مشاركة حاشدة من ممثلي الجمعيات والفعاليات السياسية في الحوار الوطني البحريني

الظهراني: سنديره بكل شفافية.. وشعب البحرين أمامه فرصة تاريخية

جانب من المشاركين في مؤتمر الحوار («وكالة الأنباء البحرينية»)
TT

وسط أجواء وردود فعل هادئة في الشارع البحريني، وإجراءات أمنية مشددة، افتتح أمس حوار التوافق الوطني الذي دعا إليه العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة في المنامة، وذلك بمشاركة حاشدة من ممثلي الجمعيات والفعاليات السياسية والاقتصادية، الذين وجهت لهم الدعوة للمشاركة في الحوار. وكان في مقدمة حضور جلسة الافتتاح ممثلو أعضاء جمعية الوفاق المعارضة التي أعلنت مشاركتها عشية انطلاق الحوار الوطني، فيما قاطعت جمعية العمل الإسلامية الحوار.

ويؤكد مراقبون أن الحوار من شأنه أن يدفع بالإصلاحات السياسية قدما، وفق توجه الحكومة وتأكيدها على استمرارية الإصلاحات.

وكانت السلطات البحرينية قد سارعت قبل انطلاقة الحوار باتخاذ خطوات إيجابية وربما كانت مفاجئة، وذلك بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق برئاسة خبير جرائم الحرب في الأمم المتحدة محمود شريف بسيوني، إضافة إلى نقل قضايا المتهمين في أحداث فبراير (شباط) من المحاكم العسكرية إلى المحاكم العادية. وفي صبيحة انطلاقة الحوار تم إطلاق سجناء أغلبهم من المعارضة، وعلمت «الشرق الأوسط» أنه تم إطلاق نحو 80 سجينا، وهناك توقعات بإطلاق دفعة أخرى، عطفا على رفع حالة السلامة الوطنية قبل موعدها المحدد.

وهذه الخطوات أو المبادرة التي عجلت بها الحكومة، والتي كانت في مقدمة مطالب المعارضة البحرينية، قد تكون بمثابة الوقود الذي سيدفع بالحوار إلى نتائج جيدة، وهو ما دفع أيضا ببعض الجمعيات السياسية للمشاركة رغم ما أبدته من تحفظ على آليات وقيادة الحوار.

من جهته، قال خليفة بن أحمد الظهراني، رئيس مجلس النواب رئيس حوار التوافق الوطني، في الجلسة الافتتاحية بمركز عيسى الثقافي بالجفير، إن شعب البحرين أمام فرصة تاريخية لعبور مرحلة مفصلية عبر حوار التوافق الوطني، والذي انطلق من دون شروط مسبقة، وذلك للتقريب بين وجهات النظر للخروج بمرئيات وقواسم مشتركة تسهم في دفع عجلة الإصلاح ومزيد من التطور في كل المجالات، مشيرا إلى أنه سيدير مراحل الحوار بشفافية وموضوعية. وبين أنه بعد الانتهاء من جلسات الحوار سيقوم منسقو الجلسات برفع النتائج إلى رئيس حوار التوافق الوطني، بما فيها من نقاط الاتفاق أو الاختلاف، والذي سيقوم بدوره برفعها إلى الملك ليحيلها إلى المؤسسات الدستورية لاتخاذ اللازم كل حسب اختصاصه.

وتضمنت الجلسة الافتتاحية شرحا مفصلا حول مفهوم التوافق، وأساسيات مبادئ الحوار، من خالد عجاجي مشرف منسقي جلسات الحوار، إلى جانب توضيح لآلية عمل المتحاورين، والجوانب التنظيمية، ومن المقرر أن تبدأ جلسات حوار التوافق الوطني وفق المحاور الأساسية مساء الثلاثاء القادم.

ويتضمن الحوار أربعة محاور رئيسية في مقدمتها المحور السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والحقوقي، بالإضافة إلى ندوة خصصت للمقيمين الأجانب بالبحرين، وكل محور يتكون من محاور فرعية تتضمن موضوعات متعددة تلبي جميع المرئيات التي تقدم بها المشاركون والتي ستناقشها فرق العمل.

وقال عيسى عبد الرحمن، المتحدث الرسمي للحوار، إن المحور السياسي يتضمن المحاور الفرعية والتي تشمل الجمعيات السياسية، وصلاحيات مجلسي الشورى والنواب، وحكومة تمثل إرادة الشعب والنظام الانتخابي، فيما سيتضمن المحور الاقتصادي المحاور الفرعية التي تشمل تعزيز التنافسية الاقتصادية ومستوى الخدمات الحكومية من صحة وإسكان وتعليم وأنظمة تقاعدية، والحوكمة في إدارة المال العام وإعادة توجيه الدعم ومساهمة المجتمع في التنمية. فيما يتضمن المحور الاجتماعي المحاور الفرعية التي تشمل الملف الشبابي ومؤسسات المجتمع المدني والأمن والسلم الأهلي، فيما سيتناول المحور الحقوقي المحاور الفرعية التي ستعنى بحقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة والسلطة القضائية وحرية التعبير وحرية التجمع وحقوق الإنسان.

أما في ما يتعلق بتوزيع المتحاورين على فرق العمل والتسجيل للمشاركة في فرق العمل، فأوضح المتحدث الرسمي أنه تم تقسيم موضوعات الحوار إلى محاور رئيسية، وتندرج تحت كل محور رئيسي محاور فرعية تتم مناقشة موضوعات محددة مرتبطة بها في فرق عمل تتسع كل منها لنحو خمسين مشاركا.

وأكد المتحدث الرسمي أنه حتى يكون الحوار منتجا فقد روعي أن يكون هناك حضور للأشخاص الذين يمثلون المواضيع أو الجهات ذات العلاقة بالمحور الفرعي، على أن يكون الحضور بحسب الأعداد والمعايير لكل الممثلين للجهات المشاركة، حيث إن الجمعيات السياسية تختار من يمثلها من المرشحين الخمسة لحضور المحور الفرعي، والذين تم تقديم أسمائهم للجنة التنظيمية. وأشار إلى أنه تم تحديد ثلاثة أشخاص مشاركين في كل محور فرعي من قبل هيئتي المكتب في كل من مجلسي الشورى والنواب، كما تم تحديد شخص واحد ممثل للحكومة للمشاركة في كل محور فرعي.

وقال الظهراني «إن التعايش الذي جمع أبناء البحرين على مر السنوات الطويلة الماضية لا يمكن أن يكون إلا دليلا على توافقهم وتآزرهم، ونحن نؤمن بأن التوافق الذي سينتجه هذا الحوار هو النهج الذي عهدناه في أبناء البحرين جميعا، وما زالوا على وعي كبير بأهميته حتى لا نعود بالوطن إلى الوراء. لا نريد الوقوف إلا لاستخلاص العبر والدروس كما أكد الملك حمد آل خليفة»، مضيفا «كلنا ندرك عواقب التأزيم، وإن حوار التوافق الوطني الذي بدأ اليوم فرصة لنا جميعا لنثبت مسؤوليتنا تجاه وطننا».

وأضاف أن «نهج الحوار ليس غريبا أو جديدا على أبناء البحرين، وأكبر دليل على ذلك إرساء مبادئ ميثاق العمل الوطني قبل عشر سنوات. إننا نطمح لحوار توافقي وطني بين المشاركين، يكون فيه التفاعل الإيجابي مع هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الوطن فرصة لإنجاح الحوار والارتقاء بمخرجاته، فبإمكان جميع المشاركين في حوار التوافق الوطني طرح مطالبهم، والدفع بمرئياتهم نحو التوافق».

من جهته، أكد عبد اللطيف المحمود، رئيس وحدة التجمع الوطني لـ«الشرق الأوسط»، أن انطلاقة الحوار تعد خطوة جيدة نحو التقدم والتطور في مسيرة العمل السياسي البحريني، على أن يكون المشاركون لديهم الجدية وصدق النوايا للسير بالحوار نحو الوفاق الذي ينشده الجميع ويلبي متطلبات الشعب البحريني، في إطار الواقع البحريني. وحول بعض الملاحظات أو التحفظات على آلية الحوار، قال المحمود «في الواقع هناك ملاحظات، لكنها تبقى شكلية، متى ما تولدت الإرادة للتوافق والإصلاح».

ومن جهته، أوضح إبراهيم كمال الدين، عضو اللجنة السياسية المركزية لجمعية «وعد»، إحدى الجمعيات السياسية المعارضة والمشاركة في الحوار، أن هناك انقساما بين متشائم ومتفائل حول الحوار الوطني، مبينا أنه كان من المؤمل تحقيق إنجازات مسبقة لتهيئة الأجواء للحوار، وقد اتخذت الحكومة بعض الإجراءات الإيجابية، ومنها تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق وإطلاق بعض المعتقلين، وكانت الطموحات أن يطلق سراح كل المعتقلين الذين يتراوح عددهم بين 800 وألف معتقل، وإعادة المفصولين من أعمالهم.

وأضاف كمال الدين أن انطلاقة الحوار في حد ذاتها تعد فاتحة خير للوطن والشعب البحريني، مبينا أن جمعية «وعد» قدمت ملخصا لمرئياتها، للجنة الحوار، يتعلق بالجانب الدستوري، ويتضمن المطالبة بتغيير الدستور، وإعادة تنظيم وتشكيل الدوائر الانتخابية. أما في الجانب الحقوقي، فقد بين إبراهيم كمال الدين أن جمعية «وعد» قد قدمت مشروعا للمصالحة على غرار مشروع المغرب وجنوب أفريقيا، على أن يحاكم كل من ارتكب جرائم إنسانية، ويبقى العفو الملكي خيارا أمام الذين تنتهي محاكمتهم من لجنة محايدة. وأشار إلى أن المرئيات تتضمن أيضا الجوانب المتعلقة بالإسكان والتعليم، وقانون التمييز الطائفي.

وكشف إبراهيم كمال أن جمعيتي «الوفاق» و«وعد» ستطالبان بإعادة برمجة الحوار، وذلك بوضع برنامج زمني لكل محور والاستعانة بخبراء من الخارج، إضافة إلى الالتقاء مع كل الجمعيات والفعاليات السياسية بهدف التوافق على القضايا التي يجمع عليها المشاركون، وذلك لاختصار الوقت في هذه المسائل، والتفرغ للمحاور التي قد تكون محل خلاف وهي القضايا السياسية، وفي مقدمتها صلاحيات البرلمان ومجلس الشورى.

من جهته، أكد عبد الجليل خليل، رئيس الكتلة البرلمانية لـ«الوفاق» (المستقيلة)، أن مشاركة «الوفاق» كانت تهدف إلى دعم وإنجاح الحوار، ولن تسعى المعارضة إلى عرقلة الحوار، بقدر ما نكون جادين في التعاطي مع المحاور المطروحة على طاولة الحوار، وأن نضطلع بمسؤوليتنا تجاه الدولة والشعب، أما إذا وجدنا أن ما يطرح على الطاولة لا يلبي مطالب الشعب فلا يمكن الاستمرارية.

وأضاف «اننا نؤمن بأن المخرج الأساسي من الأزمة السياسية لن يتم إلا عن طريق الحوار الجاد وليس الشكلي، في الوقت الذي كنا نرى فيه أن الحوار يجب أن يكون بين الحكومة والمعارضة لإيجاد حلول لكل المسائل الخلافية، وفي مقدمتها القضايا السياسية». ويتضمن الحوار 16 مجموعة، وتم تعيين رئيس لكل مجموعة من خارج المشاركين، على أن تعقد جلسات الحوار أيام الأحد والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، من دون تحديد مدة زمنية لانتهاء الحوار المفتوح، والذي سيبدأ الثلاثاء المقبل.