السوريون على الأرض ينظمون أنفسهم.. عبر العالم الافتراضي والعمل السري

لجان التنسيق المحلية تضم من 100 إلى 200 شخص في أنحاء البلاد

صورة مأخوذة من موقع أوغاريت تظهر قوات الأمن وهي تطلق النار تجاه المتظاهرين المدنيين العزل
TT

بدأت المعارضة السورية التي تستمد قوتها من شوارع البلاد المضطربة، تظهر كقوة محورية في السياسة، والتي كانت في سبات عميق يوما ما في البلاد، ونظمت نفسها في مختلف المناطق المتباينة من خلال الإنترنت، ووصلت إلى الأقليات الدينية الخائفة وكسبت احترام المنشقين الذين يحظون باعتراف أكبر لكنهم يعانون من الانقسامات منذ فترة طويلة.

وأصبح للجان التنسيق المحلية، كما يطلقون على أنفسهم، دور كبير في ما يتشكل الآن كمرحلة حاسمة محتملة في سوريا، مع امتداد بعض الاحتجاجات أول أمس إلى مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، ووصول الحكومة إلى المعارضة بشكل مبدئي الأسبوع المقبل. وربما يحدد النجاح الذي حققه المتظاهرون الشباب ما إذا كان هذا التغيير يحدث بشكل تدريجي، كما اقترحت الحكومة، أم بشكل أوسع بكثير، كما طالب المتظاهرون أنفسهم.

وينبع هذا النجاح من القدرة على البقاء بصورة لا مركزية، والعمل في الخفاء وصياغة رسالتهم من خلال استخدام المصطلحات القومية، لكن هذا النجاح الكبير قد جعل منهم لغزا محيرا للغاية بالنسبة للحكومة السورية التي تفضل العمل مع الشخصيات المعارضة المعترف بها بصورة أكبر، والتي اجتمعت في لقاء نادر في دمشق يوم الاثنين الماضي.

ومن جانبهم، يعترف المسؤولون الأميركيون بأنهم يحاولون أيضا قياس أهمية المتظاهرين الشباب في وقت الاضطراب. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته «لطالما كانت المعارضة محصورة بين قوسين (المعارضة السورية)، حيث كانت تفتقر إلى الاتحاد والتنظيم، بل كانت عبارة عن مجموعة من المعارضين أو النشطاء، لكنها أصبحت الآن معارضة حقيقية، وحتى لو كانت لديها مستويات متعددة فقد أصبحت منظمة وتتحدث بصوت واحد».

وكما هو الحال في الثورات العربية الأخرى، ظهرت قوة جديدة، بعدما ازدادت المظاهرات في سوريا زخما خلال الأسابيع الماضية، لا سيما في مدن مثل حمص وحماة. وقد نجح المتظاهرون الشباب الذين يشكلون هذه اللجان التنسيقية في سد الفجوات بين الدين والطائفة والطبقية في محاولة لتشكيل قيادة جديدة. وكما كان الحال في مصر، كان هؤلاء الشباب قادرين على استغلال سنوات من الانشقاق المحلي، وكانوا قد أنشأوا بالفعل شبكات غير رسمية من الأصدقاء والزملاء. وقال رامي نخلة، وهو ناشط من دمشق فر إلى لبنان هذا العام ويساعد على تنظيم عمل اللجان «لقد بدأنا من خلال نقل الأخبار». وحتى قبل اندلاع الثورة، كان النشطاء ينقلون المعلومات من خلال الهواتف الجوالة وأجهزة المودم التي تعمل بالأقمار الصناعية وأجهزة الحاسوب في حال امتدت المطالب بالتغيير الموجودة في العالم العربي إلى سوريا. لقد فعلوا ذلك بالفعل، وحتى خلال الأيام الأولى من الثورة نجح الناشطون هناك في سرد أحداث الثورة التي تم الكشف عنها بصورة غير مكتملة ومتحيزة - في ذهن الحكومة على الأقل. وخلال الأسابيع التي تلت ذلك، اجتمع الناشطون في اللجان التي نجحت في الوصول إلى بعضها بعضا. وقال نخلة إن أول لجنة قد نشأت في ضاحية من ضواحي دمشق تسمى داريا، وكانت أكثر اللجان تنظيما في مدينة حمص ثالث أكبر المدن السورية والتي برزت بوصفها حلقة الوصل للثورة السورية. وقال عمر الدليبي، وهو المتحدث الرسمي باسم اللجان والذي ساعد في تنظيم العمل في حمص قبل فراره إلى لبنان، إن النشطاء قد اجتمعوا في لجان خلال الأسبوع الثاني من الثورة وكان 22 شخصا يساعدون في التنسيق بين مائة شخص على الأرض لتوثيق المظاهرات، وقال «لقد كان ذلك بمثابة وكالة أنباء صغيرة». وقال مسؤولون أميركيون ونشطاء إن ما يتراوح بين مائة ومائتي شخص - الغالبية العظمى منهم من الشباب - يشاركون بشكل كامل في هذه اللجان في مختلف أنحاء البلاد. ويحاول ما يصل إلى 35 ناشطا ممن قد تم الاعتراف بهم على أنهم قادة للجان التواصل عن طريق غرفة الدردشة على الإنترنت كل يوم في تمام الساعة العاشرة صباحا. وقد رسمت هذه اللجان اتجاهات مختلفة: في حماة احتل الناشطون ساحة العاصي خلال احتجاجات ليلية؛ وفي دوما، إحدى ضواحي دمشق، سعت اللجنة لبدء حملة للعصيان المدني وحثت السكان على التوقف عن دفع فواتير المياه والكهرباء والهاتف.

وفي جميع أنحاء البلاد، يقول نشطاء إن كثيرا من الأعضاء لا يشاركون في الاحتجاجات بأنفسهم خوفا من الاعتقالات. وقال أحد الذين عرف نفسه بأنه طالب في الثالثة والعشرين من عمره ويدعى علي ويعمل مهندسا مدنيا إنه يقضي 15 ساعة يوميا على الإنترنت، وأضاف «إننا نعيش ونعمل في عالم افتراضي، وليس في الشارع».

وتواجه اللجان المحلية انقسامات مريرة في بعض الأحيان. وقد تجمعت مجموعات منفصلة حول اثنتين من الشخصيات النسائية البارزة وهما رزان زيتونة وسهير الأتاسي، في حين حاولت مجموعة ثالثة تنظيم الأقلية الكردية التي تعيش أساسا في شرق البلاد. وثمة جدل حول مدى تعبير اللجان التنسيقية عن الاحتجاجات وإلى أي مدى تديرها، حيث لا تزال الاحتجاجات تبدو عفوية إلى حد كبير حتى بعد أشهر من التنظيم.

لكن خلال الأسابيع الماضية، نمت ملامح اللجان بشكل حاد، حيث استولت على عباءة المعارضة التي لا تستطيع المعارضة الموجودة في المنفى المطالبة بها بعدما تلطخت سمعتها بسبب علاقتها بالولايات المتحدة ودول أخرى. أما المنشقون البارزون في دمشق مثل لؤي حسين وعارف دليلة وفايز سارة فيحظون باحترام كبير لكنهم يتحدثون عن أنفسهم إلى حد كبير. وقال لؤي حسين «إننا في حاجة ماسة لقيادات جديدة من الشباب لأنهم هم أملنا الوحيد في المستقبل. لقد بدأت اللجان المحلية في تحسين أدائها السياسي والتنسيق في ما بينها. ولا يقتصر دورها على مجرد تنظيم الاحتجاجات في الشوارع وإدارة هذه الحملة الإعلامية، حيث إنها أصبحت أكثر تطورا من الناحية السياسية». ومن خلال البيانات التي تصدرها، والتي قال نخلة إن إعداد أحدها قد استغرق شهرا، وصلت اللجان إلى الأقليات الموجودة في بلد متنوع بشكل ملحوظ. وقد خلق التنسيق بين المدن نوعا من التضامن الذي لم يكن موجودا من قبل - مع المنطقة الفقيرة والمهملة في جنوب سوريا والمعروفة باسم حوران، أو بين المدن التي توجد بينها خصومات تاريخية مثل حمص وحماة.

وقال بيتر هارلينغ، وهو محلل في مجموعة الأزمات الدولية يقيم في دمشق «إن هذا هو الجيل الجديد الذي لا يجب عليه أن يتعلم من أحد». وقد وعد المسؤولون السوريون ما وصفوه بأنه فترة إصلاح، على الرغم من أن الكثير من المحللين والدبلوماسيين أشاروا إلى أن رؤيتهم لا تتعدى ما كان موجودا في مصر في عهد الرئيس حسني مبارك: حزب حاكم يسمح بأحزاب معارضة ضعيفة لكنها شرعية، ودرجة معتدلة من حرية التعبير والصحافة الناقدة، وبرلمان مرتفع الصوت لكنه غير فعال، وأجهزة أمنية قد تخضع لبعض الإصلاحات لكنها لا تزال مليئة بالفساد.

لكن حتى الخطوة في هذا الاتجاه تتطلب مُحاورا، وحتى الآن أوضحت الحكومة السورية أنها تنظر إلى المعارضين المعترف بهم مثل لؤي حسين على أنهم شركاء محتملون. ويخشى هؤلاء الأشخاص من إبعاد اللجان، وحذروا في مقابلة تلو الأخرى من أنهم لا يستطيعون التحدث بالنيابة عن المتظاهرين.

وكانت النتيجة، كما أشار الكثير من المراقبين، هي بروز حالة من الجمود الخطير الذي ينطوي على خطر عسكرة المعارضة. ويقول السكان إن ثمن الأسلحة قد ارتفع في حمص، ويعترف المسؤولون الأميركيون بحدوث تمرد يبدو أكثر وضوحا في شمال غربي البلاد، حيث شن الجيش السوري المزيد من العمليات، مما أدى إلى مقتل 19 شخصا خلال يومين، حسب تصريحات النشطاء. وقال المسؤول الأميركي «يبدو أن الحكومة تركز على الناشطين البارزين. يبدو أنها لا تدرك أهمية لجان التنسيق المحلية حتى الآن. إنني لم أر أي دليل على أنها تعطيهم أي اهتمام».

* خدمة «نيويورك تايمز»