رسائل بن لادن تكشف قلقه من الوضع المالي لـ«القاعدة»

دشن وحدة استخبارات مضادة لاستئصال الجواسيس * 400 تقرير استخباري خلال 6 أسابيع أسهمت في عدد من العمليات بالخارج

فيديو لابن لادن عثر عليه في مخبئه بعد مقتله في أبوت أباد الباكستانية (أ.ب)
TT

بعد قرابة عقد من التخفي، قضى أسامة بن لادن الكثير من وقته يتبادل الرسائل مع أتباعه حول المصاعب التي تعاني منها «القاعدة» في محاولة للتوصل إلى سبل يمكن من خلالها للشبكة الإرهابية إعادة تأكيد قوتها.

دأب زعيم «القاعدة» خلال العام الماضي على التواصل مع قادته عبر رسائل البريد الإلكتروني، عبر فيها عن أسفه للخسائر الكبيرة التي أوقعتها غارات طائرات من دون طيار تتبع وكالة الاستخبارات الأميركية، إلى جانب الضائقة المالية التي تعاني منها، بحسب مسؤولين انتهوا من مراجعة شاملة لوثائق بن لادن التي تم العثور عليها في المجمع الذي كان يعيش فيه بعد الغارة الناجحة في 2 مايو (أيار) التي أدت إلى مقتله.

كشفت الوثائق عن أن بن لادن وافق على إنشاء وحدة استخبارات مضادة لاستئصال الخونة والجواسيس، لكنه لم يتلق سوى شكوى في منتصف يناير (كانون الثاني) من قائد الوحدة أكد فيها أن الجماعة توشك على خسارة الحرب التجسسية ولا تستطيع العمل بمواردها المحدودة.

وقبل أيام قلائل على انطلاق ثورات «الربيع العربي» حذر بن لادن أتباعه في اليمن والمناطق الأخرى من أنه لا يزال من المبكر جدا إنشاء الدولة الإسلامية. وقد خلص بن لادن إلى أن «القاعدة» تفتقر إلى الدعم الإقليمي لتبرير حتى الخطوات الأولية نحو إعادة تأسيس دولة الخلافة.

مثل هذه التقييمات الواقعية والإشارات إلى الانتكاسات التي تعرض لها التنظيم كانت من بين التفاصيل الدقيقة التي استقاها محللو وكالة الاستخبارات المركزية لرسم صورة جديدة وأكثر تفصيلا لـ«القاعدة» ومؤسسها في أعقاب الغارة على المجمع الذي كان يقيم فيه بن لادن في مدينة أبوت آباد في باكستان. ومن المتوقع أن يواصل المحللون في وكالة الاستخبارات المركزية والوكالات الأخرى العكوف على ملفات بن لادن لسنوات. لكن قوة العمل المكونة من عدد من الوكالات التي أنشئت بهدف مراجعة ما وصفه المسؤولون بأضخم مخبأ للتسجيلات الإرهابية تم اكتشافه حتى الآن انتهت من عملها وتم حلها الشهر الماضي. ويقول أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب، المطلع على عمل قوة العمل: «نعتقد أن المواد ستواصل تقديم رسم صورة داخلية جديدة لـ(القاعدة) لسنوات قادمة، لكن قوة العمل انتهت من عملها». انتهت المجموعة من أكثر من 400 تقرير استخباراتي في غضون 6 أسابيع، وعززت التحذيرات العامة من مخططات «القاعدة» بشن هجمات ضد القطارات وأهداف أخرى، وأكد المسؤولون الأميركيون أن النتائج أدت إلى شن بعض العمليات الصغيرة في الخارج كان من بينها القبض على مشتبه فيهم كانت أسماؤهم أو أوصافهم ضمن رسائل البريد الإلكتروني التي تلقاها بن لادن.

لكن المسؤولين قالوا إن القيمة الرئيسية للبيانات تتمثل في تمكين المحللين من بناء صورة أكثر شمولية لـ«القاعدة»، وأن الكثير من الملفات الحديثة التي وجدت على حاسبات بن لادن تصور منظمة تحاصرها مشكلات متراكمة في الوقت الذي لا يزال فيه زعيمها يركز بصورة أحادية على تنفيذ هجمات شبيهة بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ويقول مسؤول أميركي بارز في مجال مكافحة الإرهاب: «توضح الوثائق أن الهدف الرئيسي لابن لادن - الذي يمكن وصفه بالهوس - كان تنفيذ هجوم على الأراضي الأميركية، وحاول الدفع في هذا السبيل بكل ما أوتي من قوة».

يعتبر هذا المسؤول واحدا من بين الكثير من المسؤولين الذين وافقوا على مناقشة ما توصلت قوة العمل الخاصة بدراسة الوثائق التي عثر عليها في المجمع السكني الذي كان يقيم فيه بن لادن، وتقديم تفاصيل جديدة حول رسائل بعينها تم إرسالها واستقبالها من قبل زعيم «القاعدة»، لكنهم اشترطوا عدم ذكر أسمائهم نظرا لحساسية الأمر.

كان من بين أبرز الأشخاص الذين تبادل معهم بن لادن رسائله عطية عبد الرحمن الذي كان الرجل الثالث في قيادة التنظيم قبل وفاة بن لادن، وقد عبرت رسالة بعث بها عطية إلى بن لادن عن إحباطه من حملة الطائرات من دون طيار التي تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية، والتي كانت مصدر قلق لأن الكثير من سابقيه في هذا المنصب قتلوا في الهجمات. وقال مسؤول مكافحة الإرهاب: «كان يقول في خطابه إن رفاقه يتعرضون للقتل بأسرع مما يمكنه استبدالهم».

وعبرت بعض الرسائل عن قلق مشابه؛ فجاءت رسالتان على الأقل من قائد الوحدة الأمنية لـ«القاعدة»، الوحدة التي أنشئت لمكافحة اختراق المنظمة على أيدي مخبرين ربما ينقلون معلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية. ويعتقد أن المجموعة تقف وراء إعدام العشرات من المخبرين المشتبه فيهم، ففي بعض الأحيان كان يتم العثور على جثث وقد تركت عليها ملاحظة تشير إلى أن القتيل جاسوس أميركي. وأضاف المسؤول أن قائد الوحدة اشتكى من الميزانية المتدنية للغاية التي تتكون من بضعة آلاف من الدولارات. فتحدثت الرسالة عن أفكار بشأن تطوير الحماية ضد المخبرين والتنصت الإلكتروني، لكن أغلبية الحلول الواضحة بما في ذلك تقييد الاجتماعات والتحركات كانت تعني أيضا إعاقة قدرة «القاعدة» على أداء وظائفها.

وتذكر رسائل أخرى كثرة المصاعب المالية التي تواجهها «القاعدة»، وكان من بينها رسالة بريد إلكتروني شكا فيها بن لادن نفسه من الافتقار إلى المال. ففي رسالة له في ربيع عام 2010 طلب بن لادن من نائبه إعلام الجماعة بأنه «سيحصل على المال عبر خطف الدبلوماسيين وطلب فدى».

كانت الرسالة موجهة إلى عبد الرحمن، وقد استخدم مصطلح «مصاعب مالية» في الرسالة. لكن لا توجد ملفات تقدم أرقاما محددة أو صورة شاملة للموقف المالي لـ«القاعدة». ويقول المسؤول: «هناك رؤية للفترات الزمنية التي كانت تأتي فيها النقود والفترات التي لم تكن تأتي فيها، وماذا كان يحاولون القيام به للحصول على المزيد».

تم تبني سياسة الاختطاف من قبل جماعات المقاتلين بمن فيهم طالبان أفغانستان التي اختطفت السفير الباكستاني لدى أفغانستان ومراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2008. وقد احتوى الكثير من الوثائق على ذكر مقاتلين اعتبرهم البعض مرشحين مؤهلين للقيام بعمليات لـ«القاعدة»، وهي المعلومات التي أدت إلى الكشف عن الكثير من ناشطي «القاعدة» والقيام بحملة اعتقالات من قبل الحكومات الأجنبية.

ويرى المسؤولون أن الرسائل المتبادلة بين أسامة بن لادن وقادته كانت بمثابة تقارير محدثة بين المقر والأفرع المتنقلة، حيث يحث بن لادن أتباعه البعيدين عنه إلى تزويده بمزيد من المعلومات عن خططهم، ثم الانتظار لأسابيع، في بعض الأحيان، لتلقي الرد عليها.

احتوى المخبأ على مراسلات بين بن لادن وأيمن الظواهري الذي خلف بن لادن مؤخرا في قيادة تنظيم القاعدة. وقد عبر الرجلان عن مدى الإحباط الذي ينتابهما من أن الصراع بين الولايات المتحدة و«القاعدة» لا ينتشر على نطاق واسع بين المسلمين، إنه جبهة حرب دينية. كما عبروا أيضا عن قلقهم من أن يؤدي قتل المتمردين للمدنيين في العراق وفي مناطق أخرى إلى تقويض موقف «القاعدة» بين المسلمين.

وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أنه لا يوجد في الرسالة ما يشير إلى معرفة كل منهما في مكان اختباء الآخر.

كان بن لادن قد دأب على حث أنصاره على تأجيل طموحاتهم الإقليمية للتركيز على مهاجمة الولايات المتحدة. ففي رسالة إلى ناصر الوحيشي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في عام 2010 قال زعيم «القاعدة» إن اليمن «مستعدة لتأسيس دولة إسلامية، لكن ذلك ليس التوقيت الأمثل». وكان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ومقره اليمن، قد شن عددا من العمليات الكبيرة الفاشلة ضد الولايات المتحدة كان من بينها محاولة تفجير طائرة فوق ديترويت في يوم عيد الميلاد عام 2009. وقد عبرت الجماعة عن رغبتها في التحرك بصورة أسرع لإقامة المؤسسات المحلية التي تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية. لكن بن لادن حذر من مثل هذه الجهود مشيرا إلى أنهم لم يحظوا بالدعم الكافي، وأن المجموعة بحاجة إلى تركيز هجماتها على الولايات المتحدة. كانت رسائل بن لادن تكتب على حاسبات، ثم تهرب بعد ذلك على أسطوانات صغيرة أو أقراص ذاكرة صغيرة من قبل رسل بن لادن، الذين كانوا يقومون بطباعة المحتويات في رسائل البريد الإلكتروني التي يمكن إرسالها بصورة آمنة إلى أتباعه سواء أكانوا على بعد أميال قليلة منه أو خارج باكستان.

كان فريق قوة العمل المختص بتحليل الوثائق بعمل في منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في شمال فيرجينيا. وقد رفض المسؤولون عن الكشف عن الموقع الحالي لأكثر من 15 حاسوبا و100 جهاز تخزين تم العثور عليها في المجمع الذي كان يقيم فيه بن لادن، لكنهم أشاروا إلى أنها باتت في عهدة مكتب المباحث الفيدرالي في الوقت الراهن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»