذا الوضع على الزخم في صفهم».

ويعد الوضع الحالي امتدادا منطقيا لعملية بدأت في عام 1997، عندما حاولت حكومة حزب العمال في ذلك الوقت في بريطانيا أن تتعامل مع حالة الانزعاج المستمر من القومية الاسكوتلندية من خلال منح الاسكوتلنديين برلمانا خاصا بهم والمزيد من النفوذ على كيفية إنفاق أموالهم في مجالات مثل الصحة والتعليم. وكانت عملية «نقل السلطة» هذه، كما أطلق عليها، تهدف إلى «قتل القومية الاسكوتلندية»، مثلما قال عضو في الحكومة حينها، ولكن ذلك أثار الاسكوتلنديين وأعطاهم قدرا أكبر من الثقة في قوة اختلافاتهم.

وبصورة تقليدية كان الاسكوتلنديون على يسار إنجلترا من الناحية السياسية، وطبق البرلمان الاسكوتلندي سلسلة من الإجراءات لم يسمع عنها أحد في برلمان وستمنستر، حتى في ظل وجود حكومة من حزب العمال. وتفرض جامعات إنجليزية رسوما، فيما لا تزال الجامعات الاسكوتلندية مجانية (للطلبة الاسكوتلنديين على الأقل). ويدفع كبار السن مقابل الحصول على العلاج في إنجلترا، ولكنهم يحصلون على ذلك مجانا في اسكوتلندا.

وفي هذه الأثناء، حدث أمر غريب: تغير الحزب القومي الاسكوتلندي من مجرد كيان غريب نوعا ما يركز على قضية واحدة إلى قوة كبيرة قادرة على الوقوف أمام البرلمان الوطني في وستمنستر وأمام أحزاب العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطيين، وهي الأحزاب التي ضعفت بدرجة أكبر في البرلمان الاسكوتلندي.

ويقول مايكل غالاوي، 38 عاما، وهو موسيقي كان يتناول شرابا خارج حانة وسط مدينة أدنبرة وصوت للحزب القومي الاسكوتلندي للمرة الأولى في مايو (أيار): «قبل أيام قليلة، لم يكن يتم التعامل معهم بجدية، ولكن تغير ذلك كله». وأضاف: «يرى الناس أن أليكس سالموند هو أفضل سياسي، ويريدون حكومة قوية حازمة يترأسها سياسي يجعل مصالح اسكوتلندا في القلب».

وخلال مؤتمر عقد أخيرا حول الساحة السياسية الاسكوتلندية هنا، قال جون كورتيس، أستاذ السياسة في جامعة ستراثكلايد إن نجاح سالموند كوزير أول جعل قضية الاستقلال أقل إلحاحا. وقال «من المفارقة، وهذا لغز الحزب القومي الاسكوتلندي الحقيقي، يبدو أن الناس يرغبون في حكومة تحارب داخل الاتحاد»، في إشارة إلى الاتحاد بين الدول التي تشكل بريطانيا، وهي إنجلترا واسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية. ويضيف «يريدون من حكومة الحزب القومي الاسكوتلندي أن تكون مثل عميل صعب المراس – ومن خلال البرهنة على أن انتقال السلطة يمكن أن يحقق ذلك، لا يشعر الناس على الحقيقة أنهم يريدون استقلالا».

ومنذ انتخابات مايو (أيار) الماضي، أخذ سالموند يستعرض عضلاته. وداخل البرلمان الاسكوتلندي طرح مشروع قانون مثيرا للخلاف يدعو إلى زيادة العقوبات على أعمال العنف المرتبطة بالطائفية بعد وقوع أحداث مزعجة في مباريات بين فريقي كرة القدم «سيلتك» و«رينجر». وقال: «لن يكون هناك مواطنون يعيشون في خوف من بعض المنافسات الحمقاء التي تعود للقرن السابع عشر ونحن في القرن الحادي والعشرين».

وأعاد تقديم مشروع قانون، مني بهزيمة قبل عدة أعوام، من أجل وضع حد أدنى للأسعار بالنسبة لكل وحدة من الكحول، وقال إن الشرب داخل اسكوتلندا قد خرج عن السيطرة و«نحن نتهاون مع نهم في الشراب يقوض من صحتنا ومن قدرتنا على تقدير الأمور ومن علاقاتنا ومن أمننا ومن كرامتنا». وداخل وستمنستر أكد القوميون على روحهم القتالية من خلال الإصرار على تنازلات أكبر في التشريع الذي يحدد العلاقة بين اسكوتلندا وبريطانيا، والمطروح داخل البرلمان. ومن بين الأمور الأخرى، فإن مشروع القانون سيقلل من ضرائب الدخل التي يدفعها الاسكوتلنديون لبريطانيا مقابل تقليل المنحة السنوية التي تدفعها بريطانيا لاسكوتلندا. ولإحداث فارق، سيسمح لاسكوتلندا بأن تحصل على ضريبة إضافية في الدخل.

وعلى الحزب المحافظ البريطاني، الذي يقود حكومة ائتلافية في وستمنستر ولا يحظى بشعبية في اسكوتلندا، أن يتخذ منحى حذرا خشية عزل الاسكوتلنديين أكثر وإذكاء الرغبة في الاستقلال. ويعارض المحافظون استقلال اسكوتلندا – وكذا كافة الأحزاب غير القومية – ولكنهم وافقوا نظريا على السماح للاسكوتلنديين بأن يجروا استفتاء حول هذه القضية. وأخطأت أحزاب المعارضة في تقديرها للحالة المزاجية خلال الانتخابات الأخيرة من خلال ذكر توقعات كئيبة لاسكوتلندا في حال تولي الحزب القومي الاسكوتلندي زمام الأمور، فيما كان الحزب وسالموند «يفيضان بالتفاؤل بشأن مستقبل اسكوتلندا»، بحسب ما ذكره لودج. ويقول ريتشارد غاريت، 43 عاما، وهو طالب كان ينتظر حافلة لشارع برنسيس في مدينة أدنبرة: «لقد أعطوا اسكوتلندا شعورا بالفخر بأن يكون المرء اسكوتلنديا. وحقيقة الأمر، أرى أن اسكوتلندا في طريقها للاستقلال».

* خدمة «نيويورك تايمز»