حملة أمنية جديدة في ميسان لاستهداف الميليشيات المدعومة من إيران

الأميركيون يرحبون لكنهم «محبطون» إزاء تردد العراقيين في «مهاجمة الأهداف السياسية»

TT

على خلفية تصاعد أعمال العنف ضد جنود أميركيين، أطلقت قوات الأمن العراقية حملة واسعة ضد مسلحين شيعيين تدعمهم إيران مسؤولين عن معظم الهجمات القاتلة، طبقا لما أفاد به مسؤولون أميركيون وعراقيون.

ولاقت العملية ترحيبا من جانب المؤسسة العسكرية الأميركية، التي أعلنت مقتل 3 أميركيين في جنوب العراق، الخميس، ليرتفع إجمالي القتلى الأميركيين في ظروف تتعلق بأعمال القتال خلال يونيو (حزيران) إلى 14 ـ ليتحول يونيو (حزيران) بذلك إلى الشهر الأكثر دموية منذ 3 سنوات.

على امتداد الربيع، ومع تصاعد الهجمات ضد الجنود، تنامى قلق القادة العسكريين الأميركيين حيال إمكانية ألا تبدي حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يتزعمها الشيعة استعدادا للتحرك ضد الميليشيات، خاصة أن الكثير من الجماعات المسلحة لها روابط برجل الدين الراديكالي مقتدى الصدر، الذي يشكل حزبه عمادا محوريا في الائتلاف الحاكم الذي يقوده المالكي. إلا أن هذه المخاوف بدأت تنحسر مع شروع قوة مؤلفة من 2000 جندي وفرد شرطة عراقي في شن هجوم في محافظة ميسان الجنوبية، في واحدة من أكبر حملات التعبئة التي تنفذها الحكومة منذ تسلمها المسؤوليات الأمنية من الأميركيين.

ورغم تركز العمليات في جنوب البلاد قرب الحدود الإيرانية، فإنها لا تقتصر على هناك، وإنما زادت قوات الأمن نشاطاتها عبر العراق، وألقت القبض على مسلحين ونفذت دوريات لوقف هجمات الصواريخ وقذائف الهاون ضد قواعد أميركية وتفتيش مخازن الأسلحة، تبعا لما ذكره المتحدث الرسمي باسم القوات الأميركية بالعراق، ميجور جنرال جيفري إس. بوكانون.

وأضاف: «إنهم يتحركون خلف أهداف محددة وعملوا بناء على معلومات استخباراتية ويقومون بعمليات تفتيش دقيقة للعثور على مخازن الأسلحة. وقد احتجزوا بعض المستهدفين، وكشفوا عددا من العبوات بدائية الصنع ومخازن. وقطعا يتسبب ذلك في قطع شبكات المسلحين».

منذ بدء الحملة، تراجعت الهجمات الصاروخية وبقذائف الهاون ضد القواعد العسكرية الأميركية، رغم استمرار الهجمات ضد القوافل العسكرية بنفس الوتيرة، حسبما ذكر بوكانون.

وليست تلك المرة الأولى التي يأمر فيها المالكي بمهاجمة الميليشيات، ذلك أنه عام 2008 بعث القوات الأمنية إلى مدينة البصرة جنوب البلاد لمهاجمة ميليشيا الصدر، جيش المهدي.

وشكلت هذه العملية نقطة فاصلة بالنسبة للمالكي الذي كان العراقيون ينظرون إليه على أنه ضعيف ومتردد، ولكن بعد إلحاقه الهزيمة بجيش المهدي، ارتفعت شعبيته بقوة كزعيم فاعل على استعداد لاستخدام القوة للحفاظ على أمن البلاد ضد التهديدات الداخلية.

وطرح محللون عددا من الأسباب المحتملة وراء الحملة الحالية، أبسطها جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم المالكي الذي أشار إلى أن الحكومة تضطلع بواجبها فحسب فيما يخص توفير الأمن. وقال: «إنها مهمتنا أن نحمي الجميع»، ورفض إدلاء بمزيد من التعليق.

وأشار آخرون إلى أن الحملة تأتي في وقت تدرس الحكومة العراقية ما إذا كانت ستطلب من الأميركيين إبقاء قوة طوارئ في العراق بعد نهاية العام عندما تنسحب جميع القوات الأميركية، حسبما هو مقرر حتى هذه اللحظة.

وقال بوكانون: «مع إدراكهم لمصادر الدعم ورؤيتهم لقواتنا تنسحب، يدركون أن هذه الجماعات لن تتلاشى برحيلنا، وأنها ستبقى قائمة، وهو ما أضاف زخما للتهديد طويل الأمد الصادر عن هذه الجماعات».

من جهته، أعرب جوست هيلترمان، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية، عن اعتقاده بأن المالكي يستجيب بذلك إلى ضغوط من أعضاء حزبه.

وقال: «تعرض المالكي لضغوط من أعضاء حزبه الذين يشعرون بسخط بالغ حيال تنامي قوة الصدريين. هناك غضب بالفعل في الصفوف، ونسمع شائعات عن رغبتهم في استبدال المالكي».

المؤكد أن تعاون الحكومة العراقية ضروري لإحباط هجمات المسلحين. وفي ظل الاتفاق الأمني القائم بين الولايات المتحدة والعراق، بمقدور القوات الأميركية تنفيذ عمليات انفرادية فقط إذا ما رأت هناك خطرا وشيكا. يذكر أن معظم الهجمات ضد الأميركيين تتضمن إطلاقا عشوائيا لقذائف الهاون واستخدام عبوات ناسفة بدائية الصنع.

في العادة تشعر قوات الأمن العراقية، التي يهيمن عليها الشيعة، بارتياح أكبر في مواجهة المتمردين السنة. وقد قضت بالفعل الكثير من العامين الماضيين في شن عمليات ضد «القاعدة في بلاد الرافدين»، وهي جماعة محلية سنية متمردة يعتقد أن لها قيادة أجنبية. خلال تلك الفترة، جرى تنفيذ عمليات أقل كثيرا ضد مسلحين شيعة.

من جهته، أكد حكيم الزاملي، العضو الصدري بالبرلمان وعضو لجنة الشؤون الأمنية، العملية الجارية بالجنوب ضد ميليشيات شيعية، مشيرا إلى أن القوات العسكرية خططت لتوسيع نطاق العملية من ميسان إلى البصرة في غضون الأيام أو الأسابيع المقبلة. إلا أن الزاملي انتقد العملية، مشددا على ضرورة أن تركز الحكومة على ملاحقة «القاعدة في بلاد الرافدين»، التي اتهمها بـ«قتل أميركيين وعراقيين».

يذكر أن اختيار محافظة ميسان كهدف للعملية لم يفاجئ محللين. ويقود العملية محافظ صدري، علي دواي، الذي نال منصبه كجزء من اتفاق ضم الصدريين إلى الائتلاف الحاكم. على النقيض من سلفه، الذي ارتبط بعلاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية الأميركية، رفض دواي عقد أي اتصالات معها، حسبما ذكر قادة عسكريون.

ومع تردي الأوضاع الأمنية بالمحافظة هذا العام، اعتاد الدبلوماسيون والجنود الأميركيون ارتداء السترات الواقية والخوذات حتى أثناء سيرهم حول قواعدهم، وحرصوا على النوم داخل نقاط محصنة.

ولم يقدم المحافظ الجديد لهم عونا يذكر، حيث أعلن أنه غير مسؤول عن حماية الأميركيين، بل وشارك في جنازة مسلح حاول مهاجمة أميركيين.

ورغم العملية الجديدة، لا يزال شعور بالإحباط يساور قادة عسكريين أميركيين حيال أداء القوات العسكرية العراقية. عن ذلك، قال ميجور بالقوات الخاصة رفض كشف هويته: «هناك تردد إزاء مهاجمة أهداف سياسية». وأقنع الميجور نظيره العراقي، اللواء فاضل البرواري، الذي يتولى قيادة قوة العمليات الخاصة العراقية، بالضغط على رؤسائه للموافقة على مهمة ضد مسلح مشتبه في مهاجمته قاعدة أميركية بالصواريخ. وقال: «هذا الأمر شديد الحساسية، لكنها مخاطرة أبدى استعداده لخوضها».

وبالفعل، تمت الموافقة على المهمة، وفي الليل حملت عدة مروحيات قوات كوماندوز عراقية وقوات أميركية من قاعدة في بغداد في مهمة لإلقاء القبض على المسلح المشتبه فيه. وفي الصباح التالي، كان المشتبه فيه داخل زنزانة قرب مهبط المروحيات.

* خدمة «نيويورك تايمز»