قوات الكوماندوز العراقية قدراتها أفضل من الجيش.. لكنها تخشى الانسحاب الأميركي

تؤدي مهامها الصعبة بالاشتراك مع الأميركيين.. وقائدها: نحتاج إليهم للدعم الجوي والحدود

TT

في ساعات الظلام، جاب رجال كوماندوز العمليات الخاصة الأميركيون والعراقيون مرتدين ملابس سوداء، المنطقة الحضرية الكثيفة بالسكان داخل العاصمة بغداد، واقتربوا من منزل كان يفترض أن داخله يختبئ شقيقان مشتبه في تنفيذهما عمليات اغتيال وهجمات بسيارات مفخخة. ومع طرق العراقيين على الباب، بدد سكون الليل صوت تحطم الزجاج وصيحات مرتفعة.

وبعد أعوام من قيادة مثل هذه المهمات، انتظر الأميركيون في الخارج حتى أصبح المنزل آمنا. وقال سيرجنت أميركي بعد إتمام الغارة إن الشيء المهم هو أن العراقيين أخذوا القيادة في هذه المهمة. وتحدث شريطة ذكر رتبته فقط، التزاما بالقواعد الميدانية الخاصة بتواصل الصحافي مع وحدة القوات الخاصة التابعة للجيش. وأضاف: «هم مَن يقومون بالعمل غير المرغوب فيه.» ولكن يخشى قادة أميركيون وعراقيون من أن هذا الإرث العسكري الحيوي ربما يواجه مخاطر مع انسحاب القوات الأميركية العام الحالي بموجب اتفاق بين الدولتين. ويقول أميركيون إن قوة العمليات الخاصة العراقية، التي تحقق توازنا مع الطوائف والأعراق الرئيسية داخل العراق، أكثر قدرة من الجيش العراقي، وربما تلعب دورا مهما في منع تحول التمرد إلى حرب أهلية طائفية. وعلى الرغم من أن قليلا من الساسة العراقيين يرغبون في الإقرار علنا بأنهم في حاجة إلى المساعدة الأميركية، فإن جنودا عراقيين يقولون إن القوات الأميركية يجب أن تبقى لفترة أطول للاستمرار في التدريب وتقديم الاستشارات.

ويقول الميجور جنرال فاضل البرواري، قائد قوة العمليات الخاصة العراقية: «ثمة حاجة لبقاء الأميركيين لأننا لا نسيطر على حدودنا.» ويشكل الكوماندوز مجتمعا منظما ومندمجا بعضه مع بعض، وتعد العلاقات بين العراقيين والأميركيين قوية بصورة خاصة، وزادت قوتها عبر العديد من عمليات التعبئة. وقال الكولونيل سكوت براور، قائد قوة العمليات الخاصة المشتركة بشبه الجزيرة، خلال مقابلة أجريت معه في قاعدة شمال بغداد: «هل نأمل بعد قضاء ثمانية أعوام داخل هذه الدولة واشتراكنا في الدماء والعرق والدموع ومتنا جنبا إلى جنب وعملنا بعضنا مع بعض، أن نحافظ على هذه العلاقة..؟ بالطبع نأمل في ذلك.» وقد نصح قادة عسكريون عراقيون بارزون رئيس الوزراء نوري المالكي ببقاء بعض القوات. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم سيوافقون على مثل هذا الطلب حال تقديمه.

وعلى الرغم من أنه تم الإعلان رسميا عن انتهاء الأعمال القتالية، فإن العراق لا يزال يبدو كساحة حرب لوحدات العمليات الخاصة المنتشرة بمختلف أنحاء البلاد.

وقال ميجور أميركي في القوات الخاصة: «نعم، في أي وقت يأخذ الواحد بندقية معبأة بالرصاص، ويخرج في منتصف الليل على متن مروحية، وعلينا التعامل مع الأمر بهذه الصورة»، وأضاف أنه مع ذلك، فقد تراجعت مخاطر مثل هذا العمل بشكل كبير. وأشار: «يمر بعض الوقت قبل أن يكون هناك قتال وتبادل لإطلاق النيران.» وفي حين كان الميجور يتحدث على طاولة في مجمع قاعدة «فيكتوريا»، وهو مجمع أميركي فسيح بالقرب من مطار بغداد، أقلعت العديد من المروحيات الأميركية من منطقة مجاورة وكانت تقل فريقا يضم جنودا تابعين للقوات الخاصة الأميركية والعراقية في طريقهم لإلقاء القبض على رجل شيعي مشتبه في إطلاقه صواريخ على قاعدة أميركية.

وخلال الغارة التي نفذت ليلا لإلقاء القبض على الشقيقين، لم تلق عناصر القوات الخاصة القبض على الرجلين، ولكنهم قالوا إن الأغلبية الواسعة من غاراتهم تنتهي بإلقاء القبض على المشتبه فيه. ونادرا ما يطلق الرصاص.

وكان هناك نحو ستة عراقيين في المهمة مقابل كل أميركي. وكان الأميركيون يرتدون الملابس السوداء نفسها التي يرتديها العراقيون. وبعد تأمين المنزل، ذهب العديد من الأفراد إلى سطح المنزل، حيث كان أحد عناصر الكوماندوز العراقيين يبحث في صندوق تخزين عن مواد متفجرة، وركل مشغل كاسيت بلاستيكيا تبين أنه ليس أداة تفجير. وكان آخرون يراقبون سطوح المنازل المجاورة تحسبا لأية تهديدات تطرأ.

وكان تسعة من أفراد العائلة في المنزل، ولكن لم يكن بينهم المشتبه فيهما. ومع استجواب الأقارب، ظهرت العديد من الروايات عن الأماكن التي يتردد عليها الشقيقان. ووفقا لإحدى الروايات، غادر الاثنان في ظهيرة ذلك اليوم، في حين جاء في رواية أخرى أنهما لم يأتيا للمنزل منذ عام ونصف العام. وقال جندي أميركي، وهو مسؤول الإخطارات: «لا يوجد أفراد سيئون الليلة.» كما لم يتم العثور على أي مخازن سلاح أو متفجرات. وقال مسؤول الإخطارات الأميركي: «عادة لا يحتفظون بهذه المواد في المنزل»، موضحا أنه غالبا ما تخزن لدى أحد الجيران. وأضاف: «بموجب القوانين لا يمكننا تفتيش منزل الجار.» وتقوم وحدات العمليات الخاصة الأميركية بتدريب وتجهيز قوة مكافحة الإرهاب العراقية منذ بداية الحرب عام 2003. وكان البرواري يتدرب على بعض التمارين قبل ثمانية أعوام، وكان يشرف على ذلك أميركيون لا يزالون يقدمون استشارات لوحدته حاليا. والآن يعيش في قصر كان يمتلكه صدام حسين. ومن داخل القصر يوجه تعليمات خاصة بالغارات الليلية بمساعدة الأميركيين.

واستفاد الجنرال برواري، الذي بدأت علاقاته مع الجيش الأميركي في عام 1991 في شمال العراق، كثيرا من الحرب الأميركية داخل العراق. وخلال الأيام الأخيرة يشعر بالقلق بشأن ما سيحدث في بلده من دون جنود أميركيين.

ويقول إنه إذا بقي الأميركيون، «فلن يقاتلوا إلى جانبنا، ولكنهم سيبقون ليعطونا الدعم الجوي». وأضاف: «هناك الكثير من الأشياء التي لا نعرف شيئا عنها.» ولا تزال بعض الوحدات العراقية خارج سلسلة القيادة العسكرية النظامية، ويقومون برفع تقاريرهم إلى المالكي مباشرة. وقد كان ذلك عنصر نقد من جانب منتقدي رئيس الوزراء، حيث يعتقدون أنه كرس لنفسه مقدارا كبيرا من السلطة، وكان إخراج الوحدات من سيطرته المباشرة جزءا من اتفاق مشاركة في السلطة دعمته الولايات المتحدة العام الماضي ووضع نهاية لمأزق سياسي استمر أشهرا عقب الانتخابات البرلمانية. ولكن لم يتم إكمال هذه الاتفاقية في يوم من الأيام، ويوجد تهديد حاليا بأن تتداعى وسط خلاف سياسي. ولم يسمِ المالكي حتى الآن مَن سيشغل منصبي وزير الدفاع ووزير الداخلية، وما زالت وحدات مكافحة الإرهاب تحت سلطته.

ويخشى مستشارو العمليات الخاصة الأميركية مما سيحدث لنظرائهم العراقيين من دون علاقاتهم الأميركية والسخاء داخل مقر العمليات الخاصة بقاعدة «فكتروي». ويشمل المجمع، الذي دُفع له 32 مليون دولار من أموال أميركية؛ مليوني دولار لأرض تدريب ميداني داخلية يشير رجال الكوماندوز إليها باسم «بيت الرماية». ويشيرون إلى أن الكثير من المهام في ساعات الليل تنفذ باستخدام مروحيات أميركية. وقد أنفقت الحكومة الأميركية مئات الملايين من الدولارات في تدريب وتسليح هذه القوات، ولكن من غير المعروف المبلغ على وجه التحديد لأن الجيش لم يعط توضيحا كاملا، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نهاية العام الماضي أصدره مكتب المراقب العام، الخاص بإعادة إعمار العراق، الذي جاء فيه أن 237 مليون دولار كانت بصورة مباشرة لدعم القوات الخاصة العراقية.

ويعتبر مستقبل الجيش الأميركي داخل العراق قرارا سياسيا في يد الحكومة العراقية التي يجب أن تطلب بصورة رسمية تعديل الاتفاق الأمني للسماح لبعض القوات بالبقاء. ويقول الميجور الأميركي إن «رجال القوات الخاصة الأميركية يعتقدون أننا سنعود.»

*خدمة «نيويورك تايمز»