جهادي من عائلة مبارك: نظام الرئيس السابق اعتقلني 15 عاما ومنعني من الكلام 3 سنوات

الشيخ عبد الرحيم عبد الغفار لـ«الشرق الأوسط»: منصب رئاسة مصر لا يجوز للمرأة ولا للمسيحي

TT

كشف الشيخ عبد الرحيم عبد الغفار القيادي في تنظيم الجهاد المصري، في أول مقابلة صحافية، عن أن والدته هي ابنة عم الرئيس السابق حسني مبارك. وتحدث عبد الغفار في حوار مع «الشرق الأوسط» عن فترة اعتقاله التي استمرت أكثر من 15 سنة في عدة سجون، كان أشدها سجن العقرب في جنوب القاهرة، قائلا إن مبارك كان وراء استمرار حبسه وتعرضه للتعذيب داخل المعتقل، وأضاف أنه رفض مبادرة سيد إمام منظر الجهاد التي أطلقها قبل ثلاثة أعوام لوقف العنف.

وظهرت على الرجل بشعره الأشيب معالم الشيخوخة بسبب طول مدة الاعتقال بما فيها من مساوئ، قائلا إن مشروعه الذي كان يديره بصفته مهندسا، قبل اعتقاله، قد ضاع ولم يعد يمتلك الآن شيئا من حطام الدنيا. وأشار إلى أن الرئيس السابق رفض مرارا السماح لأي من عائلته بالتحدث في أمر اعتقاله، مضيفا أنه أمضى في سجن أبو زعبل شمال القاهرة نحو 3 سنوات في الظلام داخل غرفة فيها 5 أفراد مساحتها 1.5 متر، «نتناوب النوم فيها، ولم يكن بابها يفتح إلا للضرب فقط».

واتهم عبد الغفار في قضيتين، لكنه يقول إنه لم يصدر ضده أي حكم بالإدانة. القضية الأولى كانت في عام 1981، المعروفة بقضية تنظيم الجهاد القديم، اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، أما القضية الثانية فكانت في عام 1993 ضمن ما يعرف باسم طلائع الفتح.

وخرج عبد الغفار من المعتقل في عام 2008، لكنه قال إنه كان ممنوعا من الكلام أو التحدث لوسائل الإعلام بأوامر عليا من نظام مبارك. وتابع قائلا إن الرئيس السابق كان يريد منه أن يتخلى عن اعتناق أفكار تنظيم الجهاد، وإن رجال الأمن في السجون التي مر بها خلال اعتقاله كانوا يضغطون عليه في هذا الجانب، باعتبار أنه لا يصح أن يكون من معارضي مبارك وهو قريب له. وأضاف أنه عندما واصل الإصرار على التمسك بفكر الجهاد والدفاع عنه تم منع الزيارة عنه لمدة 12 سنة.

وتطرق عبد الغفار إلى الأوضاع الحالية التي تشهدها مصر منذ الإطاحة بحكم مبارك قبل نحو خمسة أشهر، قائلا إن دخول التيارات الإسلامية في العمل السياسي مفيد لمصر وسوف يتغير مستقبل البلاد للأفضل، بشرط عدم فصل الدين عن السياسة.

* نشأت بالقرب من مبارك في مسقط رأسه. كيف كانت علاقتك به في البداية؟

- مبارك يعتبر خالي في التصنيفات العائلية بالريف المصري. ووالدتي هي إحسان محمود مبارك ابنة عم الرئيس السابق، وجدّي هو شقيق والد مبارك. أشقاء مبارك في بلدته كفر مصيلحة بمحافظة المنوفية (التي تبعد عن القاهرة بنحو 60 كلم) يتصفون بالطيبة وفعل الخير.. لكن أنا لم أجد منه إلا الشر والإهانة داخل السجون.. على أي حال لم أكن أحرص على الاتصال به.

* ولماذا؟

- كنت دائما أقول لأمي وأخوالي إن مبارك مشروع طاغية على مستوى عالمي، وهذا كان سبب الخلاف بيني وبين أمي، وكان يغضبها كثيرا، لأنها لم تكن ترتضي مطلقا أن أتحدث عن مبارك بسوء. كنت أرى أنه سيكون طاغية منذ بداية حكمه، وهو ما تبين للمصريين بعد 30 عاما، وبصفتي عضوا في حركة إسلامية، وهي الجهاد، كنت أقيّم الأشخاص والأمور من منظور ديني.

* متى كانت آخر مرة قابلت فيها الرئيس السابق؟

- آخر عهدنا به في عزاء وفاة جدتي (زوجة عم الرئيس السابق)، وذلك عام 1971، أي قبل أن يصبح رئيسا، إذ كان في ذلك الوقت قائدا للقوات الجوية المصرية، وبمجرد أن أصبح رئيسا لم يحدث بيننا أي لقاء.

* وماذا تعرف عن مبارك في شبابه؟

- مبارك كان طالبا غير مجتهد في المرحلة الثانوية، وكان كثير اللعب، وكانت خالتي، وهي ابنة عمه أيضا، تمنع ابنها من اللعب معه لأنه، أي مبارك، كان مستهترا، وقد التحق بالكلية الجوية لأن مجموع درجات نجاحه في الثانوية العامة كان ضعيفا.

* ومتى التحقت بتنظيم الجهاد؟

- خطوت أولى خطواتي في طريق الدين عام 1977. كان عمري 22 عاما، وتم اعتقالي في القضية الأولى عام 1981، وهي قضية الجهاد القديم - اغتيال السادات - وقد حملت رقم 462 – 81 أمن دولة طوارئ. ثم تم اعتقالي في القضية الثانية عام 1993 - جنايات عسكرية - وتسمى «طلائع الفتح»، لمدة 15 عاما حتى 2008، وذلك عندما طالبت بحتمية تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، وقلت إنها أفضل علاج لصلاح المجتمع، ووجهت نقدي في دروسي وخلال التحقيق معي من قبل أفراد جهاز أمن الدولة بأن تطبيق القوانين الوضعية جاء بالمفسدين وسبب الفساد في مصر، ولا بد من تغييره، وانضممت إلى الجهاد بسبب أن توجهي كان يهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجدت هذا التوجه وأفكاري تتفق مع فكر الجهاد الذي ينادي باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر بالمعروف والدفاع عن المظلومين.

* وهل ترى أن مبارك كان وراء حبسك؟

- لا أظن أن مبارك كان وراء حبسي، لأنها كانت إجراءات أمنية، لكن أنا متأكد أنه كان وراء استمرار حبسي والتضييق علي داخل المعتقل، فعندما تم القبض علي وعرف ضباط السجن أنني قريب حسني مبارك بدأوا في ممارسة الضغوط للتراجع عن أفكاري وتوجهاتي، وطلبوا مني صراحة أن أفشي أسرار الجهاديين الإسلاميين، وأعلن أنني أخطأت في معرفة أفراد تنظيم الجهاد، كوني قريب مبارك، ووقتها رفضت وقلت لهم: «إنني لم أرَ من كلام أفراد تنظيم الجهاد إلا الحق»، وأتذكر أن أحد الضباط في بداية اعتقالي داخل سجن العقرب شديد الحراسة قال لي: «نريد أن نوفر لك الراحة داخل السجن، لأنك من عائلة الرئيس مبارك، والمفروض أن تحاول حماية الرئيس وعائلته وليس التحريض ضده». قلت له: «المشكلة ليست في حبسي، وإذا كنت تريد أن توفر لي الراحة في السجن فعليك بتوفيرها لـ30 ألف مسجون داخل المعتقلات». وبسبب ردي هذا تم منع الزيارة عني لمدة 12 عاما، لا أعرف شيئا عن أهلي ولا أراهم، وكان الأمن يسعى حينها لمنع من يقبعون في السجون من رؤية ذويهم لفترات طويلة. إلى أن تلقيت خطابا من شقيقي ضابط الشرطة الذي تم إجباره على كتابته يطلب مني أن أتراجع عن آرائي، ووقتها قلت للمسؤولين إنني لن أبقى في صف نظام مبارك أبدا.

* وهل تدخلت والدتك بالتوسط لدى مبارك للإفراج عنك؟

- والدتي حاولت الوصول إلى مبارك وفشلت، ولجأت إلى شقيقه أمين مبارك الذي وعدها بالتدخل لدى الرئيس السابق للإفراج عني. وقد طلبت من والدتي عدم الذهاب إلى مبارك، لأنني توقعت تعرضها للإهانة في حال ذهابها إليه وطلبها الإفراج عني. ويرجع سبب منع أمي عن الذهاب لمبارك هو أنني كنت أعرف أنه من الشخصيات العنيفة القاسية على من حوله، بالإضافة إلى أنه لم يكن يسمح لأحد من العائلة بالتحدث في أمر سجني.

* لماذا كنت تشعر بأن مبارك لن يعفو عنك؟

- لسبب بسيط، هو أنه عندما تم القبض علي تم اتهامي بمحاولة قلب نظام الحكم في مصر بالقوة (أي نظام مبارك) وتطبيق الشريعة الإسلامية، وأدركت وقتها أن مبارك لن يسمح أبدا بخروجي من المعتقل.

* هل تعتقد أن مبارك كان وراء تعذيبك داخل المعتقل؟

- كنت واحدا من آلاف المعتقلين السياسيين الذين يمارَس ضدهم تعذيب منهجي، ولا أظن أن هذا التعذيب لم يكن دون علم حسني مبارك.

* منذ خروجك من المعتقل عام 2008 لم تتحدث لوسائل الإعلام، لماذا؟

- عند خروجي من المعتقل تم أخذ تعهد علي بعدم التحدث لوسائل الإعلام نهائيا، إلا بعلم ضباط جهاز أمن الدولة المنحل، وعدم السماح لي بحمل سلاح في وجه ضباط الشرطة، وعدم التحدث عن مبادرة ترشيد الجهاد في مصر والعالم التي أطلقها سيد إمام الشهير باسم الدكتور فضل (منظّر الجهاد) لإيقاف العنف في مصر، حيث كنت واحدا من الإسلاميين الجهاديين الذين رفضوا المبادرة، وبموجب هذا الرفض مورس ضدي أشد التعذيب.

* حدثنا عن الوضع داخل المعتقل.

- كنت معتقلا في سجن العقرب من بداية عام 1993 حتى عام 2002، وفي أول 6 شهور كنا نجلس ثلاثة أفراد في غرفة واسعة، حتى طبقوا علينا الحبس الانفرادي لمدة 7 سنوات كنهج متبع للضغط على كل أفراد الجماعة الإسلامية، وكان باب زنزانة السجن لا يفتح إلا للضرب، وكان الطعام يقدم لنا من خلال فتحة في باب الحجرة (الزنزانة) مساحتها 40 سم، وأحيانا كانت تغلق في وجهنا بستارة. وبعد عام 2002 تم ترحيلي أنا وإخواني إلى سجن أبو زعبل الذي مكثنا فيه ثلاث سنوات لا نرى النور أو شعاع الشمس في غرفة يحتشد فيها 5 أفراد في مساحة 1.5 متر، يتناوبون فيها النوم، ثم تم ترحيلنا إلى سجن المرج المجاور لسجن أبو زعبل وأغلقوا علينا الأبواب والمنافذ طوال فترة الإقامة به، ثم تم ترحيلنا إلى سجن الاستقبال في طره.

* في رأيك كيف كان حال الإسلاميين خلال حكم مبارك؟

- كانت الشرطة تعتقل أي إسلامي يدخل المساجد، خصوصا في صلاة الفجر، وكانت سيارات الشرطة تقف على أبواب المساجد للقبض على الإسلاميين عقب صلاة الفجر، كما كان يتم القبض على أي شيخ يصعد على المنبر ليتحدث عن عدل أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، حيث كان ضباط نظام حسني مبارك يتهمون هذا الشيخ بأنه يشير إلى أن مبارك حاكم ظالم، لذلك قضي على الدعوة، وهرب المصلون من المساجد التي أغلقت أبوابها.

* وكيف ترى جماعة الجهاد في مصر بعد ثورة 25 يناير؟

- قبل الثورة كان أفراد تنظيم الجهاد يعانون الاضطهاد من حسني مبارك ونظامه، وهم السبب الحقيقي في خروج المصريين أثناء ثورة 25 يناير التي أسقطت النظام، وفي خروج الجماعات الإسلامية أيضا من قبل للمطالبة برحيله هو ونظامه. وكانت رؤيتنا كإسلاميين منذ مقتل الرئيس الأسبق السادات أن مثل هذه الطواغيت (أي مبارك ونظامه) يجب إزالتها، وكنا نريد أن نفعل ذلك بأيدينا منذ 30 سنة، بدلا من التضحية بأكثر من 800 شاب استشهدوا في أحداث الثورة المصرية.

* ما رأيك في انخراط التيارات الإسلامية بمصر في العمل السياسي؟

- دخول التيارات الإسلامية في العمل السياسي سوف يغير البلاد، وسوف يكون مفيدا لمصر، بشرط عدم فصل الدين عن السياسة، لأن الدين والسياسة شيء واحد، ومن مقاصد الشريعة حفظ الدين، وعمل الإسلاميين بالسياسة سوف يحدث حراكا في المجتمع، لأنهم ينادون بالفضيلة والعفاف ويخافون على أفراد الشعب المصري، لذلك فهم جادون في مسألة تأسيس الأحزاب السياسية سواء من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو التيار السلفي أو الجماعة الإسلامية.

* كيف تقرأ الجدل المثار بين التيارات الإسلامية المختلفة بشأن تولي المرأة أو المسيحي رئاسة الدولة؟

- أنا مع شرع الله، الذي يقول إن المرأة لا يجوز لها أن تكون رئيس الدولة لكونها إمرة، إضافة إلى أنها ناقصة عقل ودين، أما المسيحيون فلهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، لكن لا يجوز تولي مسيحي رئاسة مصر بسبب نسبتهم القليلة مقارنة بالمسلمين.

* وماذا عن الجدل الدائر الآن بين المطالبين بوضع دستور أولا، والداعين لإجراء انتخابات البرلمان أولا، المقرر لها سبتمبر (أيلول) المقبل؟

- لا فرق بين المسألتين ما دامت النيات خلصت لمصر، لكن هناك من لهم أهواء ومصالح شخصية يطالبون بالدستور أو الانتخابات أولا.

* التقيت الشيخ أسامة رشدي القيادي السابق في الجماعة الإسلامية مؤخرا، لماذا؟

- لم يكن بيني وبينه أي لقاء من قبل، لكن مؤخرا دعاني أحد الأصدقاء الذين رافقوني في المعتقل لزيارته، وكان اللقاء عاديا.

* تولى الدكتور أيمن الظواهري تنظيم القاعدة.. ما تعليقك على وضع التنظيم الآن؟

- رؤيتي للتنظيم الآن «ضبابية» في كثير من الأمور المتعلقة به، وذلك لأسباب خاصة أفضّل الاحتفاظ بها وعدم الإفصاح عنها.

* بصراحة، هل تفكر عائلتك في زيارة مبارك المحتجز في شرم الشيخ للاطمئنان على صحته؟

- العائلة لا تحتاج إلى مبارك، لأن معظم أفرادها ميسورو الحال، ولن تفكر في الذهاب إليه، ويكفي أن يعرف الجميع أن ابن عم مبارك ويدعى الدكتور عمر مبارك مريض طريح الفراش وظل يعالج بالتأمين الصحي في عهد مبارك، ولم يحاول مبارك الاتصال به أو تحمّل تكاليف علاجه.