رئيس محكمة استئناف القاهرة: لا نضمن سلامة الانتخابات إذا ظل رؤساء المحاكم الابتدائية تابعين لوزير العدل

المستشار هشام جنينةلـ «الشرق الأوسط»: تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع قد تحول دون استرداد الأموال المهربة

رئيس محكمة استئناف القاهرة: لا نضمن سلامة الانتخابات
TT

حذر المستشار هشام جنينة، رئيس محكمة استئناف القاهرة، من التأخير في تحقيق استقلال القضاء، قائلا «إنه كقاض لا يضمن سلامة الانتخابات المقبلة إذا ظل التفتيش القضائي ورؤساء المحاكم الابتدائية تابعين لوزير العدل». ووجه، في حوار مع «الشرق الأوسط»، رسالة لوزير العدل الحالي قال له فيها: «ارفع يدك عن القضاة»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن وضع السلطة القضائية في الوقت الحالي يشبه ما كان عليه في ظل نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحت بحكمه احتجاجات مليونية في فبراير (شباط) الماضي.

كما حذر المستشار جنينة من عدم إمكانية استرداد أموال مصر المهربة للخارج، بسبب تولي جهاز الكسب غير المشروع، التابع لوزارة العدل، التحقيق في قضايا الفساد المنسوبة لرموز من النظام السابق، مشيرا إلى أن الأجدر بإجراء مثل هذه التحقيقات هي نيابة الأموال العامة، مشددا على ضرورة التزام التحقيقات بالمعايير الدولية التي تكفل تحقيقا عادلا، وأن يتم توجيه الشخص المتهم بكسب غير مشروع بأدلة دامغة وليس مجرد تحريات لا تعدو إلا أن تكون رأيا لمحررها.

وأضاف: «إننا لا نريد ارتكاب نفس الخطأ الذي حدث في أعقاب ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 عندما تشكلت محاكم ثورة ولم تكن فيها أي ضمانات لعدالة حقيقية وتعرض بعض الأشخاص للظلم»، قائلا: إن أقصى عقوبة يمكن أن يواجهها الرئيس السابق هي الإعدام، لكن المحكمة يمكن لها أن تنزل بالعقوبة، مستخدمة صلاحياتها حسب الظروف والملابسات. وأوضح، فيما يخص ما نُشر عن العفو عن سوزان ثابت، زوجة مبارك، أنه «كلام مغلوط»؛ لأن تنازلها عن أموالها وإخلاء سبيلها لا يعنيان أنها لن تحاكم.

واتهم المستشار جنينة الحكومة الفريق أحمد شفيق، التي عينها مبارك في أيامه الأخيرة واستمرت نحو شهر بعد سقوط نظام مبارك، بأنها صرحت بسفر صديق مبارك، رجل الأعمال الشهير حسين سالم، خارج البلاد، بينما كان ينبغي استبقاؤه بمصر للتحقيق معه.. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* صرحت بأن إجراءات محاكمة الرئيس السابق وعائلته ورموز نظامه أمام جهاز الكسب غير المشروع غير دستورية ومخالفة للقانون، كيف ذلك؟

- هذا التصريح فهمه البعض خطأ، واعتقدوا أنني أدافع عن الرئيس السابق ورموز نظامه، وهذا الكلام غير صحيح، فأنا أردت أن أطلق جرس إنذار، فمصر إحدى الدول الموقعة على الميثاق الدولي للعدالة واستقلال القضاء الصادر عن الأمم المتحدة، فأصبح لزاما على عاتق الدولة أن توفر ضمانات محاكمة عادلة بما يتفق والمعايير الدولية للمحاكمات، والمحاكمات العادلة تبدأ بتحقيقات منصفة تتفق مع المعايير الدولية في التحقيقات. الأصل في الإنسان براءة ذمته، فلا يجوز أن أتهم شخصا بأن أمواله وممتلكاته من مصدر غير مشروع وأطلب منه أن يثبت العكس، فمن المفترض أن الجهاز هو من يثبت أن هذه الأموال من مصدر غير مشروع، وهناك مبدأ في الشريعة الإسلامية يقول: إن البينة على من ادعى، والأصل في الإنسان براءة الذمة إلى أن تثبت أنت عكس هذا الأصل. ما يحدث الآن أن جهاز الكسب غير المشروع عندما يواجه المتهمين حاليا يطالبهم بإثبات أن ما لديهم من أموال، سواء سائلة أو أسهم وسندات أو عقارات، ناتج من مصدر مشروع، المبدأ الذي عكسه جهاز الكسب غير المشروع قد يلقي بظلال سيئة على المطالبات الدولية باسترداد الأموال المهربة؛ لأنه إذا كان هناك شك في سلامة إجراءات الجهاز وتحقيقاته. فما يحدث حاليا أن جهاز الكسب عندما يواجه فإنه يواجه بتحريات وليست أدلة، وهذا خطأ؛ لأن التحريات حسبما استقرت عليه أحكام محكمة النقض عبارة عن رأي لمحررها عرضة للخطأ أو الصواب، فلا يصح بأي حال من الأحوال أن يبنى التحقيق في وقائع جنائية تترتب عليها إحالة للمحاكمات على تحريات فقط، فلا بد من وجود دليل قاطع على أن هذا الشخص استغل نفوذه وتربح وأهدر المال العام.

* وما الحل، من وجهة نظرك، لتفادي هذه الثغرة القانونية؟

- الحل أن تلتزم هذه التحقيقات بالمعايير الدولية التي تكفل تحقيقا عادلا، وأن يواجه المتهم بالكسب غير المشروع أو تضخم الثروات بأدلة دامغة، وليست مجرد تحريات لا تعدو إلا أن تكون رأيا لمحررها.

* طالبت أيضا بإعادة النظر في عمل جهاز الكسب غير المشروع، لماذا؟

- أكبر خطأ أن يتبع جهاز الكسب غير المشروع وزير العدل، فلا بد أن تؤول اختصاصاته للنيابة العامة، فلا يوجد مبرر لإنشاء هذا الجهاز، وهناك نيابة للأموال العامة تقوم بالتحقيق في وقائع الضرر بالمال العام.

* هل تؤيد حالة الاستياء العامة في الشارع المصري من بطء محاكمات رموز النظام السابق، خاصة فيما يتعلق بقتل المتظاهرين؟

- المسألة ليست مسألة سرعة أو بطء، فلا بد أن تتوافر إجراءات المحاكمة العادلة، بتمكين دفاع المتهمين من الاطلاع على ملفات القضايا، وإبداء دفاعهم وسماع شهودهم وإحضار مستنداتهم إذا كانت هناك مستندات تبرئهم، فنحن لا نريد ارتكاب الخطأ نفسه الذي حدث في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 عندما تشكلت محاكم ثورة ولم تكن فيها أي ضمانات لعدالة حقيقية وتعرض بعض الأشخاص للظلم، فالثورة قامت من أجل تحقيق العدالة، فيجب التمسك بتطبيق هذا المبدأ حتى مع من ظلمونا فيما قبل الثورة.

* قدم فريد الديب، محامي الرئيس السابق، تقريرا طبيا يفيد بأن مبارك يعاني السرطان، فهل يمكن أن يؤثر مثل هذه التقارير الطبية على سير المحاكمة؟

- أي متهم قد يمرض، لكن ليس معنى أنه مريض أن يؤثر ذلك على المحاكمة، فالقانون نظم محاكمة أي متهم إذا أصابه مرض، فإما أن يوضع في مستشفى السجن ويتم إرساله للمحكمة في مواعيد الجلسات، وإما، إذا كانت الحالة المرضية يستحيل معها انتقاله، فمن حق المحكمة أن تنتقل إليه وتسمعه وتوجه له الاتهام، فهذه المسألة ليست مشكلة ولن تمنع إجراءات المحاكمة العادلة، لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه محاكمة مبارك الاعتبارات الأمنية، وتوفير الأمن لإجراء هذه المحاكمة.

* هل يمكن حقا الحكم على الرئيس السابق؟ وما أقصى عقوبة يمكن أن يحصل عليها في حالة ثبوت واقعة التحريض على قتل المتظاهرين؟

- المفترض أن العدالة عمياء، كما تعلمنا، فلا تميز بين رئيس وغفير، فالعدالة تطبق على الجميع، وإذا لم يترسخ هذا المبدأ في مفهوم المواطنين لن نكون دولة قانون، ولن يُحترم القانون، فمع الأسف الشديد أن النظام السابق كان دائم التحدث عن سيادة القانون، وهو أول من ضرب سيادة القانون ومبدأ العدالة في مقتل. أما أقصى عقوبة يمكن أن يواجهها الرئيس السابق فهي الإعدام، لكن المحكمة لها أن تنزل بالعقوبة مستخدمة صلاحياتها المنصوص عليها في القانون حسب ظروف الواقعة وملابساتها، فهذه المسألة تقديرها يخضع للمحكمة التي تنظر القضية، فهناك عدة اعتبارات تأخذها المحكمة عندما تصدر أحكامها مثل اعتبارات السن والحالة الصحية والاعتبارات الخاصة بماضيه وتاريخه.

* تحدثت عن أن العدالة عمياء، لكن الشارع المصري رأى أن هذه العدالة لم تتحقق عندما تم العفو عن سوزان ثابت بعد تنازلها عن ممتلكاتها؟

- ما نشر عن أنه تم العفو عن سوزان ثابت كلام مغلوط؛ لأن قرار العفو لا يتم إلا بعد محاكمة، فلا يجوز قانونا العفو عن إنسان ثبت في حقه جرم دون محاكمة، فالقانون ينص على محاكمة المتهم ثم صدور حكم ضده ثم يأتي من يقوم مقام رئيس الجمهورية، وهو المجلس العسكري حاليا، ليصدر قرارا بالعفو على المحكوم عليه، فتنازلها عن أموالها وإخلاء سبيلها لا يعنيان أنها لن تحاكم.

* هل يمكن أن يعود حسين سالم ليحاكم في مصر؟

- أنا أتهم حكومة أحمد شفيق السابقة بالتواطؤ؛ لأنها صرحت لحسين سالم بالسفر خارج مصر، على الرغم من أنه معلوم أن حسين سالم هو أحد رموز الفساد وأنه الغطاء لعمليات غسيل وتهريب أموال الأسرة الحاكمة؛ لذا يجب التحقيق لمعرفة من سمح له بالخروج خارج مصر ومعه أموال المصريين، ومحاسبته، فأنا علمت من زملاء لي في الإمارات أن حسين سالم في أعقاب الثورة أخد طيارة خاصة من القاهرة محملة بنقدية سائلة تقدر بمليارات الدولارات واستقلها للإمارات، لكن السلطات الإماراتية رفضت دخوله إلا بعد إثبات هذه المبالغ، لكنه رفض وأخذ الطيارة وسافر لسويسرا؛ لذا لا بد من التحقيق في هذه الوقائع.

* أشرت قبل ذلك إلى أن السلطة القضائية ما زالت تعاني عدم الاستقلال الكامل حتى بعد الثورة، لماذا؟

- للأسف الشديد، إن القانون لا يكفل للقضاء الاستقلالية التامة؛ لأن القوانين الموضوعة حاليا، التي تنظم العلاقة بين السلطات في الدولة، أعطت للسلطة التنفيذية صلاحيات واسعة جدا على السلطة القضائية، من بينها إحالة القضاة للصلاحية ومساءلتهم تأديبيا، فمن خلال تبعية التفتيش القضائي لوزير العدل يكون للوزير سلطة توجيه لوم أو تنبيه إلى أي قاضٍ، كما أن وزير العدل هو من يختار رؤساء المحاكم الابتدائية، ونحن نعلم دورهم الخطير في التأثير على مجريات العملية الانتخابية، لدرجة أن بعضهم كوفئ بتعيينه مساعدا لوزير العدل في النظام السابق لقيامه بتزوير لجنة انتخابية في دمنهور. السلطة القضائية لن تكون مستقلة إلا بإلغاء صلاحيات وزير العدل على القضاة ونقل تبعية التفتيش القضائي ورؤساء المحاكم الابتدائية لمجلس القضاء الأعلى، ويجب أن يحدث ذلك قبل الانتخابات المقبلة - في سبتمبر (أيلول) - لأننا لا نضمن سلامة الانتخابات إذا ظل التفتيش القضائي ورؤساء المحاكم الابتدائية تابعين لوزير العدل.

* المستشار محمد عبد العزيز الجندي، وزير العدل، قام بإحالة 3 قضاة للتحقيق أمام التفتيش القضائي لإدلائهم بتصريحات إعلامية دون إذن مسبق.. فما تعليقك؟

- هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن السلطة التنفيذية ما زالت تحاول ترهيب القضاة وترويعهم، من خلال استخدام وزير العدل لصلاحياته الواسعة في قانون السلطة القضائية، بإحالة قاضٍ للصلاحية أو مجلس تأديب، أو بتوجيه تنبيه له أو نقله، أو بالتأثير على التفتيش القضائي الذي يراقب على العمل المهني والفني للقاضي، فإدارة التفتيش القضائي هي الجهة القضائية الوحيدة في مصر التي ما زالت في يد وزير العدل؛ فمجلس الدولة والنيابة الإدارية وقضاء الدولة لا شأن لوزير العدل بالرقابة على عملها أو تفتيشها.

* ما تعليقك على الجدل الدائر الآن حول الدستور أولا أم الانتخابات البرلمانية أولا؟

- هذا الجدل يستغرقنا بشكل يفتت الالتفات حول الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، فلا يصح تبادل الاتهام بالعمالة أو التواطؤ؛ لأن كل الآراء تصب في اتجاه واحد، هو مصلحة البلد، فلا يصح أن تكون مصلحة البلاد مدعاة لشق الصف أو الانقسام، فلا قسمة للحديث عن الدستور أولا أو الانتخابات أولا إذا خلصت النوايا لإصلاح أحوال البلد، فالعبرة بالتنفيذ على أرض الواقع، خاصة أن كما كبيرا من المواطنين البسطاء لا يهمهم هذا النقاش الدائر حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا.

* إذا طلبت منك توجيه رسالة لوزير العدل الحالي ماذا تقول؟

أقول له: ارفع يدك عن القضاة.