عودة ستروس ـ كان تسعد أنصاره وتثير حفيظة النساء في فرنسا

إعلامية فرنسية بارزة: حتى لو تمت العلاقة المفترضة بالرضا فإننا أمام «مشكلة بيل كلينتون أخرى»

مراسلون يقضون وقتهم مع لعبة البيسبول خارج مقر إقامة ستروس-كان وزوجته آن سينكلير في نيويورك أمس (أ.ف.ب)
TT

صرحت والدة شابة اتهمت دومينيك ستروس-كان، بمحاولة اغتصابها عام 2003، أول من أمس بأنها شعرت «باستياء بالغ» إزاء رد الفعل السعيد الذي أبداه كثير من الرجال في فرنسا حيال تداعي أركان القضية المرفوعة ضد المدير السابق لصندوق النقد الدولي، في نيويورك، بسبب شكوك حول مصداقية صاحبة الاتهام والتي تعمل في خدمة الغرف بإحدى الفنادق.

وقالت آن منسوريه، التي لمحت ابنتها لعزمها تقديم شكوى جنائية في فرنسا ضد ستروس-كان: «لقد كذب كثيرا في حياته. أنا أعلم حقيقته جيدا». وأضافت: «إننا نشكك بتلقائية في شهادة هذه الشابة، لكننا لا نشكك في الرجل الذي أسرف في الكذب». وأشارت إلى أن ستروس-كان وحلفاءه من الرجال «لا يرغبون في ظهور عالم لا يمكن للرجل فيه» إجبار امرأة على ممارسة الجنس معه.

وبالنسبة لمنسوريه، التي حثت ابنتها لسنوات على عدم الإعلان عما تعرضت له مع ستروس-كان، حتى لا تدمر حياتها المهنية، وأمهات آخرين، يبدو أن إلقاء القبض على ستروس-كان في نيويورك في مايو (أيار) شكل نقطة تحول، وفرصة لكسر قانون الصمت حيال التحرش والاعتداءات الجنسية من جانب شخصيات ذات نفوذ. إلا أن التساؤل الذي اجتاح فرنسا بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، الجمعة، هو ما إذا كان مسار الأمور يتحول مجددا.

وشعر الكثير من النساء بصفعة قوية عندما شرع أعضاء بارزون في الحزب الاشتراكي، المؤسسة التقدمية الأساسية في المشهد السياسي الفرنسي، في الحديث على الفور حول إمكانية مضي ستروس-كان، في الترشح للرئاسة رغم عدم إسقاط الاتهامات الجنائية الموجهة ضده.

وقال ليونيل جوسبان، عضو الحزب الاشتراكي ورئيس الوزراء السابق، إن ستروس-كان «ألقي به للذئاب» من قبل الأميركيين. وقال المشرع الاشتراكي جان ماري لو غوان، الذي يعتبر ستروس-كان ضحية مؤامرة: «آمل أن يطلق سراحه قريبا ويتمكن من رفع رأسه أمام الشعب الفرنسي مجددا». أما فرنسوا بوبوني، العمدة الاشتراكي، فأعرب عن اعتقاده أن ستروس-كان ينبغي أن يترشح للرئاسة، وقال: «قبل 15 مايو (أيار)، كان الجميع يعتبره المرشح الأفضل. لكنه تعرض للاتهام بارتكاب أعمال فظيعة. وإذا ثبتت براءته، ما الذي يمنع من ترشحه للرئاسة؟».

إلا أن سيلفي كوفمان، أول رئيسة تحرير لصحيفة «لوموند» والمراسلة السابقة لدى الصحيفة في واشنطن، فترى أن هناك لحظة معينة تدوم وتبقى لما هو أبعد من نطاق النخبة السياسية. وأضافت: «أعتقد أنه تعرض لضرر بالغ الآن، ولن يتمكن من استعادة سابق صورته في أذهان الناخبين، خاصة الناخبات. أنا شخصيا لن أمنحه صوتي الآن، لكن قبل ذلك ربما كنت سأمنحه صوتي». وتابعت أن هناك ميلا بين الرجال «للتظاهر بأن شيئا لم يحدث». وقالت أيضا: «في العقلية السائدة، لا تحمل هذه القضية أهمية كبيرة، حيث تعتبر الطبقة السياسية قضية المرأة والتوجهات السياسية إزاءها أمرا لا يحمل أهمية كبيرة. لكن أعتقد أن الناخب العادي يتخذ موقفا مغايرا».

إلا أن كوفمان بدت متشككة حيال اندلاع أي ثورة فورية إزاء التوجهات المرتبطة بالنوع في فرنسا. واستطردت بقولها: «لكن هذا فتح الطريق أمام كثير من المناقشة والجدال». وأوضحت أنه: «أصبح هناك وعي، واستعداد للحديث علانية لم يكن موجودا من قبل. حتى لو نجح ستروس-كان في العودة والترشح للرئاسة، فإن هذا الأمر سيشكل جزءا من المناقشات الدائرة حول ترشحه. وسيبقى رجلا دخل في علاقة حميمة مع عاملة خدمة غرف قبل أن يتناول الإفطار مع ابنته ويستقل الطائرة عائدا لزوجته».

وحتى لو كانت هذه العلاقة برضا الطرفين، مثلما يقول محامو ستروس-كان، ترى كوفمان أننا «نعود لمشكلة بيل كلينتون من جديد. ربما يكون ستروس-كان أفضل سياسي على الساحة، لكن القضية كشفت جزءا من شخصيته يمثل مشكلة في حملة انتخابية وفي الرئاسة».

وتتفق هيلين بيرفيير، مديرة برنامج النوع في معهد الدراسات السياسية في باريس، مع رأي بيرفيير أن حملة بحث عميقة في الذات إزاء العلاقات بين النوعين بدأت. وقالت: «أثارت القضية تساؤلات تتجاوز حدودها، وكونه مذنبا أم لا، فقد بدأ الناس يثيرون تساؤلات حول العلاقات بين الرجال والنساء في فرنسا، ولن تتلاشى هذه التساؤلات بمرور الوقت». إلا أن بيرفيير وآخرون حذروا من أن التضارب الذي ظهر بوضوح في أقوال صاحبة الاتهام ضد ستروس-كان، ينطوي على مخاطرة تشويه تقارير مستقبلية حول العنف الجنسي. وقالت: «إذا برئت ساحته، يكمن المخاطرة أنه في المرة القادمة التي يتكرر فيها هذا الأمر، سيشير الناس إلى هذه السابقة». وأوضحت أن البلاغات الكاذبة ضد الاغتصاب والعنف الجنسي نادرة، حسبما تكشف الإحصاءات، «لكنها كافية لتعزيز الشكوك وتشويه صورة النساء اللائي يتوجهن للشرطة في المستقبل».

من ناحيتها، تتولى أوليفيا كاتان إدارة منظمة نسوية تدعى «بارول دي فيم» (كلمات النساء)، وقالت إنها تلقت تعليقات مهينة على موقعها على شبكة الإنترنت من أشخاص قالوا إن أعضاء الحركة النسوية الفرنسية اندفعوا للدفاع عن عاملة خدمة الغرف التي اتهمت ستروس-كان بالاعتداء عليها، بينما «كان ينبغي أن يبقوا صامتين». وقالت إنها فوجئت بردود أفعال الكثير من الاشتراكيين. وقالت: «لقد أثاروا انطباعا بأنهم سيستقبلونه كبطل».

وأبدت ثقتها من أن ستروس-كان سيخسر التأييد الذي يحظى به بين الكثير من الناخبين إذا ترشح للرئاسة، لكن ما يقلقها أكثر أن «ضحايا الاغتصاب اللائي يقدمن على اتخاذ إجراء قانوني ضد الجناة سيتعين عليهن الآن إثبات حسن سلوكهن وأنه لا سجل لهن لدى الشرطة وأنهن لم يكذبن قط». وأعربت عن خوفها من أن القضية «ستثير مزيدا من الشكوك حول شهادات الضحايا في بلاد لا تزال حقوق المرأة تتعرض فيها للسخرية».

في المقابل، بدت ناتاشا هنري، كاتبة فرنسية معنية بقضايا المرأة، أكثر تفاؤلا، حيث قالت: «دائما ما يكون من الصعب أن تحظى الضحية بمن ينصت إليها، لكن الوضع بات أفضل الآن، وتغير شيء ما في عقلية الفرنسيات».

وأشارت لقضية جورج ترون، المسؤول الذي اتهمته نساء بمحاولة اغتصابهن بعد أن شجعتهن قضية ستروس-كان على ذلك. الآن، استقال المسؤول من الحكومة ويواجه اتهامات بالاغتصاب.

وقالت: «لقد مكنت هذه القضية النساء، حتى وإن كانت صاحبة الاتهام في القضية غير معصومة من الخطأ»، في إشارة إلى عاملة خدمة الغرف في قضية نيويورك. وأضافت: «إنها إنسانة عادية ارتكبت أخطاء».

وفي إشارة لكيفية تبدل الأوضاع، أشارت كوفمان إلى مقابلة أجريت الأسبوع الماضي في صحيفة «باريزيان» مع لورنس باريسو التي تدير أكبر نقابة عمالية بفرنسا.

وتحدثت باريسو بوضوح بالغ قائلة: «التمييز على أساس النوع هو نوع من العنصرية»، في إشارة إلى كراهية النساء في الحياة السياسية الفرنسية والتمييز على أساس النوع في المؤسسات السياسية. وأثارت المقابلة ردود أفعال واسعة في وسائل الإعلام الفرنسية. وقالت باريسو موجهة حديثها إلى الشابات إن قضية ستروس-كان «ستسهم في تحرير الخطاب. لن يصبح هناك خوف من الكلام». وذكرت آن ماري لو غلوان، مديرة شؤون الأبحاث في مركز الدراسات والأبحاث الدولية بمعهد الدراسات السياسية، أن قضية ستروس-كان هيمنت على الحديث داخل محل حلاقة أول من أمس. وأضافت: «دفعت هذه القضية النساء إلى الحديث أكثر عما يتعرضن له داخل مكان العمل. إن المجتمع الفرنسي يتغير إلى حد ما، لكن تدريجيا».

في غضون ذلك، أفاد استطلاع أجراه معهد «هاريس إنتراكتيف» ونشرته صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية أمس أن نصف الفرنسيين (49 في المائة) يؤيدون عودة دومينيك ستروس-كان إلى الساحة السياسية بعد الإفراج عنه، الجمعة، مقابل 45 في المائة لا يرغبون في ذلك. وترتفع هذه النسبة بين أنصار اليسار إلى 60 في المائة من الأشخاص المستطلعين الراغبين في عودة المدير العام لصندوق النقد الدولي المستقيل إلى الحياة السياسية الفرنسية، مقابل 38 في المائة، وخصوصا من أنصار الحزب الاشتراكي بنسبة 65 في المائة من التأييد، مقابل 33 في المائة من المعارضة. ولتسهيل هذا السيناريو يرى 43 في المائة من الفرنسيين أن يعدل الحزب الاشتراكي الجدول الزمني لانتخاباته التمهيدية التي تفرض على الراغبين في الترشح الإعلان عن ذلك قبل 13 يوليو (تموز) مقابل 49 في المائة لا يوافقون. ولدى أنصار اليسار تأمل أغلبية قليلة (51 في المائة مقابل 47 في المائة) إرجاء المهلة الأخيرة للترشيح بينما من بين أنصار الحزب الاشتراكي يوافق 55 في المائة من المستطلعين مقابل 44 في المائة يرفضون ذلك.