صراع شرس على الإنترنت بين القراصنة هدفه التميز وفضح هوية المنافسين

مجموعة «لولز سكيوريتي» التي اخترقت موقع «سي آي إيه» تحولت إلى ضحية لجماعة أخرى

TT

جمع بعض قراصنة شبكة الإنترنت الذين يطلقون على أنفسهم اسم «إيه تيم» كنزا من المعلومات الخاصة وأتاحوها للجميع على شبكة الإنترنت. وتتضمن تلك المعلومات أسماء حقيقية ومستعارة وعناوين وأرقام هواتف وحتى تفاصيل تتعلق بأفراد الأسرة والصديقات. لكن لم يكن يستهدف هؤلاء القراصنة رؤساء تنفيذيين لشركات أو مسؤولين حكوميين أو حتى عملاء مجهولين لمصارف، بل قراصنة إنترنت آخرين.

وفي محاولة لكشف هوية أعضاء مجموعة تعرف باسم «لولز سكيوريتي»، يهدف أعضاء «إيه تيم» إلى إثبات إخفاقهم، وبذلك يساعدون بشكل غير مباشر جهات تطبيق القانون على القبض عليهم. وكتبت مجموعة «إيه تيم» على الإنترنت إن الأعضاء الأساسيين في هذه المجموعة «لا يجيدون سوى مطاردة الأهداف السهلة».

وأثارت الهجمات التي شنها قراصنة منظمون ووقحون خلال الأسابيع الأخيرة على المواقع الإلكترونية لشركات كبيرة مثل «سوني» وكذلك مواقع حكومية مثل موقع مجلس الشيوخ القلق منهم. يوم الاثنين الماضي تم سرقة حساب «فوكس نيوز» على موقع «تويتر» واستخدامه في الإعلان عن خبر غير صحيح خاص باغتيال الرئيس. وقبل ذلك بيوم، قالت مجموعة إنها تمكنت من سرقة كلمات سر وأسماء مستخدمين من نظام كومبيوتر داخلي في شركة «أبل». لكن يبدو المشهد محموما، حيث تتصارع جماعات القراصنة مثل ذئاب على خلفيات كثيرا ما تكون سياسية أو فكرية. لكنهم يتصارعون في أحيان أخرى لا لسبب سوى الشعور بالتميز والذكاء والتفوق على بعضهم البعض.

وكان أعضاء مجموعة «لولز سكيوريتي» هم المستهدفين مؤخرا، حيث جذبت المجموعة أنظار العالم من خلال هجماتها على وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وشركة «سوني» وشرطة ولاية أريزونا فضلا عن هيئات ومنظمات أخرى مما عرّض المعلومات الشخصية لعشرات الآلاف من الناس إلى الخطر. ورغم هجماتهم يجيدون إخفاء هويتهم ويكشفون بين الحين والآخر عن مساوئ كثيرة منها فساد الحكومة إلى حقوق المستهلك. جعلت هذه الهجمات المستفزة لـ«لولز سكيوريتي» والأسلوب المتفاخر الذي يتسمون به منها هدفا مغريا. ويسعى القراصنة الآخرون الذين يتمتعون بخبرة الحفاظ على سرية هويتهم إلى كشف الأسماء الحقيقية لأعضاء المجموعة.

وأعلنت «لولز سكيوريتي» الشهر الماضي حل المجموعة، مشيرة إلى أن أعضاءها سيستمرون في أنشطتهم من خلال منابر أخرى. لكن ما زال مكتب التحقيقات الفيدرالي وبعض الهيئات الأخرى يتتبعون أثرهم، مهتدين بمعلومات كشفها قراصنة آخرون. إذا تم القبض على قراصنة «لولز سكيوريتي» سيكون ذلك بفضل زملائهم من القراصنة. وقال بيل وودكوك، مدير البحث في منظمة «باكيت كليرينغ هاوس» التي لا تهدف إلى الربح في بيركلي بولاية كاليفورنيا، التي تتبع الحركة على شبكة الإنترنت: «مع الأسف يمثل هذا أحد الطرق التي تستطيع من خلالها جهات تطبيق القانون اختراق هذا العالم».

يعنى انكشاف هويتك في عالم القرصنة أنك أصبحت كالكارت المحروق وبالتالي خروجك من هذا المجال. ويعد الاسم المستعار سلاحا أساسيا يخفي اسم الشخص الحقيقي وكل بياناته الشخصية خالقا بذلك هوية بديلة. يتضمن دليل المستجدين في مجموعة تعرف باسم «أنونيميس» والتي انبثقت منها مجموعة «لولز سكيوريتي» بداية العام الحالي نصائح وإرشادات تتعلق بحماية سرية هوية الشخص بدءا من كيفية الابتعاد عن المواقع الإلكترونية التي تتعقب النشاط على الإنترنت وصولا إلى إخفاء مقدم الخدمة. من الوسائل التي ينصح هذا الدليل باستخدامها «تور» وهو شبكة من القنوات الافتراضية والتي ابتكرها بالأساس معمل أبحاث البحرية الأميركي لحماية الاتصالات التي تقوم بها الحكومة. ويختتم الدليل بعبارة «في عالمنا الدفاع هو خير وسيلة للهجوم».

رغم المعلومات التفصيلية التي جمعتها مجموعة «إيه تيم» وقراصنة إنترنت آخرون مثل «تيم بويزون» و«ويب نينجاز»، لم يقر أي شخص يزعم أنه من أعضاء مجموعة «لولز سكيوريتي» أن هويته قد كشفت وأنكر البعض هذا الأمر كليا. لكن يبدو أن الحملة تؤتي ثمارها. وتزامن كشف «إيه تيم» عن هوية سبعة من مجموعة «لولز سكيوريتي» مع إعلان المجموعة عن حلها. وقال متحدث باسم المجموعة اسمه المستعار توبياري في خطاب وداع علني: «أبحروا وانتبهوا واتبعوا رياح الشمال أيها البحارة المتمردون». واشتمل بيان «إيه تيم» عن «لولز سكيوريتي» على الكثير من المعلومات الشخصية التفصيلية، فقد ورد به أن شقيقة أحد أعضاء المجموعة كانت ساقية في حانة في بلدة إنجليزية. وتم وصف عضو آخر بأنه «في غاية القبح»، ووصف ثالث بأنه لا يجيد القرصنة على الإطلاق مشيرين إلى أنه «لا يجيد سوى إجراء مقابلات».

تم توجيه جزء من البيان المليء بالأخطاء الإملائية إلى مفارقات قراصنة الإنترنت، حيث جاء به «إذا كنت مجهولا فلا يمكن لأحد أن يعرفك أو يؤذيك وبالتالي لا يمكن لأحد أن يقهرك. المشكلة في هذا الفكر هو أنه يطبق على شبكة الإنترنت وهي بطبيعتها معروفة. على أجهزة الكومبيوتر أن تقدم إسهاما، فإذا تتبعت ماضي شيء يمكنك اكتشاف أصله». ولم تتورع مجموعة «لولز سكيوريتي» عن كشف أحد أعضائها، حيث سرب عضو يعرف باسم «أسكور» بعض الحوارات التي تمت في غرف الدردشة إلى وسائل الإعلام. وردا على ذلك، نشرت المجموعة ما قيل إنه تفاصيل شخصية عن «أسكور» منها عنوان في هاميلتون بولاية أوهايو. وفتش أفراد تابعون لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأسبوع الماضي منزل في هاميلتون دون إلقاء القبض على أي شخص بحسب ما أفادت به التقارير الإعلامية المحلية. ورفضت جيني شيرير، المتحدثة الرسمية باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي، التعليق مشيرة إلى عدم انتهاء التحقيقات. وقال متحدث باسم «لولز سكيوريتي» يطلق على نفسه اسم «ويرل بول» في مقابلة مع الموقع الإلكتروني لقناة «بي بي سي» عن معارضي المجموعة: «إنهم يحاولون القضاء علينا، فنحن نسخر منهم فيستشيطون غضبا وينشرون تعليقات تهكمية حقودة، بينما نحن نضحك».

على الجانب الآخر، كشفت مجموعة «ويب نينجاز» التي دشنت مدونة تسمى «لولز سكيوريتي إكسبوزد» عن نواياها بقولها: «لقد قمنا بما في وسعنا لكشف (لولز سكيوريتي) وسنظل نحاول حتى نراهم وراء القضبان».

منذ الإعلان عن حل المجموعة، اندمجت مجموعة «لولز سكيوريتي» في حركة أكبر تسمى «أنتي سيك» التي ربما تحظى بتأييد آلاف القراصنة من ضمنهم أفراد على صلة بـ«أنونيميس».

* خدمة «نيويورك تايمز»