مكالمة هاتفية أدت إلى تغيير مسار قضية ستروس ـ كان

عاملة التنظيف أثارت الشكوك بقولها لصديق «هذا الرجل يملك الكثير من المال.. وأعلم ماذا أفعل»

رجل يطالع صحيفة تطرقت في صفحتها الأولى إلى تطورات قضية ستروس - كان، في نيويورك أمس (أ.ف.ب)
TT

تكشفت معلومات جديدة بخصوص قضية التحرش الجنسي المرفوعة ضد المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان، تشير إلى أن المرأة التي رفعت الدعوى ضده، قد أجرت مكالمة هاتفية مع صديق لها، تم تسجيلها بعد رفع الدعوى، مما أثار شكوكا لدى المحققين حول صدق المرأة.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس، عن مصدر مطلع في الشرطة، أن الحديث جرى بعد 24 ساعة من ادعاء عاملة التنظيف في فندق «سوفيتيل» في نيويورك أنها تعرضت لاعتداء جنسي من جانب ستروس - كان. وكان الشخص الذي يتحدث إليها يتكلم من سجن للمهاجرين غير الشرعيين في ولاية أريزونا. وعلم المحققون في مكتب المدعي في مانهاتن بأمر هذا التسجيل وقاموا بترجمته من اللغة الغينية، البلد الذي تتحدر منه الشاكية، وفق الصحيفة. وحين تمت ترجمة المكالمة يوم الأربعاء الماضي، بدأ القلق يتسرب إلى المحققين. وأضافت الصحيفة نقلا عن المصدر نفسه أن «المرأة قالت بوضوح (لمحدثها): لا تقلق، هذا الرجل يملك كثيرا من المال. أعلم ماذا أفعل». وتم اعتقال الشخص المذكور بينما كان يقايض ملابس ثمينة مقلدة بالماريغوانا في جنوب غرب مانهاتن، بحسب المصدر. وتابعت الصحيفة أن محامي الشاكية قال إنه لم يكن يعلم أن هذا الشخص «مهرب».

وقرر قاض في نيويورك، أول من أمس، رفع الإقامة الجبرية عن ستروس - كان، لكن دون إسقاط التهمة عنه. وتتهم الغينية (32 عاما)، ستروس - كان بمحاولة اغتصابها في 14 مايو (أيار) الفائت داخل جناحه في فندق «سوفيتيل». وقرر القضاء إخلاء سبيل سترون - كان بناء على طلب المدعي الذي أكد أن الشاكية أدلت برواية «مغلوطة» عن الاعتداء المفترض. ويرى خبراء أميركيون أنه سيكون من الصعب عدم وقف الملاحقة القضائية ضد المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المدعي السابق، جاكوب فرنكل، قوله إن «كثيرا من فصول هذه القضية الاستثنائية لم يكتب بعد، لكن متى تم إسقاط التهم، فإن ذلك سيظهر أن القضاء يعمل» بشكل جيد. وأضاف فرنكل، الذي كان ينظر في جرائم الحق العام في نيو أورليانز: «التخلي عن ملف ضعيف السند أفضل من إدانة بريء».

كما اعتبر أليكس رينرت، أستاذ القانون الجزائي في جامعة يشيفا بنيويورك، أن «هناك تساؤلا حول مصداقية الضحية المفترضة. يمكن أن تكون قد قالت الحقيقة، لكن بات من الصعب تصور أن تدين هيئة محلفين ستروس - كان».

وفي انتظار محاكمته، أصبح بإمكان ستروس - كان (62 عاما)، التنقل بحرية في الولايات المتحدة، لكنه لا يستطيع السفر إلى الخارج، لأن جواز سفره لا يزال مع السلطات. ولم يعد يضع في معصمه السوار الإلكتروني للمراقبة، أو يخضع للمرافقة الأمنية في تنقلاته، كما بات بإمكانه استقبال من يشاء في مقر إقامته.

وتناول ستروس - كان العشاء، بعد الإفراج عنه، مع زوجته آن سانكلير مساء أول من أمس في مطعم إيطالي بنيويورك. ورفض الزوجان لدى مغادرة المطعم الرد على أسئلة الصحافيين، في حين قام عشرات المصورين بالتقاط صور لهما، وقال مساعد المدعي السابق للمسائل القضائية جيفري توبين، في تصريح لشبكة «سي إن إن»: «لم أر في حياتي شيئا مماثلا، وهذا اليوم هو واحد من الأيام الاستثنائية في تاريخ القضاء الجنائي في الولايات المتحدة». وأضاف: «في هذه المرحلة، أعتقد أن هذه القضية ستنتهي بقرار بعدم سماع الدعوى»، إذ إنه «من الصعب أن نتخيل محاكمة يظهر فيها الشاهد الرئيسي كذابا». وأضاف جاكوب فرنكل: «إذا ما أجريت محاكمة، فإن الاستجوابات المضادة ستمزق شهادة هذه المرأة إربا». وقال إن الاتهام بات أمام 3 خيارات؛ إما متابعة الملاحقات مع احتمال كبير لخسارة القضية حيث لن يكون هناك إجماع في هيئة المحلفين، أو متابعة القضية مع تخفيف التهم، وإما إسقاط الدعوى. وأوضح أن «الاعتقال تم بسرعة كبيرة بُعيد الوقائع، وبالتالي لم يفسح متسع من الوقت للتحقيق، وهذا أمر غير مألوف لكنه نجم ربما عن أن ستروس - كان كان يتأهب لمغادرة البلاد، مما دفع إلى التحرك بسرعة».

ومع ذلك فإن الخبراء يرون أنه كان على المدعي سايروس فانس الامتناع عن إعلان وجود أدلة جدية جدا تؤيد الاتهامات. واعتبر جاكوب فرنكل أن فانس «خرج باستنتاجات متسرعة، وانساق وراء الإثارة الإعلامية». وقال أليكس رينرت: «كل ذلك ليس جيدا للمدعي سايروس فانس». وأضاف: «لقد خسر مكتبه في الآونة الأخيرة قضية اغتصاب مفترضة لامرأة من قبل شرطيين» تمت تبرئتهما. وأضاف أن «هذه القضية الجديدة مهمة جدا لمساره المهني ووضعه لا يسمح بخسارتها»، مرجحا هو أيضا التخلي عن ملاحقة ستروس - كان.

أما الضحية المفترضة، فستتضاعف التحقيقات في شأنها. وقال رينرت: «وإذا ما بدا أنها كذبت على الشرطة، وخصوصا على هيئة المحلفين، عندئذ ستصبح هي الملاحقة». كما سيكون بإمكان ستروس - كان بدوره أن يقاضي مدينة نيويورك ويرفع دعوى للمطالبة بالتعويض، كما يؤكد رينرت.

في فرنسا، تعززت فرص عودة ستروس - كان إلى الحياة السياسية بعد التصدع الذي أصاب الدعوى المرفوعة ضده. فقبل أن يعتقل ستروس - كان من فوق متن طائرة في نيويورك في مايو بشبهة التحرش الجنسي، لم يكن ينظر إليه على أنه المنافس الرئيسي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحسب، بل كرمز وطني يقود اقتصاد العالم بتؤدة في مياه ثائرة. وقاد اعتقاله إلى محاولة البحث عن الذات في وطنه، حيث تعرف النخبة السياسية والصحافيون تاريخه الطويل من العلاقات النسائية، لكنه كان يتبع قاعدة غير مكتوبة بعدم التدخل في الحياة الجنسية للسياسيين.

وبعد تكشف المعلومات الجديدة في نيويورك، تخلى التلفزيون الفرنسي عن برامجه المعتادة للتركيز على القضية، وغصت الصحف الفرنسية، التي نشرت الخبر بالفعل في طبعة الجمعة لدى صدور الأخبار في نيويورك مساء الخميس، بالمقالات على مواقعها على الإنترنت. وقد شهدت هذه المواقع بطئا نتيجة كثرة الزيارات إلى هذه المواقع.

ويشار إلى أن سياسة الخصوصية في فرنسا قوية للغاية، حتى إن الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران، تمكن من الاحتفاظ بعائلة ثانية خلال رئاسته دون أن تخرج إلى العلن حتى قبل وقت قصير من تنحيه عام 1995. إلا أن التهم الموجهة إلى ستروس - كان لا يمكن تجاهلها. فمنذ القبض عليه، تقدم الكثير من النساء إلى القضاء بدعوى أنه أجبرهن عن إقامة علاقات جنسية معه. أما آن سانكلير، الصحافية الإذاعية الشهيرة السابقة وزوجة ستروس - كان، فقد سارعت إلى الدفاع عن زوجها.

وأثارت صور ستروس - كان بلحيته الطويلة والمصفد اليدين وهو يدفع من قبل الشرطة أمام المصورين، اهتمام الفرنسيين، وهو أمر لم يكن ليحدث على الإطلاق في فرنسا، حيث يملك الأفراد الموقوفون حرية أكبر تجاه الظهور أمام الجمهور.

ويرى كثير من المعلقين الفرنسيين أن ستروس - كان أدين عبر تلك الصور قبل أن يمثل أمام المحاكمة. فقد شكت صحيفة «لو باريسيان»، إحدى صحف باريس، من أن الصحف الأميركية تسرعت في معاملة ستروس - كان كمجرم، وقالت على موقعها إن «الصحافة الأميركية والبريطانية غيرت الحقيقة»، في حديثها يوم الجمعة عن المتهم وموجه الاتهام. وتقول جين ماري لو جوين، عضو الجمعية الوطنية عن الحزب الاشتراكي وحليفة ستروس - كان: «إن الصحافة الأميركية كانت عنيفة تجاه ستروس - كان والفرنسيين بشكل عام». أما كلود بيرست، أخصائي العلاج الطبيعي في باريس، فعبر عن سخريته من الموقف بالقول: «لقد وضعت هذه المحاكم الأميركية نفسها في أزمة الآن. أليس كذلك؟».

من ناحية أخرى أثنى أقرب حلفاء ستروس - كان على التطورات الجديدة، حيث علق المتحدث عن الحزب الاشتراكي على الأنباء الجديدة واصفا إياها بـ«الارتياح الكبير». كما جدد مناصروه شكاواهم من النظام القضائي الأميركي حيث وصفه الكثير منهم بالوحشي. وقال رئيس الوزراء الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان في مؤتمر صحافي في نيويورك إن القرار أشبه بـ«هزيم الرعد».

في غضون ذلك، تدنت شعبية ساركوزي يوم الجمعة، بينما يواصل منسقو حملته الانتخابية عملهم في مواجهة تغير حظوظ ستروس - كان، الذي تقدم على ساركوزي في الكثير من استطلاعات الرأي الافتراضية، بناء على شعبيته داخل القاعدة التقليدية للحزب الاشتراكي والأفراد المؤيدين لسياسات السوق الحرة التي أيدها في صندوق النقد الدولي ومعالجته لخطة إنقاذ الدول الأوروبية التي تصارع الديون. وكانت فرانسيس أوبري، المسؤولة البارزة في الحزب الاشتراكي، قد أبرمت اتفاقا مع ستروس - كان قبل توجيه الاتهامات إليه بأنه إذا ترشح للرئاسة فستتنازل هي، لكنها عادت لتعلن ترشحها للرئاسة الأسبوع الماضي. وقالت إنها شعرت كمقربة من ستروس - كان بالسعادة الغامرة لدى سماعها الأخبار، وعبرت عن أملها في أن يتحرر من هذا الكابوس في أسرع وقت ممكن. لكن يبدو من غير المتوقع أن لا تعيد التفكير في أمر ترشحها للرئاسة، مع تحول الكثير من مساعدي ستروس - كان إلى دعمها أو دعم فرانسوا هولاند المرشح الاشتراكي البارز.

وأكد هولاند يوم الجمعة أنه مستعد لتغيير الموعد النهائي للتقدم للترشح إلى الرئاسة في 13 يوليو (تموز)، ليعطي ستروس - كان الفرصة إذا ما تمكن من العودة إلى فرنسا في ذلك الوقت.

ويرى بعض المؤيدين لستروس - كان أنه قادر على العودة سريعا. وتقول لو جوين في حوار إذاعي: «لا أستبعد أن يتمكن من العودة ليكون مرشحا رئاسيا». بينما أشار مسؤولون آخرون في الحزب الاشتراكي إلى أنه ربما يصبح في نهاية الأمر وزيرا تحت قيادة رئيس اشتراكي، وأنه قادر على لعب دور مؤثر في الانتخابات الرئاسية حتى، وإن لم يكن أحد أطرافها.

ولم تصدر أي تعليقات عن قصر الإليزيه يوم الجمعة، لكن رئيس الوزراء فرانسوا فيون المعين من قبل ساركوزي قال في مؤتمر صحافي في جاكرتا إن على الفرنسيين الانتظار حتى يفرغ النظام القضائي الأميركي من عمله.