باريس تعرب عن «قلقها العميق» إزاء أحداث حماه.. ولا ترى إشارات جدية لإصلاحات في سوريا

لقاء في فرنسا بدعوة من هنري ليفي لدعم المعارضة السورية

الحواجز التي أقامها أمس سكان حماه لمنع دخول الجيش.. في صورة مأخوذة من موقع أوغاريت
TT

دعت الخارجية الفرنسية أمس مجلس الأمن الدولي إلى التحرك لوقف قمع النظام السوري لشعبه، وقال ناطق باسمها إن المجلس «لا يستطيع أن يغض النظر عن القمع الوحشي الجاري في سوريا»، ويتعين عليه أن يبعث برسالة «قوية» إلى النظام السوري، مفادها أن عليه وضع حد للقمع وأنه «حان الوقت ليتوقف سوريون عن قتل سوريين آخرين».

وأصدرت فرنسا بيانا عن الوضع في مدينة حماه المحاصرة، أعربت فيه عن «قلقها العميق» للمعلومات التي تتحدث عن حصار المدينة ولاستمرار النظام في اللجوء «المنهجي» للقوة ضد المدنيين. ونددت باريس أيضا بالتوقيفات الاعتباطية وبغياب أي مؤشر «جدي» لعزم السلطات السورية القيام بإصلاحات سياسية.

وجاء ذلك في وقت قال فيه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي أكسل بونياتوفسكي إنه «ما دامت الجامعة العربية لم تندد بالقمع في سوريا، فإننا لن نحصل على قرار من مجلس الأمن» يدين أعمال العنف الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبه.

من جهته دعا رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيوس إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على «الوسطاء» المتعاملين مع سوريا، بحيث تكمل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على ثلاث دفعات على النظام السوري. وجاءت هذه التصريحات في إطار اجتماع عام في باريس لدعم المعارضة السورية، دعت إليه مجلة «قواعد اللعبة» التي يرأس تحريرها المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي. وكان ليفي لعب دورا كبيرا في دفع ساركوزي إلى التشدد في الملف الليبي، وإلى التدخل العسكري وحثه على الاعتراف بالمجلس الوطني المؤقت.

وحضر الاجتماع الذي جرى في صالة سينما باريسية عدد من المعارضين السوريين، بينهم ملهم الدروبي، المنتمي إلى الإخوان المسلمين وعضو اللجنة التوجيهية مؤتمر أنطاليا (تركيا) للمعارضة. غير أن عددا من شخصيات المعارضة السورية في الخارج فضلت عدم الحضور لرفضها من جهة مواقف ليفي المنحازة لإسرائيل، ولتخوفها من استغلالها واستغلال النظام لمشاركتها في دعايته ضدها.

وكانت المعارِضة السورية سهير الأتاسي دعت إلى مقاطعة المؤتمر ومقاطعة «لجنة خلاص سوريا» التي شكلها ليفي. وسبق للأخير أن وصف الجيش الإسرائيلي بأنه «الأكثر إنسانوية» في العالم. وندد ثلاثة معارضين آخرين مقيمين في باريس، هم برهان غليون وصبحي حديدي وفاروق مردم بك، بـ«مناورات» ليفي، معتبرين أن دعمه «مسيء» للمعارضة السورية.

وشارك في اللقاء نحو 300 شخص في لقاء عام في باريس للاحتجاج على قمع المظاهرات في سوريا ودعم المعارضة. وأعرب الحاضرون عن استيائهم من ضعف إمكانات الغربيين للضغط على نظام الأسد، وخصوصا معارضة روسيا لاعتماد قرار في مجلس الأمن يدين النظام السوري. ورأوا أن عجز الغرب يتناقض مع التدخل في ليبيا ويعطي الانطباع باعتماد سياسة «الكيل بمكيالين». وقال برنار - هنري ليفي: «أشعر في هذا الأمر بمرارة كبرى».

وحضر اللقاء معارض سوري هو أشرف المقداد، وهو قريب للصبي حمزة (13 عاما) الذي تعرض للتعذيب وقتل في نهاية أبريل (نيسان) في درعا، وقال إن «88 طفلا قتلوا. هذا النظام الذي يسكت الطفولة لا يستحق البقاء».

وتراوح الاتصالات الجارية في مجلس الأمن الدولي، بخصوص مشروع قرار تقدمت به فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال، لإدانة النظام السوري بسبب أعمال العنف ضد المدنيين، مكانها. ولا شيء في الأفق يدل، وفق ما تؤكده مصادر دبلوماسية فرنسية، على احتمال تغير الوضع في القريب العاجل.

وأفادت هذه المصادر بأن المعارضة لا تأتي فقط من روسيا (والصين بدرجة أقل)، بل أيضا من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ولبنان، ما يعني أن طرح المشروع على التصويت، حتى وإن امتنعت موسكو وبكين عن استخدام حق النقض (الفيتو) لإجهاضه «سيكون ضعيفا جدا».

وقالت المصادر المطلعة على خفايا الاتصالات غير الرسمية الجارية في كواليس مجلس الأمن إن المندوبين الروسي والصيني «يختبئان» وراء معارضة الدول الأخرى التي بدورها «ترفض مناقشة مشروع القرار». وبسبب هذا الوضع لم تتقدم الدول المعارضة بتعديلات عليه لجعله مقبولا أو مخففا، بل ترفض مناقشته أساسا، معتبرة أنه «ليس في محله». وبحسب هذه المصادر فإن أشد المعارضين هي البرازيل. وتشرح المصادر الفرنسية موقف برازيليا بوجود لوبي سوري مسيحي في البرازيل يدفع باتجاه الامتناع عن الضغط على النظام السوري في مجلس الأمن باعتباره «ضمانة» للطوائف المسيحية.

وذهبت البرازيل إلى حد اقتراح أن يُستبدل بالقرار بيان من رئاسة مجلس الأمن. والحال أن اقتراحا كهذا لا حظ له في أن يرى النور بسبب المعارضة اللبنانية لأي بيان أو قرار يدين النظام السوري مهما يكن شكله. وحتى الآن لم تنجح الجهود الفرنسية والغربية بشكل عام على حمل روسيا على تعديل موقفها في المجلس، رغم لقاء قصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين قبل أكثر من أسبوع، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى موسكو.