عدم اليقين في المستقبل يؤرق شباب الثورة المصرية

كانوا يأملون في تغير سريع للأفضل بعد رحيل مبارك

متهمون بارتكاب تهم الفتن الطائفية في طريقهم إلى سيارة الترحيلات بعد مثولهم أمام محكمة أمن الدولة طوارئ الجيزة (أ.ب)
TT

رغم مشاركته للملايين في نداء «ارحل.. ارحل»، واضطرار الرئيس المصري السابق حسني مبارك الاستجابة للنداء في نهاية المطاف، يأمل الشاب محمد علام الذي تخرج في كلية الآداب بتفوق في جامعة جنوب الوادي، في تغير سريع لما بعد نظام مبارك، لكن علام (24 عاما) ما زال دون عمل، وبدأ يشكو، مثل ملايين من الشبان، من بطء التغيير، ولذلك سوف يشارك في مظاهرات جمعة «الحساب وتحديد المصير» بميدان التحرير يوم الثامن من الشهر الحالي.

ويأتي هذا في ظل اختلاف القوى السياسية المنظمة بشأن المستقبل السياسي للبلاد، كان آخرها تضارب المواقف من المشاركة في مظاهرات الجمعة المقبلة، وفي ظل غضب عموم الشباب من تسرع جماعات كالإخوان والسلفيين لحصد مكاسب الثورة قبل أن تكتمل، كما يقول رفعت سيد أحمد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث مع «الشرق الأوسط» كمحلل مستقل حول إحباط شباب الثورة مما آلت إليه الأمور في البلاد.

يقول علام الذي تخرج في كلية الآداب قسم ترميم الآثار عام 2008: «إذا كنت أنا والآلاف من أمثالي ممن تخرجوا بتفوق في جامعاتهم، ما زلنا نعاني من ندرة الوظائف بعد سقوط نظام مبارك، فما بالك بعموم الناس من متوسطي التعليم. لم أعد أشعر أن ما قمنا به من ثورة انطلاقا من ميدان التحرير أدى إلى التغيير الذي نريده». يقول ذلك بينما بدأ العشرات من زملائه في نصب خيام في الميدان مجددا، رافعين شعارات تدعو لسرعة محاكمة رموز النظام السابق. وتخلى مبارك عن الحكم في فبراير (شباط) الماضي تحت ضغط احتجاجات شارك فيها ملايين المصريين غالبيتهم شبان، كان من بينهم علام، لكن هؤلاء الشبان، بعد نحو 140 يوما من رحيل النظام، أصبحوا محبطين بسبب ما يقولون إنهم لمسوه من تباطؤ المسؤولين الجدد في تحقيق مطالب ملحّة، على رأسها إنجاز المحاكمات والتوظيف والأمن وزيادة الأجور والعدالة الاجتماعية، لكن سيد أحمد علق قائلا: «مطالب ثورة 25 يناير النبيلة لم تنجز بشكل كامل. ما حدث تغيير للوجوه مع بقاء النظام القديم».

كان علام في الترتيب الأول على 18 قسما من أقسام كليته. ويوجد مئات الألوف من الشبان المتخرجين في الجامعات المصرية منذ سنوات ولم يجدوا وظائف. وبدلا من الحصول على ما كانوا يعتقدون أنه ثمار الثورة، فوجئوا بما يسمونه محاولات الارتداد على هذه الثورة من جانب «فلول النظام السابق». وحتى بالنسبة لمن تخرجوا بدرجات متقدمة في جامعاتهم، وكانوا الأوائل على كلياتهم، مثل علام، فإن استمرار بطالتهم يعد مقياسا على أن «هناك شيئا خطأ.. إذا كنا لم نجد وظائف فما بالك بباقي الشباب».

وانتهى نحو عشرين شابا من نصب خيامهم في ميدان التحرير. بعضهم من العاصمة وآخرون من مدن مجاورة. كانوا يرتدون الجينز وقمصانا ملونة متسخة من طول البقاء هناك. تحدث أحدهم، ويدعى جميل عنتر (23 عاما)، من خريجي المعهد الفني اللاسلكي بجنوب العاصمة، بصوت غاضب قائلا إنه لا بد من الإسراع في محاكمة كل من أفسد في العهد السابق. وبدا من حديثه أن اليأس الذي أصابه وأصاب علام ومئات ألوف الشباب أيام حكم مبارك «لم يرحل بعد».

هل هذه المخاوف لها علاقة بالواقع الحالي. يقول سيد محمد أحمد: «نعم.. السؤال المطروح هو الآتي: لماذا لم تصل الثورة عبر موجتها الأولى، من ائتلافات وإخوان وسلفيين، إلى تحقيق إنجاز؟ والإجابة: إن أغلب هذه القوى بدأت تأكل ثمرة الثورة قبل أن تستوي، بل هذه الثمرة يمكن أن تكون اصطناعية».

وبدا في الأسابيع القليلة الماضية أن الشبان المحبطين لم يشعروا بنتيجة ثورتهم التي استمرت 18 يوما في يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين. وتحركت مجموعات منهم للتظاهر مجددا الأسبوع الماضي أمام مقار تابعة للحكومة، للتنبيه لخطورة ما يجري. وظلت مشكلة عدم القدرة على توظيف الخريجين من كبرى المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في العهد السابق. ويحاول النظام الجديد الحصول على مساعدات من عدة دول صديقة، لكن كبار المسؤولين الذين يديرون البلاد حاليا يشيرون إلى أن استمرار حالة عدم الاستقرار ومواصلة الاحتجاجات تصيب اقتصاد البلاد في مقتل، ناهيك بأن الحالة الاقتصادية متدهورة أصلا من منذ زمن.

ووفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يتخرج من ثلاثين جامعة ومائة معهد عالٍ بمصر سنويا نحو نصف مليون خريج يحتاجون إلى وظائف. ويقول مسؤول في الجهاز إن بطالة الخريجين والشباب كانت من أسباب الإطاحة بالنظام السابق. وبلغ عدد خريجي الدرجات المتقدمة، خلال السنوات السبع الأخيرة (من 2003 حتى 2010) نحو 38 ألفا، بحساب العشرين الأوائل من كل كلية، وفقا للائتلاف الذي شكله هذا النوع من الخريجين بعد مشاركتهم في إسقاط النظام.

ومنذ تخرجه يتنقل علام بين مكاتب المسؤولين من أجل وظيفة. وقال: «أنا عملت في المقاهي والمزارع حتى أهوِّن على أسرتي.. حرمت نفسي من كل شيء حتى أكمل تعليمي. كان أهلي ينتظرون يوم تخرجي على أمل أن أعمل وأنفق عليهم، ورغم حصولي على أعلى الدرجات في الكلية، لكن هذا لم يحدث. والآن أصبح العثور على وظيفة تناسبني أمرا صعب المنال».

غالبية خريجي الجامعات الذين لم يعملوا في السياسة من قبل لديهم شكوك الآن في المستقبل، فهم لم يخرجوا في مظاهرات في الشارع إلا بداية من يوم 25 يناير. ويوضح عنتر بعد أن جلس مستظلا داخل الخيمة بسبب حر القاهرة، أن القوى السياسية التي كانت فاعلة في الثورة، وفي مقدمتها الإخوان، حصلت على غنائم مبكرة، منها تشكيل أحزاب سياسية، ويبدو أنها اكتفت بهذا القدر من الثورة، بينما القوى الليبرالية واليسارية تعاني من حالة انقسام.

ويقول رفعت سيد أحمد: «أنا أرى أن الوضع كالآتي.. نحن أمام قوى سياسية منظمة تسرعت للحصول على تورتة الثورة التي لم تستوِ بعد.. إنهم يتكالبون على التورتة، وهم يثبتون أنهم مثلهم مثل النظام السابق»، في إشارة إلى أحزاب التيارات الدينية التي تأسست بعد مبارك، بعد أن كان عملها محظورا في البلاد.

وأمام هذا الواقع الغامض شكّل علام ومئات من زملائه «ائتلاف أوائل خريجي الجامعات المصرية»، للتحدث باسم هذه الشريحة من الخريجين. وقبل أن يلتحقوا بالمعتصمين في ميدان التحرير مجددا منذ يوم الخميس الماضي، وقف علام مع نحو ثلاثمائة من زملائه القادمين من عدة محافظات، لمطالبة المسؤولين بوظائف، مهددين بالاستمرار في الاعتصام والإضراب عن الطعام. ويقول علام متشائما: «النظام الجديد يتعامل معنا بنفس طريقة النظام السابق.. يعطوننا وعودا، ثم يماطلون ويسوّفون، بينما نحن أوائل الجامعات، فما بالك بأحوال الخريجين العاديين».

وطوال الشهور التي أعقبت رحيل مبارك نظم الآلاف منهم وقفات احتجاجية مطالبين بوظائف، كان من بينهم خريجون من كليات الأزهر والبترول والآداب والتربية وغيرها. ووفقا لـ«الائتلاف» نفسه فإن ما يقرب من 50% من هذا النوع من أوائل خريجي الجامعات المصرية لم يتمكنوا قط من العثور على أي وظائف طيلة السنوات السبع الماضية، بينما النصف الآخر التحق بأعمال لا تناسب تخصصاتهم، واضطر آلاف منهم للعمل في أعمال هامشية بأجور متدنية، كالخدمة في المقاهي والأراضي الزراعية، بينما كانت أسرهم تعوّل عليهم في مساعدتها على نفقات الحياة.

ويقول عنتر وهو يشد حبلا في وتد الخيمة وسط الميدان: «لا وظائف، ولا محاكمات. لماذا أعود إلى البيت؟ أنا مقيم هنا حتى يوم الجمعة القادم، سواء حضر الإخوان والسلفيون أو لم يحضروا.. سنختبر قوتنا».