لبنان يبدأ البحث عن المتهمين الأربعة باغتيال الحريري

بلمار يدعو إلى تعاون السلطات اللبنانية وتقديم المطلوبين إلى العدالة

لبناني يحمل كتاب في مكتبة بالعاصمة بيروت عن عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري (أ. ف. ب)
TT

أخذت مذكرات التوقيف التي صدرت عن المحكمة الدولية، بحق أربعة مسؤولين أمنيين في حزب الله، طريقها إلى التنفيذ اعتبارا من أول من أمس، وبعد ساعات قليلة على تسلم القضاء اللبناني نسخة القرار الاتهامي، وذلك طبقا للأصول والقواعد القانونية المنصوص عليها في اتفاقية التعاون المبرمة بين الحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية، التي تعطي لبنان مهلة ثلاثين يوما للتنفيذ. وجاء ذلك في وقت أكد فيه المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار، أن «تقديم المتهمين إلى القضاء في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، يتطلب التعاون من السلطات اللبنانية والتمسك بسيادة القانون».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، تأكيده أن أسماء المتهمين الأربعة الذين وردت في مذكرات التوقيف الدولية هي نفسها التي تداولتها أول من أمس وسائل الإعلام وينتمي أعضاؤها إلى حزب الله. وقال شربل إنه تسلم «رسميا الساعة التاسعة من صباح اليوم (أمس) من النيابة العامة مذكرات التوقيف»، مؤكدا أنها «الأسماء ذاتها التي نشرت أمس (أول من أمس)»، وهم مصطفى بدر الدين وسليم العياش وأسد صبرا وحسين عنيسي. وتساءل شربل: «كيف يكون القرار سريا وقد وصلت الأسماء إلى وسائل الإعلام قبل أن تصلنا؟!»، مشيرا إلى أن هذا الأمر «أفقدنا عنصر المفاجأة» في عملية البحث عن المتهمين وتوقيفهم. وأوضح أن «القوى الأمنية ستبدأ عملية جمع المعلومات والبحث عن المتهمين وتحديد أماكن تواجدهم تمهيدا لمحاولة توقيفهم»، مشيرا إلى أن المدعي العام لديه مفرزة أمنية في تصرفه يستعين بها لإجراء التوقيفات. وقال إن «المسار القضائي يأخذ مجراه الطبيعي. لكن لا نعلم ما إذا كنا سنخرج منه بسلة فارغة أم ملآنة»، مشيرا إلى وجود «ما بين 15 ألفا إلى عشرين ألف مذكرة توقيف في لبنان لم نتمكن من تنفيذها لأننا عاجزون عن إيجاد أصحابها».

وتوجد في لبنان بؤر أمنية عدة بعضها في البقاع (شرق) والشمال لا تدخلها القوى الأمنية. كما يصعب على القوى الأمنية التدخل في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعتبر معقلا لحزب الله من دون موافقة الحزب، القوة اللبنانية الوحيدة المسلحة إلى جانب الدولة. واعتبر شربل أن القرار الاتهامي «هو قرار أمني»، داعيا «إلى عدم إدخال الأمن في السياسة، وإلى التعامل بروية وحكمة مع القرار مراعاة للوضع الأمني، لأنه إذا انفجر الوضع، لا يعود هناك قرار اتهامي ولا بلد».

وأفادت مصادر قضائية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» بأن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا كلف قسم المباحث الجنائية المركزية تنفيذ مذكرات التوقيف بالاستناد إلى عناوين المتهمين المطلوب توقيفهم الواردة في متن مذكرات التوقيف ولائحة الاتهام وإبلاغه بالنتيجة. في حين كشفت معلومات موثوقة أن القاضي ميرزا لم يتسلم من وفد المحكمة الدولية القرار الاتهامي كاملا، إنما الجانب المتعلق بأدوار الأشخاص الأربعة المشمولين بمذكرات التوقيف والأدلة والحيثيات التي تثبت تورطهم والمهمة التي اضطلع بها كل منهم في جريمة اغتيال الحريري.

وبقي صدور القرار الاتهامي موضع بحث وتقييم المرجعيات السياسية والقضائية والأمنية في لبنان، وكان محور اللقاء الذي جمع أمس وزير العدل شكيب قرطباوي بالقاضي سعيد ميرزا، ومسؤولية الدولة اللبنانية بتنفيذ مقتضيات هذا القرار انطلاقا من موجبات احترام الحكومة للقرارات الدولية بما فيها موضوع المحكمة والعدالة.

إلى ذلك، رحب المدعي العام الدولي دانيال بلمار في بيان صادر عن مكتبه، بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال فرانسين الصادر في 28 يونيو (حزيران) 2011 تصديقا لقرار الاتهام الذي قدمه بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقال بيان المدعي العام نشرته المحكمة الدولية على موقعها على الإنترنت: «لقد وافق قاضي الإجراءات التمهيدية أيضا على طلب المدعي العام إصدار مذكرات توقيف بحق الأشخاص المدرجة أسماؤهم في قرار الاتهام المذكور، وطلب إلى السلطات اللبنانية تنفيذ تلك المذكرات، وعملا بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية، يبقى مضمون قرار التصديق وقرار الاتهام سريا ولا يعلن عنه إلا بقرار منه».

وأضاف «هذا القرار الصادر عن قاضي الإجراءات التمهيدية يعتبر تقدما مهما، لأنه يمثل أول مراجعة قضائية مستقلة لعمل مكتب المدعي العام، وتصديق قاضي الإجراءات التمهيدية قرار الاتهام يعني اقتناعه بوجود أدلة كافية لإحالة المتهمين إلى المحاكمة، ويبقى الأشخاص المتهمون أبرياء حتى تثبت إدانتهم من دون أدنى شك معقول أمام غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة». وتابع بيان بلمار «أما تصديق قرار الاتهام فليس إلا خطوة ثانية في الإجراءات القضائية، فالتحقيقات ما زالت مستمرة في مكتب المدعي العام وكذلك العمل استعدادا للمحاكمة، ويمكن للمدعي العام أن يقدم قرارات اتهام إضافية إلى قاضي الإجراءات التمهيدية في أي مرحلة، أما قرار الاتهام المصدق فهو نتيجة لما شهده مكتب المدعي العام من جهود بذلها فريق عمل مقتدر، ومن تفان في العمل، ومن ساعات طويلة من التحقيق، وهو في المقام الأول ثمرة التزام الشعب اللبناني التزاما ثابتا بوضع حد للإفلات من العقاب في لبنان».

وتوجه المدعي العام الدولي بالشكر إلى «الشعب اللبناني وأسر الضحايا على ما تحلوا به من صبر»، معربا عن أمله أن «يجدد هذا التصديق ثقتهم بعزمه على كشف الحقيقة»، مشيرا إلى أن «تقديم المتهمين إلى القضاء يتطلب التمسك بسيادة القانون، والتعاون المتواصل من قبل السلطات اللبنانية، والدعم من المجتمع الدولي».