الأسواني: بعد 30 سنة بين «العقرب» وسجن طرة ما زالت صرختي: إلى الله المشتكى

رسالة لـ «الشرق الأوسط» من خلف القضبان من أقدم سجين سياسي في مصر

محمد الأسواني في صورة من داخل سجن العقرب بمصر («الشرق الأوسط»)
TT

محمد الأسواني، سر الأسرار وحكاية الحكايات، صاحب التفاصيل المثيرة والأحداث الغريبة.. إنه الأسواني ابن شبرا الذي تحدثت عنه مصر حينما اعتقل في قضية الجهاد الكبرى، وحينما هرب وحينما عاد.. محمد صالح الأسواني، الذي قضى في السجن 30 عاما، والمصاب بشلل نصفي لا يتمكن من الحركة، والمصاب بارتفاع ضغط الدم، تلقت «الشرق الأوسط» رسالة منه عبر «المرصد الإسلامي» بلندن، الذي يهتم بأخبار الأصوليين حول العالم. ويعتبر الأسواني من قيادات تنظيم الجهاد المصري، وقُبض عليه عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وهو الآن أقدم سجين جهادي في السجون المصرية بعد الإفراج عن نبيل المغربي قبل أيام.

تلقت «الشرق الأوسط» رسالة منه من خلف القضبان في سجن طرة عبر «المرصد الإسلامي» بلندن، تتحدث عن حالته الصحية التي تقتضي العفو الصحي الفوري عنه؛ إذ إنه «مصاب بشلل نصفي نتيجة جلطة دماغية». واشترك الأسواني عام 1987 في «محاولة الهروب الكبرى» مع خميس مسلم وعصام القمري. وأضاف: «كان هناك اتفاق بين الإخوة في الجماعات الإسلامية على عدم الهروب من السجن بسبب ما لاقيناه من تضييقات بعد محاولة الشيخ نبيل المغربي الهروب عام 1984، لكن الأسواني والقمري ومسلم رتبوا للفرار من سجن مزرعة طرة، وحكم على الأسواني بالسجن 12 عاما لمحاولته الهروب ومقاومته السلطات، كما حكم عليه بالسجن 8 سنوات في قضية طلائع الفتح بتهمة تسريب معلومات من داخل محبسه.

والأسواني هو السجين الذي عاش داخل زنزانة انفرادية لمدة عشرة أعوام كاملة لا يعرف ما يدور خارج حدود زنزانته ولا يعرف شيئا عن أهله ولا هم يعرفون شيئا عنه، كان الأسواني ضمن الدفعة الأولي التي أنشئ لأجلها سجن العقرب، فكان من أوائل سجنائه في مرحلة شديدة القسوة وبالغة الصعوبة، والأسواني خريج كلية الآثار جامعة القاهرة.

من جهتها، قالت شقيقته عبير الأسواني (أم مروة) في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن شقيقها محمد اعتقل وهي في العاشرة من العمر واليوم هي تبلغ 40 عاما. وأضافت أنها لم تنقطع عن زيارته، لكنه ظل رهن الحبس من دون زيارات لفترة تقترب من الـ15 عاما، كانت تتخللها زيارات لمدة 5 دقائق في الأعياد والمناسبات.

غير أن السيدة عبير أشارت إلى أن الزيارات تحسنت كثيرا بعد ثورة «25 يناير». وأضافت أن آخر زيارة له كانت في سجن العقرب يوم الخميس الماضي وجلست معه لمدة ساعتين، وكانت معنوياته عالية، وأمله كبيرا في الإفراج عنه، على الرغم من أن حالته الصحية متدهورة للغاية، وأكدت أنه في حاجة ماسة إلى الرعاية الدائمة بسبب حالته الصحية.

واتهم الأسواني في القضية الأولى عام 1981، وهي قضية الجهاد القديم - اغتيال السادات - وقد حملت رقم 462 - 81 أمن دولة طوارئ، أما القضية الثانية التي اتهم فيها بينما كان معزولا في سجنه فتحمل رقم 5 - 95 جنايات عسكرية، وتسمى «طلائع الفتح».

والأسواني، 58 سنة، أشهر سجين سياسي؛ حيث يعتبر – بعد خروج نبيل المغربي - أقدم سجين في مصر؛ حيث مكث في السجن 30 عاما وما زال في طرة حتى الآن، ولقد تفوق على الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا في عدد سنوات السجن؛ حيث مكث مانديلا في السجن 27 سنة فقط. يقول الأسواني في رسالته إلى «الشرق الأوسط»: «أنا محمد محمود صالح، الشهير بالأسواني، بداية الإعصار بالنسبة لي كانت بعد اغتيال السادات؛ حيث شن الأمن حملة اعتقالات واسعة ضد أبناء الحركة الإسلامية، وإثر ذلك تم اعتقالي، وفى إحدى محاكمات الطوارئ نسب إليَّ الكثير من الاتهامات كان من بينها الانضمام لتنظيم وقلب نظام الحكم بالقوة، وعلى مدار 3 سنوات من المحاكمات صدر الحكم عليَّ بالأشغال الشاقة المؤبدة قضيت منها 30 عاما حتى الآن». وتعرض الأسواني وأسرته إلى الكثير من المحن منذ أول يوم طلب للاعتقال، فتم اعتقال والديه، حتى شقيقته الصغيرة اعتقلت وكانت في المرحلة الابتدائية في الصف الرابع، وانضم إلى ذلك الجمع شقيقه طارق الذي كان شابا وقتها في الثانوية العامة وقد قضى هذا الشقيق 21 عاما في المعتقلات المصرية دون توجيه تهمة إليه، لعلمهم أنه لم يكن لديه أي ميول أو اتجاهات إسلامية، اللهم إلا أنه كان شقيقا للأسواني.

وعن سبب هروبه يقول الأسواني: «أصدرت إحدى المحاكم المصرية التابعة للنظام حكما بتبرئة مجموعة من رجال الأمن، كان النظام قد قدمهم للمحاكمة الصورية بتهمة الاشتراك في جرائم التعذيب، وسرعان ما تمت تبرئتهم بل ومنحهم الكثير من الأوسمة ورحلات حج وعمرة، فما حصل أن قامت قيادات السجن بالاحتفال ببراءة زملائهم، ومذياع السجن هنأ الضباط الذين تمت تبرئتهم من التعذيب لدرجة أنه سخر من السجناء السياسيين بألفاظ قاسية، مما استفز بعضا منهم وقرروا الفرار من هذا القهر وبأدوات بدائية تمكن 3 منهم من الخروج من السجن قبض على أحدهم وقتل اثنان وكان النظام السابق قد أهدر دماءهم كما هي العادة».

ويضيف: «تعرضت أسر السجناء لحملات منظمة من الإهانة، فقد سعى الأمن إلى الإساءة لهم طوال فترة السجن لذويهم كمنعهم من رؤية ذويهم الذين يقبعون داخل السجون لفترات ليست بالقصيرة وسعوا إلى التفرقة بين المرء وزوجه، وبين الأبناء والآباء، وقد كان السجناء هم سبب المعاناة الحقيقية لأسرهم، إلا أن هذه الوسائل كلها لم تفلح في التفريق بين الزوج وزوجته، فقد تحملت كثير من الزوجات المعاناة في غياب أزواجهن، فكانت هي الأم والأب وكانت هي العائل الوحيد للأبناء».

ويتطرق إلى سجن أبو زعبل فيقول: «في أبو زعبل لا يوجد وصف لأحوال الحجرات، فالحجرة مساحتها 1.5 متر مربع يتم حشد عدد 7 أفراد فيها ويتناوبون فيمن بينهم على النوم فيظل عدد 5 أفراد واقفين لينام اثنان منهم ويظل الباقي إما جالسي القرفصاء وإما واقفين ويدور عليهم حتى الصباح وإن أراد الفرد منهم قضاء حاجته لم يكن هناك دورات مياه ولا جرادل في الحجرات فكان عليه استعمال كيس نايلون ويفرغه إما من شباك الغرفة وإما من تحت باب الغرفة وفى كلتا الحالتين يتم ضرب السجناء على هذا الصنيع صباح اليوم التالي.