لقاءات أصيلة تنطلق بندوة حول الهجرة ودعوة دول الشمال للتعامل «إنسانيا» مع الظاهرة

أمير دولة الكويت يتحدث عن دلالات الحضور الرسمي في الموسم الثقافي

محمد بن عيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة، وإلى جانبه سامي عبد اللطيف النصف وزير الإعلام والمواصلات الكويتي في أصيلة («الشرق الأوسط»)
TT

دعا المشاركون في جلسة افتتاح الدورة الـ33 لمنتدى أصيلة إلى التركيز على الجانب الإيجابي للهجرة كظاهرة تساهم في تنمية البلدان وتقارب الشعوب بدل التركيز على جانبها السلبي، المتمثل في الهجرة غير الشرعية، ودعوا دول الشمال إلى التعامل مع الهجرة من منظور «التضامن الإنساني».

وتتناول الندوة الأولى لمنتدى أصيلة، التي ستنطلق نقاشاتها اليوم (الاثنين)، حيث افتتحت أعماله الليلة قبل الماضية، موضوع «الهجرة بين الهوية الوطنية والهوية الكونية» بمشاركة خبراء وسياسيين من بلدان مختلفة. كما خصص المشاركون في الجلسة الافتتاحية للمنتدى حيزا كبيرا من مداخلاتهم للحديث عن الدستور الجديد للمغرب واعتبروه «قدوة في العالم العربي».

وقال جون أجيكيم كروفر، رئيس غانا الأسبق، في الجلسة الافتتاحية إن الهجرة قضية معولمة وموضوع نقاش في أنحاء العالم، وهي تبدو وكأنها ظاهرة جديدة إلا أنها قديمة، فتاريخ البشرية عرف تدفقات كبيرة للهجرة، مشيرا إلى أن تلاقح الأفكار بين الشعوب هو الذي دفع عجلة التنمية في المجتمعات المنفتحة بينما المجتمعات المنغلقة ظلت تعاني التخلف والانغلاق. وأضاف أن ثمار الهجرة تتجسد في أقوى دولة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أن معاناة الناس من الاضطهاد وسوء توزيع الثروات والموارد هو الذي يدفعهم للهجرة، وفي المقابل تزدهر بلدان أخرى نتيجة الهجرة التي تساهم، من وجهة نظره، أيضا في انتشار الثقافات والقيم. وأوضح كروفر أن العديد من الدول أصبحت تحارب الهجرة باسم السيادة وحماية الحدود الوطنية، وبالتالي تزايد حجم المراقبة على الحدود للسيطرة على الظاهرة، مشيرا إلى أن تنظيم التدفقات البشرية لا بد أن يتسم كذلك بروح إنسانية للحد من الصراعات، لأن الإنسان يعبر المحيطات عبر الزوارق أو يعبر الصحراء لأنه فقير يبحث عن مستوى أفضل من العيش، فتنظيم الهجرة يجب أن ينبني على التضامن الإنساني وحماية البشر أينما كانوا، داعيا الدول الغنية إلى مساعدة الدول النامية لإيجاد فرص حياة أفضل لمواطنيها لتتمكن من الحد من حاجة البشر إلى الهجرة. والأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الاستقبال ودول المصدر.

وفي السياق نفسه، قال الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، إن «الجغرافيا كريمة حين يكون قدر المدن توسطها لممرات برية وبحرية استثنائية في أهميتها السياسية والاقتصادية، وإن أصيلة دلالة على ما للجغرافيا من أثر على هويتها الثقافية التي تبلورت أثرا وتأثرا بقرابة الألفي عام من الحراك السياسي في المناطق المحاذية للبحر الأبيض المتوسط، مهد الحضارة الإنسانية، وهذا ما نستشعره في متعة حصونها ورحابة مرافئها، وانفتاح أهلها على ما ألفوه من تنوع فكري متناسق وتعدد ثقافي متآلف أسس لانطلاقات سنوية متجددة لمنتداها الدولي فباتت أصيلة محجا للثقافة»، وأضاف الشيخ صباح الأحمد الصباح في كلمة تلاها نيابة عنه سامي عبد اللطيف النصف وزير الإعلام والمواصلات الكويتي، أن الكويت كانت «رسالة معرفية سابقة على استقلالها وبزوغ دولتها الحديثة، حين أولت (مجلة العربي) عنايتها كغرة إصداراتها خارج محيطها القريب في عام 1958، كمجلة تدفع بمفاهيم ثقافية نبيلة مجردة تمثل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج». وقال الشيخ صباح الأحمد الصباح إن «الحضور الكويتي في منتدى أصيلة الثقافي ودولة الكويت تحتفل بالذكرى الخمسين على استقلالها، والعشرين على تحريرها، يأتي طبيعيا ومنسجما مع المقاصد النبيلة لفعالياته، وإن دولة الكويت بهذه الثنائية الثقافية البهية مع المملكة المغربية، لتستلهم ما نحرص عليه أنا وأخي الملك محمد السادس من أن العلم مشكاة التنوير، والعناية به مطلب حتمي للريادة، والنبوغ». وزاد قائلا: «ما أحوجنا اليوم إلى مثل ذلك في عالم تتنازعه أهواء عنصرية بغيضة وفئوية ضيقة وكراهية مقيتة، عملت على الانكفاء على النفس وعزل الآخر، في انتقائية لعنصر دون آخر، ودين دون الثاني».

من جهته، أشار محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، إلى الدور المهم الذي اضطلعت به الهجرة في بناء الحضارات والتبادل الثقافي والتقارب بين الشعوب، كما أبرز المكانة المهمة التي تحتلها الثقافة كعامل مساعد على الاستقرار وميسر لاندماج المجموعات الإنسانية المهاجرة، مضيفا أن بلدان المصدر والاستقبال يتعين أن تنسق جهودها من أجل الاستفادة من التبادل الثقافي الذي يحدثه المهاجرون. وأشار عامر إلى تجربة المغرب في مجال إحداث مراكز ثقافية بالخارج تمكن مغاربة المهجر من البقاء متمسكين بهويتهم وقيمهم الحضارية وتراثهم الثقافي، كما تتيح أيضا لمجتمعات بلدان المهجر فرصة التعرف أكثر على مغرب الانفتاح والتسامح والتعددية الثقافية.

بدوره، قال فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية السابق، إن ظاهرة الهجرة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بالفضاء المتوسطي وأعادت طرح مجموعة من الأسئلة الشائكة من قبيل الهوية والخصوصية الثقافية لدول الاستقبال واندماج المهاجرين. وأشار السنيورة، الذي تعذر عليه الحضور إلى أصيلة بسبب الأوضاع المستجدة في بلده، وكلف طارق متري وزير الإعلام اللبناني السابق لإلقاء كلمته نيابة عنه، إلى أنه بدلا من إيجاد الحلول للظاهرة، أصبحت العلاقة مع المهاجرين، مشوبة بممارسات عنصرية ولجوء إلى العنف. ودعا السنيورة الدول الأوروبية إلى التجاوب مع الظاهرة من خلال التعاون لتكريس النواحي الايجابية للهجرة، التي عرفها اللبنانيون منذ أزيد من قرن حينما تدفقت حركات هجرة كبرى من هذا البلد المتوسطي نحو العالم. وقال خورخي تايانا، وزير الخارجية الأرجنتيني السابق، إن الهجرة موضوع يحظى باهتمام عالمي ويثير انتباه مجموعة المتدخلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين نظرا لتأثيراته المتبادلة بين دول المصدر والاستقبال، وفي ظل العولمة أصبحت هناك تدفقات بشرية في جميع الاتجاهات ولم تعد مقتصرة على مناطق معينة.

وأشار تايانا إلى أن الأرجنتين بلد تأسس على الهجرة ويحمل سكانه نظرة إيجابية عن هذه الظاهرة باعتبارها عاملا للتنمية والتبادل الثقافي وإنتاج الثروات، وأضاف «نحن لا نقبل بانتقاد الهجرة، لأن لكل واحد الحق في الإقامة في البلد الذي يريد، فنحن أبوابنا مفتوحة لمن يقصدنا لبناء البلد، وتبادل الأفكار والتجارب». أما ترينيداد خيمينيث وزيرة خارجية إسبانيا، فقالت إن إسبانيا كانت بلدا مصدرا للهجرة وأصبحت في العقد الأخير بلد استقبال، فهي البلد الثاني من حيث عدد المهاجرين بعد الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقدر عدد المهاجرين فيها بمليوني مهاجر، مشيرة إلى أن الهجرة ظاهرة إيجابية، وأن عدد المهاجرين تنامى عبر العالم ليصل إلى 200 مليون مهاجر، وأضافت في مداخلة تلاها نيابة عنها ألبرتو نبارو، سفير إسبانيا لدى المغرب، أن أفريقيا لم تعد هي مصدر الهجرة فحسب، بل الهند وسريلانكا ودول أخرى، كما أن عدد النساء المهاجرات ازداد بشكل ملحوظ بسبب الاعتراف بتكافؤ الفرص بين الجنسين.

ودعت خيمينيث بدورها إلى الاستفادة من الجوانب الإيجابية للهجرة، وتسهيل الهجرة المشروعة وإنجاح سياسات إدماج المهاجرين، ومحاربة جوانبها السلبية مثل الاتجار بالبشر. وركز ياسر الزناكي وزير السياحة والصناعة التقليدية المغربي، على أهمية مساهمة المهرجانات الثقافية في التعارف والتقارب بين الشعوب، مبرزا أن الاتجاه العالمي للعروض السياحية ينحو إلى تثمين الخصوصيات الثقافية والمؤهلات الفريدة للبلدان من أجل استقبال السياح الباحثين عن التعرف على حضارات وثقافات مغايرة، واعتبر في هذا الصدد أن استراتيجية 2020 التي وضعها المغرب للنهوض بالقطاع تعتمد على التنمية المستدامة والمؤهلات البيئية وتثمين الموروث المادي وغير المادي من أجل تحقيق التنمية المحلية، مؤكدا على ضرورة تعاون البلدان الشقيقة للمغرب عبر الصندوق المغربي للتنمية السياحية بهدف تدعيم هذه الاستراتيجية.

وأشاد الزناكي في كلمته بأصيلة والتطور الذي عرفته على مستوى البنية التحتية، حتى أضحت في نظره «جوهرة شمال المغرب»، وخاطبه بن عيسى قائلا: «أناشدكم بناء فندق في أصيلة»، وهي مناشدة ما فتئ بن عيسى يرددها مع انعقاد كل موسم ثقافي جديد، إلا أنها لم تلق أي استجابة إلى الآن.

من جهته، قال محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، وزير الخارجية المغربي السابق، إن العالم يعيش ظرفا فارقا يطبعه التغيير شمالا وجنوبا وغربا، مما يمكن القول معه إننا في بداية فجر نهضة كونية جديدة، ونقلة حضارية تطال الكثير من أوجه ومظاهر الحياة، وفي المقام الأول منظومة الحكم الرشيد وترسيخ أفضل أشكال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأضاف أن ما نشاهده اليوم هو عالم تندثر فيه الحدود الجغرافية الطبيعية لتحل محلها حدود بديلة تتجسد في الكيانات الحضارية والثقافية إلى جانب المنظومات الاقتصادية والمعرفية، وأوضح بن عيسى أنه سعيا من المنتدى إلى إذكاء النقاش الهادئ والخصب، فإنه يتم الحرص على تنوع الآفاق المعرفية والخلفيات الفكرية للمشاركين في الندوات، وتداخل المواضيع والقطاعات فيما بينها، مخلصين في ربط التنمية بمفهومها الشامل بالفعل الثقافي، مع إيلاء الأولوية لتنمية الإنسان، بالموازاة مع تطوير البنيات التحتية الأخرى، واعتبر أن أصيلة في هذا المجال بمثابة حديقة تجارب صغيرة ساهمت في تغيير بعض أوجه حياة المجتمع الأصيلي ومحيطه البيئي.

وبخصوص مشاركة الكويت كضيفة شرف في المهرجان، التي تزامنت مع اعتماد المغرب لدستور جديد، قال بن عيسى، إن المغرب والكويت كانا ضمن السباقين إلى إقامة حياة دستورية، فالكويت أقرت أول دستور في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962 في عهد الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، بينما عرض الملك الراحل الحسن الثاني على المغاربة نص الدستور الأول في ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام.