وزير التعليم المصري الأسبق: خطط التطوير لم تكن من أولويات مبارك ومعظم الميزانية أجور للمعلمين

يسري الجمل في حوار مع «الشرق الأوسط»: خروجي من الوزارة تم دون مقدمات

يسري الجمل (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

تحدث وزير التربية والتعليم المصري الأسبق، الدكتور يسري الجمل، عن ظروف خروجه من الوزارة في حكومة الدكتور أحمد نظيف، الذي يجري التحقيق معه حاليا بشأن مخالفات. وقال الجمل، الذي تولى مسؤولية الوزارة في الفترة من عام 2005 حتى 2010: إن خروجه من الحكومة كان مفاجأة شديدة له، لأنه حدث من دون أي مقدمات، معربا عن اعتقاده أن السيدة سوزان مبارك، زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ربما كانت وراء خروجه من الوزارة، وأوضح أن البعض أخبره بأنها لم تكن راضية عن أدائه الوزاري. وفيما يتعلق بخليفته، الدكتور أحمد زكي بدر الذي تولى وزارة التعليم من بعده، حتى بداية الثورة المصرية مطلع هذا العام، قال الجمل إن علاقة بدر كانت قوية جدا بالأمن واهتم بقضية التأمين والأمن والانضباط في الجامعات، ولم تكن من أولويات وزارته مشروعات التعليم وتطويره. وأشار الجمل إلى أنه طلب من الرئيس السابق، الذي أطاحت به احتجاجات مليونية في فبراير (شباط) الماضي، زيادة ميزانية التعليم في مصر عدة مرات لكنه كان يرفض متعللا بظروف الميزانية، وأضاف الوزير أن راتبه الشهري كوزير كان يدور حول 2300 جنيه (نحو 386 دولارا) فقط، وأنه أصيب بصدمة حين تابع ما ينشر عن فساد مسؤولين سابقين، خاصة أن معظمهم من أوساط اجتماعية مرموقة ولديهم مجالات الأعمال الخاصة بهم. وقال الجمل إن وزير الصناعة والتجارة السابق رشيد محمد رشيد كان صديقه المقرب، وعملا سويا كمتطوعين لخدمة المجتمع وتطوير المدارس الفقيرة. وتابع الجمل أن الشعب المصري أخذ وعودا كثيرة بمحو الأمية على مدار سنوات، ولكن لم يحدث شيء جدي، لافتا إلى أنه توقع في 2010 أن يقع أمر ما في مصر لأن الظروف والأحداث كانت تسير في هذا الطريق. وأضاف أن النظام السابق كان يستهين بقدرة الشباب. وإلى نص الحوار.

* هل فاجأك خروجك من الوزارة وفي تغيير وزاري محدود لم يشمل إلا اسمك ووزير النقل وقتها؟

- طبعا كانت مفاجأة شديدة جدا لأنه لم يكن لها أي مقدمات وكانت مصر منشغلة وقتها بموضوع إنفلونزا الخنازير، ويوم الإقالة كنت أشرف بنفسي في إحدى المدارس على تشجيع الطلبة لأخذ التطعيم للوقاية من المرض، ولكني آثرت الصمت بعدها ولم أسأل لماذا لأنه لا مجال للسؤال في هذه الحالات.

* تردد أن سوزان مبارك كانت وراء هذا الخروج المفاجئ! - قد يكون أحد الأسباب بالفعل، وقد قيل لي إنها لم تكن راضية عن أدائي في الوزارة بعد خروجي.

* هل عدم الرضا مرتبط بمشروع تطوير 100 مدرسة والذي كانت تتولاه الجمعية الأهلية التي كانت تترأسها وهي جمعية مصر الجديدة؟

- هي كانت مهتمة بهذا المشروع ولكن أدائي لم يكن مرضيا لها في الاهتمام الكافي بهذا المشروع.

* وما طبيعة الاهتمام الذي كانت تريده تحديدا؟

- أن أذهب معها في الجولات الميدانية التي تخص هذه المدارس المائة وتحديدا في أثناء الافتتاحات، وأنا لم أكن أفعل ذلك!

* لكن يقال إنك كنت من المقربين منها في وقت ما وتحديدا في التعريف بها في المحافل الدولية لنيل جائزة نوبل للسلام.

- لا أدعي هذا الأمر، ولم أكن من المقربين لها.

* هل صحيح أنك اعترضت على مواد الدستور 76 و77 ما جعلك من المغضوب عليهم ومن ثم الإقالة؟

- لا أدعي البطولات في هذه المرحلة، ولكن هناك أشياء كان من الطبيعي أن يعترض عليها، وتحديدا مواد الدستور التي كانت تعطي صلاحيات لرئيس الجمهورية حتى يستمر في الحكم إلى ما شاء الله من العمر، وبالمناسبة هذا الاعتراض لم يكن مني فقط، بل الكثير من الوزراء في الحكومة كانوا معترضين على هذا الأمر.

* إلى أي مدى كان جمال مبارك يتدخل في شؤون التعليم في مصر؟

- كانت هناك اجتماعات منتظمة مع لجنة التعليم في الحزب الوطني، وجمال مبارك كان متواجدا بحكم رئاسته للجنة السياسات في الحزب الوطني وكان يتابع هذه الاجتماعات ويحضرها، لكنه لم يكن يتدخل لأنه كان مفوضا عنه الدكتور حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم في الحزب.

* كيف استقبلت اختيار د. أحمد زكي بدر كخليفة لك في الوزارة، وهل لذلك علاقة بترشيح من جهاز أمن الدولة المنحل، خاصة التعاطي مع ملف «الإخوان المسلمين» في الجامعات المصرية؟

- لا شك في ذلك، فعلاقته بالأمن علاقة قوية جدا، والدليل أن بدر اهتم بقضية التأمين والأمن والانضباط في الجامعات، لكن مشروعات التعليم وتطويره لم تكن من أولويات الوزارة في وجوده.

* هل طلبت من الرئيس السابق مبارك زيادة ميزانية التعليم في مصر ورفض؟

- نعم طلبت منه ذلك مرارا وتكرارا على مدار 5 سنوات لرئاستي للوزارة، ولكن طلبي كان يقابل بالرفض التام على اعتبار أن الميزانية لها أولويات أخرى، وما كنا نحصل عليه كان أقل كثيرا من المبالغ المطلوبة.

* ما آخر مبلغ طلبته لميزانية التعليم وبناء على ماذا؟

- لقد وضعت خطة استراتيجية كبيرة بشكل علمي للنهوض بالتعليم في مصر على مدار 3 سنوات، وأخذت جهدا كبيرا من الكثير من الجهات وكانت تكلفتها 48 مليار جنيه للنهوض بالعملية التعليمية، ولكن طلبي قوبل بالرفض، ولم تنفذ هذه الخطة.

* هل هذا يعني أن التعليم لم يكن من أولويات النظام السابق؟

- نعم، لم يكن هناك اهتمام حقيقي بالتعليم في مصر وكان مجرد حبر على ورق.. عكس ما كان يشاع وينشر في وسائل الإعلام، رغم أن قضية التعليم في أي بلد هي قضية أمن قومي، وأقل ميزانية تخصص لها في دول العالم نحو 6% من نتاج الدخل القومي.

* كم كانت ميزانية التعليم حتى خروجك من الوزارة؟

- رغم أن حجم الناتج القومي ازداد فإن نسبة ميزانية التعليم من الموازنة العامة لم تتخط حاجز 3.4%!

* إلى مدى ساهمت قلة الميزانية في تدهور التعليم في مصر؟

- طبعا، فلنا أن نعرف أن 85% من ميزانية التعليم تذهب كأجور للمدرسين والمدرسات والذين يتعدى عددهم مليون شخص، فيما يتبقى نسبة 15% لبناء المدارس وتطويرها والصيانة والأجهزة والمعدات وتنمية مهارات المدرسين وتدريبهم وكل ما يشمل نواحي التعليم، وهي نسبة لا يمكن أن يعول عليها في إصلاح المنظومة التعليمية!

* ارتفاع نسبة الأمية أحد أسباب تدهور التعليم في مصر، ما هي خطط النظام السابق للتغلب عليها؟

- الشعب المصري أخذ وعودا كثيرة بمحو الأمية في مصر على مدار سنوات طويلة، ومع كل خطاب سياسي كانت قضية محو الأمية من القضايا الجماهيرية المطروحة في هذه الخطابات، ولكن لم يحدث شيء وما تم بها لم يكن جديا ولا يوازي دولة بحجم مصر. أضف لذلك أن قضية التعليم والبحث العلمي لم تكن من أولويات النظام السابق ولا الحزب الوطني، فخطط التطوير والنهوض بالتعليم كانت عبارة عن حبر على ورق، تكدس على مدار سنوات، سواء كان ذلك داخل مؤسسة الرئاسة أو الحزب الوطني.

* هل توقعت أن يكون عام 2011 عاما حاسما في تاريخ مصر؟

- نعم، وكان توقعي الأساسي أن 2011 كان لا بد أن يحصل فيه أمر ما خاصة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، ومقتل خالد سعيد، عام 2010 وكانت توقعاتي نابعة من متابعتي لما يحدث على شبكة الإنترنت من تواصل بين الشباب ودعوات متلاحقة للتجمع وانضمام هؤلاء الشباب لبعضهم البعض بنجاح يضاف إليهم حالات الاعتصامات المتتالية لفئات الشعب المختلفة.

* هل يعني هذا أن الثورة قامت إلكترونيا في البداية رغم أن حكومة أحمد نظيف كانت تسمى في الشارع المصري بالحكومة الإلكترونية؟

- هذا صحيح تماما، فاستخفاف النظام السابق بحجم ما كان يحدث وعدم قراءة الواقع المصري وعدم قراءة ثقافة هؤلاء الشباب بشكل واضح أدى إلى الثورة في التحرير، فالنظام السابق كان يستهين بقدرة الشباب على الإصرار بأن هذه البلد بلدنا، وأعتقد أن نتائج مباريات الكرة كانت دليلا واضحا على معنى انتماء كل مصري لناديه الكروي، فما بالنا بالانتماء إلى بلد!

* ما أبرز ما لفت انتباهك في ثورة 25 يناير (كانون الثاني)؟

- التفاف الجيش حول الثورة من أول يوم ودعمه لها بعد أن حدد طريقه الصحيح بالانحياز للشعب، بالإضافة إلى إصرار الشباب على مطالبهم حتى النهاية. ولقد شاركت بناتي الثلاث في الثورة ولكن في مدينة الإسكندرية حيث أقيم، وبالمناسبة منزلي يطل على ميدان سيدي جابر والذي كان مقرا للمظاهرات مثل ميدان التحرير في القاهرة.

* هل تهنئ نفسك اليوم على خروجك من الوزارة قبيل عام من اندلاع الثورة؟

- ضاحكا مرة أخرى، الناس هي التي تهنئني، فاستمراري في الوزارة حتى الثورة أو قبلها بعام ما كان ليختلف في النتائج، فالحمد لله لم يكن لدي مطامع في كرسي الوزارة.

* هل صحيح أن راتبك كوزير لم يتعد 2300 جنيه فقط؟

- الجمل بخجل شديد: تقريبا!! ولكن الأمر لم يعنني كثيرا فقد اعتبرت نفسي متطوعا لخدمة البلد برتبة وزير وهذا يكفيني شرفا، فعملي قبل الوزارة كان في مجال الدراسات العليا والجامعية، بالإضافة إلى العمل التطوعي في محافظتي الإسكندرية، ومن هنا جاء ترشيحي لوزارة التعليم من خلال أحمد نظيف لاحقا.

* هل اتصل بك أي من رموز النظام السابق عقب قيام الثورة لكي تتولى حقيبة وزارية في الحكومة الانتقالية؟

- لا لم يحدث.

* هل صدمت في رموز الحكم السابق في مصر، واستقرارهم حاليا في سجن طرة؟

- لقد صدمت مثلي مثل الرأي العام المصري، فلم أتخيل حجم التربح غير الشرعي والفساد الذي قام به هؤلاء، خاصة أن معظمهم من أوساط اجتماعية مرموقة ولديهم مجال الأعمال الخاصة بهم.

* من الوزير المقرب منك ولم تتوقع أن يكون مع الوزراء المتهمين بالفساد؟

- رشيد محمد رشيد (وزير التجارة والصناعة الأسبق)، هو الشخص الوحيد الذي اندهشت كثيرا من ورود اسمه في تحقيقات الكسب غير المشروع ثم صدور حكم غيابي ضده مؤخرا، فلقد كان صديقا مقربا مني، وكنا نعمل سويا في محافظة الإسكندرية كمتطوعين لخدمة المجتمع وتطوير المدارس الفقيرة، وكنا نعقد اجتماعاتنا في مكتبه وهو رجل أعمال معروف في الإسكندرية وعائلته كبيرة ولها اسمها في المجتمع، إذن فلم يكن يحتاج إلى المزيد من الأموال أو المناصب.

* متى كان آخر اتصال بينكما؟

- في المطار وقد كان متوجها إلى دبي ومن ثم إلى لندن، وقال لي وقتها إنه سيعود بعد أسبوع، وعندما يعود يجب أن نستأنف العمل التطوعي الذي بدأناه معا في محافظة الإسكندرية مرة أخرى.

يسري الجمل في سطور - حصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية من جامعة الإسكندرية سنة 1968 بمرتبة الشرف.

- حصل على الماجستير في علوم الحاسب من جامعة عين شمس سنة 1977. والتحق في نفس العام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري كمحاضر لأجهزة القياس والتحكم الآلي.

- في سنة 1985 حصل على الدكتوراه في علوم الحاسب من جامعة جورج واشنطن.

- حصل على دبلوم الإلكترونيات النووية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA عام 1972.

- حصل عام 1984 على جائزة ريتشارد ميروين: Richard Merwin Reward‏) لأفضل باحث لدرجة الدكتوراه.

- عام 1987 تم تعيينه رئيسا لقسم هندسة الإلكترونيات والحاسب بالأكاديمية، حيث قام بتطوير المقررات الدراسية تمهيدا لمنح الدرجات العلمية في مجال هندسة الحاسبات.

- شغل منصب نائب رئيس الأكاديمية لشؤون التعليم والبحث العلمي اعتبارا من سبتمبر (أيلول) عام 1997 حتى ديسمبر (كانون الأول) 2005.

عين وزيرا للتربية والتعليم اعتبارا من 31-12-2005 حتى إقالته في 3 يناير 2010.