القضاء الجزائري يعيد فتح ملف «المجاهد قاتل الإرهابي التائب»

جراح «المأساة الوطنية» تلقي بظلالها على فترة ما بعد «المصالحة»

TT

يعالج القضاء الجزائري الأسبوع القادم، قضية مثيرة تتعلق بأحد المحاربين القدامى (مجاهدي حرب الاستقلال) والذي قتل إرهابيا «تائبا» بذريعة أنه استفزه في البلدة التي يقيمان بها. وأدانت المحكمة القاتل الذي تجاوز السبعين بالإعدام، ثم خففت الحكم إلى السجن مدى الحياة. وتطرح القضية من زاوية إفرازات الأزمة الأمنية بالجزائر، إذ يرفض قطاع من الجزائريين محو المتابعات القضائية ضد أفراد الجماعات المسلحة.

وسيفتح القضاء من جديد «ملف محمد غربي» للنظر في طلب الإفراج المشروع عنه، الذي تقدم به الدفاع إلى المحكمة. ويستند محامو غربي في طلبهم إلى شروط معينة تتيح للسجين فرصة الخروج من السجن بعد قضاء نصف العقوبة. ويوجد غربي في الزنزانة منذ مطلع 2001 بسبب قتل شخص، كان عضوا في «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، الذراع المسلحة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» سابقا، وتخلى عن السلاح مستفيدا من «عفو خاص» أصدره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بداية 2000 لفائدة 6 آلاف من عناصر «الإنقاذ».

ويقول أهل منطقة سوق اهراس بأقصى شرق الجزائر، إن الإرهابي «التائب» علي مراد كان يسخر من محمد غربي، 75 سنة، ويستفزه بنظراته كلما التقاه بالبلدة. وفهم غربي الاستفزاز، حسبهم، على أنه تحد شخصي ضده، مفاده أن علي مراد «عاد إلى الحياة العادية بعد أن محا القضاء تهمة الإرهاب نكاية في كل الأشخاص الذين يرفضون أن تلغي السلطات جرائم الإرهاب بجرة قلم»، وغربي واحد من الذين يرون أن سياسة «الوئام» وبعدها «المصالحة» اعتمدهما الرئيس بوتفليقة «على حساب مبدأ القصاص من مرتكبي الجرائم».

ويشاع بأن التائب «تمادى في استفزازاته»، فقرر غربي الانتقام فقتله بسلاحه الناري الذي كان يحمله من موقعه عضوا في «جماعات الدفاع الذاتي»، وهي فصيل أمني أسسته السلطات مطلع تسعينات القرن الماضي، في إطار محاربة الإرهاب. وجرت وقائع الجريمة في وضح النهار وأمام مرأى سكان البلدة.

ويعتبر غربي من قدامى المجاهدين المشاركين في حرب التحرير من الاستعمار (1954 - 1962). وقد اعتقل مباشرة بعد حادثة الاغتيال، وأدين بالإعدام. وطعن في الحكم وخففت المحكمة من العقوبة إلى السجن النافذ 20 سنة. وخلفت الحادثة استياء بالغا في صفوف «التائبين» الذي طالبوا بحمايتهم من «أعداء المصالحة».

وتشكلت «لجنة» للمطالبة بإطلاق سراح غربي، تسعى منذ سنوات لحشد التأييد لصالح عودة السجين إلى أهله. ووصلت القضية إلى البرلمان وتبناها الحزب المعارض «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، وكانت بالنسبة إليه فرصة أكدت «صحة» نظرته لسياسات التهدئة التي تعتبر بالنسبة له «انهزاما سياسيا أمام الإرهاب بعد الانتصار عليه عسكريا». ونقل أعضاء «اللجنة» معركتهم إلى الخارج، الاتحاد الأوروبي بالتحديد، طمعا في إيجاد ضغط دولي ضد الحكومة الجزائرية لدفعها إلى إطلاق سراح غربي.

ومعروف محليا أن «النبش في الماضي» المتعلق بفترة الصراع مع الإسلاميين المتطرفين، محظور بموجب «قانون السلم والمصالحة الوطنية» الذي صدر مطلع 2006، إذ يهدد بالسجن كل من يثير إثارة جراح «المأساة الوطنية» الغائرة، سواء بتوجيه تهمة القتل لرجال الأمن، أو وصف التائبين بالإرهاب، بعد تخليهم عن السلاح.