قضاة نيويورك يتركون مهامهم.. والسبب الرواتب

غالبيتهم قرروا العودة للمحاماة.. وأجورهم تراجعت إلى المرتبة 46 بعدما كانت الأولى في السبعينات

القاضي جيمس ماغواير استقال ليلتحق بشركة محاماة («نيويورك تايمز»)
TT

ربما لا توجد نهاية لحياة مهنية في مجال القانون أفضل من تولي منصب قضائي، فصعود المنصة بعد أعوام من الوقوف أمامها يمنح المرء شعورا بالنفوذ والاحترام وبالرضا عن الذات، وفي الأغلب، مكان مجاني لإيواء السيارة. ولا يكون بعد ذلك سوى التقاعد أو الموت.

ولكن في مختلف أنحاء الولايات المتحدة - وفي ولاية نيويورك على وجه الخصوص - أصبح لشغل منصب قضائي، جانب سلبي خلال الأعوام الأخيرة، ويتمثل هذا في الراتب الذي يحصل عليه القضاة. فلم تحدث زيادة في رواتب القضاة في نيويورك خلال 12 عاما، مما جعل الولاية أحد النماذج المفرطة لفجوة رواتب متنامية بين القضاة وحرفيين آخرين، بما في ذلك الشركاء بشركات قانونية بارزة ممن يحصلون على عشرة أضعاف راتب القاضي الذي يقفون أمامه ليناقشوا قضاياهم.

والآن وللمرة الأولى منذ وقت طويل، يقبل القضاة بأعداد كبيرة نسبيا على ترك مناصبهم، ليس بهدف التقاعد، ولكن من أجل العودة لممارسة المحاماة. وقد ارتفعت وتيرة ذلك في نيويورك خلال الأعوام القليلة الماضية لنجد أن واحدا من بين كل عشرة قضاة يتركون مناصبهم سنويا، حسب ما أفادت به دراسة جديدة.

وداخل ولاية نيويورك استقال اثنا عشر قضايا على الأقل، وأشاروا إلى الراتب الذي يحصلون عليه. وكان آخرهم جيمس ماجواير، وهو قاض في محكمة استئناف متوسطة داخل مانهاتن استقال الأسبوع الماضي من منصبه بالمحكمة ذات الرخام الأبيض بشارع ماديسون. وكان راتبه كقاض يبلغ 144.000 دولار، وترك منصبه ليكون شريكا في شركة المحاماة «ديتشرت إل إل بي»، حيث يحصل الشريك على متوسط 1.4 مليون دولار.

وتأتي نيويورك، وهي الولاية التي يقول مسؤولون إنها شهدت أطول فترة لم يحدث فيها تغيير برواتب القضاة، في قلب جدل داخل الولايات المتحدة حول ما إذا كانت أحكام مثيرة للجدل وفساد بالمحاكم وحملات قضائية مسيسة قد أضعفت من الدعم الذي تحظى به المحاكم لدرجة أنه لا توجد دائرة انتخابية تدعو لزيادة رواتب القضاة. ويقول روبرت سبولزينو، الذي استقال من منصبه كقاضي استئناف ببروكلين قبل عامين ليعود إلى ممارسة المحاماة: «لم أتوقع يوما أن أكون غنيا في منصب القضاء، ولكني لم أتوقع أيضا أن أكون فقيرا».

لقد كان القضاة في نيويورك يحصلون على أفضل الرواتب داخل الولايات المتحدة في السبعينات من القرن الماضي، ولكن تحتل رواتبهم حاليا المرتبة السادسة والأربعين في الولايات المتحدة عند حساب تكلفة المعيشة، وفقا لما ذكره المركز الوطني لمحاكم الولايات.

ويقول منتقدون إن بعض القضاة لا يعملون بجد، وأن الكثيرين منهم لم يكن ليحصلوا على الراتب المرتفعة في العمل المهني. وقال إريك بوسنر، أستاذ القانون بجامعة شيكاغو، في مقال قانوني نشر عام 2009 مع أستاذي قانون آخرين إنه لا يوجد دليل على أن القضاة يقومون بعمل أفضل إذا حصلوا على رواتب أحسن. وكتب في رسالة عبر البريد الإلكتروني مؤخرا: «غياب الزيادات يمثل مشكلة فقط إذا لم يكن القضاة يحصلون على رواتب مبالغ فيها من البداية».

وفي الواقع فإنه من خلال سلسلة من المقابلات اعترف قضاة بأنه ربما يكون من الصعب تبرير زيادة رواتب القضاة في الظروف الاقتصادية الصعبة. ويحصل قضاة في المحكمة العليا بولاية نيويورك على 136.700 دولار. ويحصل القاضي الأعلى بالولاية على 156.000 دولار. وبمختلف أنحاء الدولة «يوجد تقليل لقيمة وظيفة القاضي»، ولذا لا توجد ضغوط كبيرة لإعطائهم رواتب جيدة، بحسب ما يقوله سيث أندرسن، المدير التنفيذي مؤسسة القضاة الأميركية في دي موين، التي تدرس وتقييم النظم القضائية.

وتحدث قضاة حاليون وسابقون عن الضغوط التي يشعرون بها في سعيهم لتجنب بعض العروض وعند دفع الرهون العقارية وفواتير الرسوم الدراسية. ويقول سبولزينو (52 عاما)، إنه كان يتوقع البقاء في عمل القضاء حتى التقاعد، كما كان القضاة يفعلون في السابق. وقال: «من المزعج أن تمشي داخل غرفة وتجد كل شخص يحصل على زيادة، ويضحك الناس على طرفك».

وتقول إميلي جين غودمان، وهي قاضية محكمة عليا تابعة للولاية في مانهاتن، إنه نتيجة لعدم زيادة راتبها اضطرت لبيع منزل صيفي في هابتونز، كما واجهت مشكلات في الدفع مقابل زيادة رسوم شقتها المكونة من غرفتين داخل المدينة. وقال القاضية غودمان: «أنا هنا في منصب أعمل من خلاله لتحقيق العدالة بين الناس، ولكن لا أشعر أني أعيش في هذه العدالة».

وفي أحد أيامه الأخيرة بشعبة الاستئناف في شارع ماديسون، قال القاضي ماجواير، الذي كان المحامي الأول للحاكم جورج باتاكي، إنه شعر بالحزن بصورة متزايدة مع فشل الولاية عاما بعد آخر في زيادة رواتب القضاة. وأضاف: «لقد تعذبت لفترة طويلة بشأن المسار الذي المضي فيه لأني أحب هذا العمل. وبعد ذلك أدركت أنه لا خيار أمامي. التصرف المسؤول الوحيد من أجل عائلتي يحتم علي الرحيل». يبلغ القاضي ماجواير من العمر 57 عاما، ولديه طفلان في الخامسة والثالثة من عمرهما.

وداخل نيويورك، نجد أن الضغوط المالية شديدة على نحو خاص لأن شركات المحاماة البارزة تتنافس على جذب المحامين، والآن على جذب القضاة. وفي رد على أسئلة طرحت من أجل هذا المقال، قام مكتب إدارة المحاكم بالولاية بدراسة معدلات انخفاض عدد القضاة. ووجد التحليل أنه في عام 1999 ترك 48 قاضيا من 1300 قاض بالولاية مناصبهم. وفي العام الماضي ترك 110 قضاة مناصبهم، وشهد عدد القضاة الذين تركوا مناصبهم ارتفاعا حادا على مدار الأعوام الخمسة الماضية.

وقال رئيس القضاة داخل نيويورك جوناثان ليبمان خلال مقابلة أجريت معه إن ترك القضاة مناصبهم أظهر جزءا من المشكلة فقط. وتساءل القاضي ليبمان: «لماذا سيرغب محام موهوب في الالتحاق بمؤسسة لم تشهد حتى زيادة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة على مدار 12 عاما؟».

وقد كان فشل السلطة القضائية داخل الولاية في زيادة رواتب القضاة منذ 1999 موضع نقاش سياسي قوي ومعارك داخل المحاكم قبل تمرير تشريع في نوفمبر (تشرين الثاني) يقضي بإنشاء لجنة خاصة برواتب القضاة. ومن المتوقع اتخاذ قرار بحلول شهر سبتمبر (أيلول) بشأن ما إذا كانت رواتب القضاة داخل الولاية سترتفع وما مقدار ذلك.

وداخل الولايات المتحدة بصورة عامة تأتي رواتب الكثير من القضاة أقل مما يحصل عليه محامون بارزون وببعض الأكاديميين ومديري المدارس والمسؤولين المنتخبين، وبل بعض الموظفين في المحاكم. وداخل مدينة نيويورك، يحصل بعض الموظفين في مهن قانونية على رواتب أكبر مما يحصل عليه قضاة يعملون لهم. وقد أشار رئيس القضاة داخل الولايات المتحدة جون روبرتس إلى أن رواتب القضاة الفيدراليين أقل من رواتب عمداء كليات القانون وأساتذة قانون آخرين. وأشار إلى أن الفجوة في الرواتب تقوض من قوة المحاكم الفيدرالية.

وارتفعت رواتب قضاة المحاكم بالولايات بشكل عام بنسبة 34 في المائة إلى متوسط 116.100 دولار خلال العقد المنتهي في 2005.

* خدمة «نيويورك تايمز»