عام على اعتصام نواب القدس: هنا ولدنا.. هنا نموت

يعيشون في خيمة ويشتاقون إلى الحياة الاجتماعية والوحدة والخصوصية

TT

منذ أكثر من 365 يوما، لم يغادر وزير القدس الأسبق خالد أبو عرفة، والنائبان في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد طوطح وأحمد عطون، خيمة الاعتصام في مقر الصليب الأحمر في القدس، التي التجأوا إليها لتجنب الإبعاد عن المدينة المقدسة دقيقة واحدة.

يدرك النواب الثلاثة أن أعين المخابرات الإسرائيلية تتربص بهم خارج خيمة الاعتصام، وتنتظر اعتقال أي منهم لتلحقه بزميلهم الرابع، عضو المجلس، محمد أبو طير، الذي تمكنت الشرطة الإسرائيلية من اعتقاله وإبعاده إلى الضفة في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، تنفيذا لقرار صادر عن وزير الداخلية الإسرائيلي عام 2006، يقضي بإبعاد الفلسطينيين الأربعة، بعد رفضهم تقديم استقالتهم من التشريعي بعد انتخابهم مطلع العام نفسه.

ويعتبر اعتصام النواب الحالي هو الأطول من نوعه الذي يعرفه الفلسطينيون منذ الاحتلال الإسرائيلي 1967. وقال أبو عرفة لـ«الشرق الأوسط» من خيمته «لم نغادر المقر ولا دقيقة واحدة.. إنه اعتصام متواصل منذ عام كامل، ساعة بساعة». وأضاف أبو عرفة «نحن هنا لا نتحرك أبدا على الرغم من حصول أحداث تتعلق بعوائلنا.. زوجتا طوطح وعطون أنجبتا مثلا، ولنا أقارب تزوجوا وآخرون توفوا.. كان الجميع يشارك في الأفراح والجنازات إلا نحن، كان الناس يأتون إلى هنا لتهنئتنا أو لتعزيتنا».

ولم يترك الناس خيمة اعتصام النواب، أبدا. ولا يتذكر أبو عرفة أنه أمضى ساعة وحده منذ بدء الاعتصام، ويتناوب ناشطون وأقارب ومهتمون من أهل القدس على زيارة الخيمة والمبيت فيها، بالإضافة إلى استمرار تدفق الوفود الشعبية والرسمية.

ورغم أن ذلك يثلج صدر النواب، ويعطيهم مزيدا من دوافع الصمود، فإنه ألغى إلى حد كبير الخصوصية التي يبحث عنها كل منهم. ولم يخف أبو عرفة أنه يشتاق إلى الوحدة قليلا. وقال «أرغب في ساعات قليلة أجلس فيها وحدي».

لقد غيّر الاعتصام حياة أبو عرفة ورفاقه الذين كان عليهم أن يتكيفوا مع بيئتهم الجديدة، بعيدا عن العائلة وأفراحها وأتراحها. وقال أبو عرفة «معيشتنا ليست طبيعية أبدا، وهي أقرب إلى معيشة السجن».

ويعيش أبو عرفة مع طوطح وعطون في غرفة واحدة منذ بداية الاعتصام وفرتها إدارة الصليب الأحمر. وقال «اتخذنا منذ الأسابيع الأولى الأرض فراشا، ننام في غرفة خصصتها لنا إدارة الصليب».

وفي هذه الغرفة الضيقة يتابع كل منهم شؤونه الخاصة، إذا ما تيسر له ذلك في وقت متأخر من الليل، بعد الفراغ من استقبال الوفود. وبخلاف هذه الغرفة لا تتوافر للنواب أي مرافق أخرى باستثناء مرحاض آخر صغير لا تتوافر فيه المساحات المطلوبة للاستحمام مثلا. وقال أبو عرفة «نغتسل في الكارادور (ممر) الخاص بالمرحاض».

أما في ما يخص مأكل ومشرب النواب، فإن إدارة الصليب توفر بعض المصاريف الخفيفة، بينما تتبرع مؤسسات وهيئات وأصدقاء بالطعام مرتين أسبوعيا للنواب وضيوفهم. وأوضح أبو عرفة «باقي الوجبات نطلبها من مطاعم قريبة أو تصلنا عبر عائلاتنا وأصدقائنا».

وعلى مدار مئات الأيام الماضية، تعرض أبو عرفة ورفاقه إلى مشكلات صحية، ليست خطيرة، لكنها استدعت طلب طبيب خاص. وقال أبو عرفة «احتجنا الطبيب عشرات المرات، بسبب الظروف القاسية التي نعيشها، والحمد لله أن حالة أي منا لم تتطلب نقله للمشفى».

ويشعر أبو عرفة ورفاقه بأنهم قادرون على الاستمرار في هذه الظروف أكثر، وقال «نشعر بقدرتنا على الصمود سنة وسنتين إضافيتين بفضل الله ودعم شعبنا». ويفضل أبو عرفة ورفاقه أن يستمروا في هذه الظروف، رغم أنهم يقرون بأنها أصعب من ظروف السجن، غير أن ذلك هو خيارهم النهائي إذا ما كان المقابل هو الإبعاد مثلما حدث مع أبو طير. وقال أبو عرفة «هذه أرضنا.. هنا ولدنا وهنا سنموت» وأضاف «نشعر بأننا حققنا انتصارا مهما بمنع إبعادنا.. هذه هي معركتنا الآن».

وخلال مهرجان أقيم يوم الجمعة الماضي، في خيمة الاعتصام، شجع المبعد أبو طير رفاقه على الصمود. وقال خلال اتصال هاتفي من الضفة «إن كان الاحتلال قد تمكن وتيسر له سجني وإبعادي عن إخواني النواب، وعن أهلي والمسجد الأقصى، فقد هُزم الاحتلال بعون الله ومنع من إبعاد النواب الآخرين».

ولا يبدو في الأفق حل قريب لأزمة النواب المعتصمين. وقال أبو عرفة «لا ننتظر شيئا محددا، لا نعول على شيء واضح، لكننا نعول على الجهد المتراكم الذي يبذل منا ومن أنصار الحرية. نثق أن هذه الجهود المتراكمة ستفرض على الاحتلال والمؤسسات الدولية ومجلس الأمن أن يأخذ قرارا، لكن متى؟ لا نعرف، لكننا نشعر بأننا اقتربنا من ذلك».

وفي وقت سابق، لم تثمر كل الجهود التي بذلت من أطراف متعددة، بينها السلطة الفلسطينية، في إلغاء قرار إبعاد النواب. ودعت حركة حماس للعمل لوضع حد لما وصفته «جريمة» إبعاد النواب عن القدس، ووصف رئيس مكتبها السياسي قرار السلطات الإسرائيلية إبعاد نواب القدس بأنه «جزء من الحرب ضد الشعب الفلسطيني وتهويد القدس».

وطالب مشعل في كلمة له بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاعتصام نواب ووزير القدس المهددين بالإبعاد في مقر الصليب الأحمر، الدول التي تسعى وراء فرض المفاوضات رغم التعنت الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى وضع حد لهذه «الجريمة». وقال إن من يريد أن يصنع سلاما في المنطقة، عليه أن يضع حدا للاحتلال وللتهويد وللتضييق على الشعب الفلسطيني في القدس وفي كل فلسطين. وأضاف منتقدا الصمت الدولي «هذه الجريمة مضت والعالم يتفرج».