مساعد الرئيس السوداني: لسنا سعداء باستقلال الجنوب.. لكن نحترم خيارهم

نافع علي نافع: لن نوافق على أي محاولة لتمديد وجود قوات الأمم المتحدة في السودان بعد 9 يوليو

مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع
TT

عبر مساعد الرئيس السوداني الدكتور نافع علي نافع في حوار خص به صحيفة «الشرق الأوسط» عن عدم سعادته بنتيجة الاستفتاء التي أتت لصالح استقلال الجنوب لكنه بين في نفس الوقت أنه يقبل النتيجة ويحترم اختيار أهل الجنوب ويتمنى أن تبنى علاقة «خاصة وحميمية» بين الدولتين. كما أكد الدكتور نافع على أن بقاء القوات الأممية في السودان محدد بـ9 يوليو (تموز) الحالي وأن عليهم الرحيل وأن أي حديث أو محاولات حول استمرارها لن يجد موافقة. كما تحدث مساعد الرئيس السوداني عن استمرار العمليات العسكرية في كردفان وأنه لم يتم التوصل إلى أي قرار حول وقف لإطلاق النار في المنطقة إلى حد الآن، وأن العمليات ستتواصل إلى أن يخرج المتمردون من المواقع التي احتلوها. كما أوضح الوضع على الحدود بين الشمال والجنوب وكيفية حراستها. وأشار أيضا الدكتور نافع إلى أن ما قد يتقرر بشأن أبيي في المستقبل هو الذي سيحدد الوضع النهائي للمنطقة. وفي كلامه عن العلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب تحدث مساعد الرئيس عن تشدد الجنوب وعدم رغبته في التعاون في مسألة اقتسام عائدات النفط وفي المقابل أنه تم التوصل المبدئي لحل في مسألة تقاسم الديون، وتحدث أيضا الدكتور نافع عن العلاقات الصينية السودانية ومستقبلها بعد الانقسام وموقف السودان من الثورات العربية.

وقد التقت «الشرق الأوسط» الدكتور نافع علي نافع في لندن أثناء زيارة يقوم بها هذا الأسبوع للمملكة المتحدة، بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية. وهذا نص الحوار:

* هذه الزيارة لبريطانيا في أي إطار تندرج؟

- تأتي هذه الزيارة بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية وهي سياسية، وقد كان لنا حوار من قبل بتنسيق مع اللورد مارك مالوك براون (وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية وشؤون أفريقيا) بحكومة العمال، والآن نحن نحاول استدراك هذا ونواصل عملية التحاور بين المؤتمر الوطني وحكومة المحافظين.

* ما موضوع هذا الحوار، ومضامينه؟

- الأساس الذي يقوم عليه هذا الحوار هو العلاقات الثنائية بين السودان وبريطانيا وضرورة أن تستقيم على الفهم الصحيح لحقيقة الوضع، وضرورة أن لا تتأثر هذه العلاقات بالموضوعات العالقة بالسودان، بل على العكس التفاهم الثنائي الصحيح هو الذي يجعل النظرة إلى القضايا في داخل السودان نظرة مستقيمة، ونطلب نظرة موضوعية، نحن نعتقد أن أغلب العلاقات الخارجية من واقع علاقتها مع المؤتمر الوطني في السودان تعكس التحليل السياسي لمواقف الدول من جانب واحد، وهي قائمة من واقع الرؤية الخاصة للوضع وهذا ما يعقد المواقف من قضايا السودان وليس العكس. ونود من خلال هذا التحاور تصحيح المواقف.

* من المقرر أن يعلن جنوب السودان انفصاله في 9 يوليو الحالي، حيث صوتت الغالبية الساحقة من الجنوبيين لخيار الانفصال في استفتاء جرى في يناير (كانون الثاني) الماضي. السودان بعد هذا الانقسام الذي سيصبح رسميا هذا الأسبوع كيف تراه؟

- نحن لا بد أن نقول إننا لسنا سعداء بأن تكون نتيجة الاستفتاء هي استقلال الجنوب، كنا نطمح وعملنا كل ما بوسعنا لكي تكون نتيجة الاستفتاء هي تحقيق وحدة السودان، لكننا نقبل بقرار الإخوة في الجنوب ونحترمه ونعمل ونطمع في أن تكون العلاقة بين الدولتين علاقة خاصة وحميمية، ونتمنى الاستقرار لدولة الجنوب وتحقيق المصالحة وتكوين وحدة داخل الحركة الشعبية، ونرجو أن يكون الاهتمام هو اهتمام بمصلحة الجنوب المحضة وليس لمحاولة دفع الفواتير السابقة التي ستكون لها تأثير كبير بالضرورة على الشعب في الجنوب، وإذا توفر هذان الشرطان ستكون العلاقة بين الشمال والجنوب علاقة طيبة جدا، وسوف يكون ذلك من أهم ما يتطلبه استقرار الجنوب، وأن تكون في الجنوب دولة مستقرة وتعمل على خدمة أهل الجنوب.

* حركات التمرد داخل الدولة الجديدة والتي تعمل ضد الحركة الشعبية هل ستؤثر على الاستقرار؟

- أعتقد أنه على حكومة الجنوب أن تعمل لمحاولة احتواء هذا الموقف الذي يعبر عن الصراع القبلي في الجنوب كما يعبر عن عدم رضا قادة هذه القوات المتمردة عن قيادة الحركة الشعبية، وهنا من الأفضل - والكثير من قيادات الحركة الشعبية يحكم - نوع من الحوار والمصالحة مع هذه الحركات حتى لا تهدد الاستقرار في الجنوب.

* العديد من الاتفاقيات تم التوصل إليها إلى حد الآن بين الشمال والجنوب، والحكومتان تعملان على تحقيقها في محاولة لضمان الاستقرار، لكن الخلافات العرقية بين سكان هذه المناطق عميقة، فهل يمكن أن يكون هذا الأمر مانعا لتطبيق هذه الاتفاقيات؟

- أنا أعتقد العكس تماما ليست هناك مشكلة بين المواطنين، الخلافات الآن هي خلافات على حدود دولية بين الجانبين وحتى لو لم تحل هذه الخلافات فالعلاقات بين السكان تبقى إيجابية ومتصالحة.

* بالنسبة لكردفان تم الإعلان مؤخرا عن اتفاق وهو ما سمي «اتفاق إطار» بين أطراف من الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، كما نوقشت مسألة وقف إطلاق النار، لكن فاجأ الرئيس السوداني الجميع عند عودته من بكين بقراره مواصلة عملياته العسكرية إلى أن يتم القبض على الحلو وهو ممثل الحركة الشعبية هناك. هل يعبر هذا عن شرخ أو تباين بين مواقف الرئيس وأعضاء في الحكومة؟

- أرجو تصحيح المعلومات؛ لم يتم اتفاق على وقف العمليات، فقط تمت محادثات حول ضرورة وقف إطلاق النار لكن لم يصدر قرار بهذا الشأن، لم يصدر قرار لجيش السودان بأن يوقف عملياته لإخراج المتمردين من المواقع التي احتلوها. هي محاولة للوصول لاتفاق، الحركة هي التي بدأت العدوان وحاولت الاحتلال، القوات العسكرية ستحاول طرد هذه القوات وإعادتها إلى مواقعها.

* الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه حول أبيي هل هو نهائي أم مرهون بعوامل؟

- هو اتفاق ينص على أن تظل أبيي منزوعة السلاح تماما، تحرسها قوات إثيوبية حتى لا تدخل فيها قوات من الجنوب أو من الشمال حتى يضمن فيها الأمن والاستقرار للمواطنين، وهذا متوقف بالحل النهائي لوضع أبيي أن تتبع للشمال أو للجنوب أو أي حل آخر قد يتم التوصل إليه.

* تحديد منطقة منزوعة السلاح بين الشمال والجنوب تراقبها قوات أممية ألا يفتح المجال لتواصل التدخل الأجنبي في السودان؟

- الاتفاق ليس فيه مجال لقوات أجنبية، يقول هذا الاتفاق بأن تقام مساحة منزوعة السلاح على امتداد 10 كيلومترات على الحدود بين البلدين وتبقى قوات من كل بلد هناك، وبعد ذلك تكوين فريق مراقبة فإذا حدثت تجاوزات من جانب على آخر فدور هذا الفريق أن يتحقق مما حدث وليست هناك قوات أجنبية تحرس الحدود المشتركة، فالحدود محروسة من قوات البلدين، هناك فقط قوة محدودة جدا هي قوة حماية شخصية للمراقبين، ومنهم من دولة الشمال ومن دولة الجنوب والطرف الآخر.

* مستقبل قوات الأمم المتحدة الموجودة في السودان ومسألة احتمال بقائها حتى بعد الانفصال؟

- القوات الأممية بقاؤها محدد بـ9 يوليو الحالي، وليست هناك مبررات لبقائهم، عليهم الرحيل وأي حديث حول استمرارها أو أي محاولات لاستمرارها، لن يجد آذانا مصغية ولن نوافق على أي محاولة لتمديد وجودها.

* اقتسام عائدات النفط بين الشمال والجنوب، ما هي آخر تطورات هذا الموضوع؟

- لم يتم اتفاق حول هذا الموضوع إلى حد الآن.

* هل هناك شروط من الجنوب حول الموضوع؟

- قطعا من الواضح أن هناك تشددا وعدم رغبة للحصول على اتفاق على الرغم من أن العديد من الجهات المختصة حاولت أن تعيننا على ذلك، لكن نأمل أن تناقش الحركة بواقعية الاتفاق حول كيفية التعامل مع القضايا، وليست قضية البترول هي الاقتسام فقط بل هناك قضية المصافي والترحيل والتكرير وقضايا كثيرة.

* وبالنسبة لمسألة تقسيم الديون هل حدث تطور في هذا المجال؟

- نعم، يكاد يكون هناك اتفاق حول الموضوع وأعتقد أنه يمكن اعتباره مبدئيا.

* نائب رئيس حكومة الجنوب رياك ماشار دعا في آخر زيارة لواشنطن لرفع العقوبات النفطية عن عموم السودان، كيف ترون هذه المبادرة؟

- أنا أعتقد أنها مبادرة تستحق أن تقدر وهي واقعية جدا لأن رفع الحظر على صناعة النفط في السودان يستفيد منه الطرفان.

* الانقسام ومسألة ارتباط المصالح.. هل سيحدث انقسام فعلي أم سيبقى الشمال والجنوب مرتبطين بحكم ارتباط المصالح؟

- قطعا مع 9 يوليو الجاري سيصبح الجنوب دولة مستقلة تماما عن الشمال، ودولة الشمال مستقلة عن الجنوب بكل معاني الاستقلال، ووجود حقول مشتركة ووجود البنية التحتية المشتركة ليس حدثا فريدا بين الشمال والجنوب هناك كثير من الدول التي تنقل النفط والغاز من خلال دول أخرى، سوف يكون هناك حاجة للارتباط لفترة محدودة تنسق فيها أوضاع مواطني الجنوب في الشمال والشمال في الجنوب، لكن تظل علاقة حسن جوار وعلاقة حسن تعاون.

* العلاقات الصينية السودانية كانت تعتبر قوية من قبل بحكم استثمار الصين في مجال النفط، بعد الانقسام طرحت العديد من التساؤلات حول علاقة الخرطوم ببكين، لكن زيارة الرئيس البشير إلى الصين والاستقبال المميز كان بمثابة الرد، ما تقييمكم للعلاقة السودانية الصينية الآن ومستقبلها؟

- العلاقة بين السودان والصين علاقة قديمة وليست محصورة فقط في مجال النفط، صحيح هناك استثمارات ضخمة للصين في مجال النفط لكن هناك علاقات كبيرة جدا في قطاعات كثيرة، الشركات الصينية الآن تعمل في بناء الطرق وتعمل في مجال الكهرباء والغاز والآن هناك رغبة كبيرة من الصين لإنجاز عمل مشترك في المجال الزراعي والتعدين حتى ولو ظن الناس أنها علاقة تقوم على النفط، لا بد أن يعرف الناس أن هناك مجالا ضخما جدا لحقول جديدة تكتشف وتطويرا لحقول قائمة. وصحيح أن زيارة الأخ الرئيس إلى الصين دفعت بهذه العلاقات دفعة قوية إلى الأمام، وأكدت أنه ليس هناك مبرر لمن يقول إن علاقة السودان بالصين سوف تتأثر بعد الانقسام بسبب آبار النفط الموجودة في الجنوب، هذا غير صحيح.

* تقول بعض التقارير الاقتصادية حول السودان إن الدولة ركزت كل قوتها على مجال النفط وقصرت في تخصيص جانب من الاستثمار لمجالات أخرى كالتحديث الزراعي والصناعة مثلا؟

- الدولة واعية جدا بأن الثروات الحقيقية هي الثروات المتجددة كالزراعة والثروة الحيوانية وليس الثروات التي داخل الأرض والتي تنفد بنفاد مخزونها، وفي إطار هذا الوعي الكامل بقيمتها تعول على هذه الثروات، وإذا كان ما قيل يعتمد على أنه لم تضخ ثروات ومال للتطوير فإن هذا حقيقي ولكن الكثير من العقبات وقفت في طريق هذا في وقت ما، مثل مسألة السلام والمشكلات التي ترتبت على التشجيع على تمرد دارفور، مما أدى إلى عدم الاستقرار، والسودان يعلم أن هذه الثروات مهمة وهي قطاعات ينبغي أن تتطور.

* ما رأيكم في الثروات العربية؟

- نحن نعتقد أن الشعوب العربية هي صاحبة القرار في أن تحدد رغبتها في التغيير، نحن رحبنا جدا برغبة الشعب التونسي ورغبة الشعب المصري بأن تغير الأنظمة القائمة؛ على أساس أنها كانت ترى فيها أنها أنظمة لا تعبر عن تطلعات الشعب وليس فيها من الحريات ما يكفي وليس فيها من الاهتمام بقضايا الأمة القومية ما يكفي، وأعتقد أن هذه الثورات تمثل روحا جديدة في العالم العربي وتبحث عن الذاتية وتبحث عن الهوية وترفض التبعية للقوى العالمية الاستعمارية القديمة.

* هل صحيح أنكم تدعمون المجلس الانتقالي الليبي والثوار الليبيين، وكيف ذلك؟

- الكثير من الدول دعمت المجلس الانتقالي الليبي علنا، نحن نتعاطف جدا مع الشعب الليبي ورغبته في التغيير ونرى في المجلس الانتقالي قيادة لهذه الرغبة، لذلك نؤيده، وبالنسبة للدعم الفعلي فليس للسودان إمكانات كبيرة لهذا، الدعم الوحيد الذي نقوم به لإخوتنا في ليبيا هو دعم في المجال الإنساني حيث نبعث أطباء وحملوا ما استطاعوا من أدوية، كان هناك دعم من منظمات مدعومة من الحكومة لتوفير بعض المواد الغذائية وذهب عدد من الرحلات قادها أطباء من السودان ومجموعة من الكوادر الطبية المساعدة وذهبت قوافل مع ما تيسر من الغذاء.

* وما رأيكم في الوضع في سوريا واليمن؟

- مؤسفة هذه الأحداث التي تذهب ضحاياها هذه المجموعات، نحن نرى هذا الخلاف الحاد بين المعارضة والحكومات القائمة، والطرفان يجب عليهم الجلوس والوصول إلى اتفاق لمحاولة الوصول إلى حل وهناك مبادرات الآن، نحن نرغب في استقرار اليمن وسوريا ونأمل أن يكون الحل باستمرار الحوار.

* الثورة المصرية.. كيف تنظرون إليها وهل ستؤثر على علاقات الجوار؟

- نحن نعتقد أنها ستؤثر إيجابيا؛ فالشعب المصري كله كان يرى أن النظام المصري لا يعبر عن طموحاته ولا عن إرادته، وكان رافضا لطبيعة علاقة النظام مع العالم العربي والإسلامي وبالجوار، كما كان يرى أن النظام تابع للسياسات الغربية، وقطعا هذا التحول إيجابي جدا بالنسبة للشعب المصري وبالنسبة لنا.

* أجبتم بالنفي عدة مرات عن إمكانية ترشحكم للرئاسة في السودان، فما ردكم الآن؟ وهل تغير؟

- لا توجد رغبة لدي للترشح، وكثيرون جدا في المؤتمر الوطني هم أكثر مني مقدرة، وأنا معهم.