منظمة العفو الدولية: أساليب قوات الأمن السورية قد تكون جرائم ضد الإنسانية

كل عائلة من تلكلخ قابلها مندوبو المنظمة قالت إن واحدا على الأقل من أبنائها معتقل

سوريون يهربون مشيا على الاقدام نحو لبنان من مدينة تلكلخ في صورة أرشيفية
TT

أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير، أمس، أن «الأساليب الوحشية» التي استخدمتها قوات الأمن السورية لقمع الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في مدينة تلكلخ (غرب) «ربما تشكل جرائم ضد الإنسانية». وتحت عنوان «قمع في سوريا: رعب في تلكلخ» أوردت المنظمة تقريرا يوثق حالات الوفاة في الحجز وعمليات التعذيب والاعتقال التعسفي التي وقعت في مايو (أيار) عندما شن الجيش السوري وقوات الأمن عملية أمنية كاسحة وواسعة النطاق استمرت أقل من أسبوع ضد سكان البلدة الواقعة بالقرب من الحدود اللبنانية.

وأكدت المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها أن «الأساليب الوحشية التي استخدمت خلال العملية الأمنية المدمرة التي نفذتها القوات السورية في مدينة تلكلخ الواقعة في غرب سوريا ربما تشكل جرائم ضد الإنسانية». وأوضحت أنها تعتبر أن «الجرائم التي ارتكبت في تلكلخ تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية، لأنها تبدو جزءا من هجوم منظم وواسع النطاق على السكان المدنيين».

وقال فيليب لوثر، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، في بيان إن «الروايات التي سمعناها من الشهود حول الأحداث في تلكلخ ترسم صورة مقلقة للغاية لانتهاكات منظمة ومستهدفة بغية سحق المعارضة». وأضاف أن «معظم الجرائم التي وردت في هذا التقرير يمكن أن تندرج ضمن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية. لكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجب أن يحيل الأوضاع في سوريا إلى المدعي العام للمحكمة أولا».

وأوضحت منظمة العفو أن التقرير استند إلى «مقابلات أجريت في لبنان وعبر الهاتف مع أكثر من 50 شخصا في مايو ويونيو (حزيران)»، مشيرة إلى أن السلطات السورية لم تسمح لها بدخول أراضيها. ودخل الجيش وقوات الأمن السورية مدينة تلكلخ منتصف مايو لقمع الحركة الاحتجاجية. وأكد ناشطون يومها مقتل 26 شخصا على الأقل وإصابة العشرات بنيران القوات الأمنية.

وبحسب المنظمة فقد قتل في اليوم الأول للعملية شاب على أيدي القناصة على ما يبدو، وتعرضت سيارة الإسعاف التي نقلته لإطلاق النار، مؤكدة أنه «عندما حاول الكثير من السكان مغادرة البلدة، أطلقت القوات السورية النار على العائلات الفارة». وأضاف التقرير أن «الأيام التالية شهدت تجميع واعتقال عشرات الأشخاص من الذكور، بينهم رجال يناهزون الـ60 من العمر، وصبيان دون سن الـ18. وقالت كل عائلة من عائلات تلكلخ التي قابلها مندوبو منظمة العفو الدولية أن واحدا على الأقل من أبنائها قيد الاعتقال».

ونددت المنظمة بواقع أن «ما لا يقل عن تسعة أشخاص قضوا نحبهم في الحجز بعد القبض عليهم أثناء العملية الأمنية في تلكلخ»، موضحة أنه تم إطلاق النار «على ثمانية من أولئك الرجال، الذين كان بعضهم من الناشطين في المظاهرات، وأصيبوا بجروح عندما أمروا بالخروج من أحد المنازل، ثم اقتادهم الجنود بعيدا» ليستدعوا ذويهم لاحقا للتعرف إلى جثثهم وقد بدت عليها آثار التعذيب واضحة وإصابتهم بالرصاص.

وأكدت أن بعض أفراد العائلات الذين ذهبوا للتعرف على جثث أبنائهم قالوا إنهم أرغموا على توقيع وثيقة تقول إن أبناءهم قتلوا على أيدي العصابات المسلحة. وترفض السلطات السورية الحديث عن حركة احتجاج شعبية ضد النظام أو عن سقوط قتلى مدنيين بنيران الجيش وقوات الأمن، مؤكدة أن ما يجري في البلاد هو أعمال إرهابية ترتكبها «عصابات مسلحة». وأضاف التقرير أنه استنادا إلى بعض الأنباء فإن «معظم المعتقلين خضعوا للتعذيب». وأورد على سبيل المثال قيام جنود «بإحصاء عدد المعتقلين الذين ينقلونهم بغرز لفافات التبغ المشتعلة في أعناقهم من الخلف». وروى بعض المعتقلين للمنظمة بالتفصيل كيف كان الأمن العسكري يعذبهم عبر «تقييدهم من الرسغين بقضيب مرتفع عن الأرض بمقدار يجبر المعتقل على الوقوف على رؤوس أصابع قدميه»، وهو ما يطلق عليه «وضع الشبح» ثم ضربهم وصعقهم بالكهرباء.

ونقلت المنظمة شهادة شاب يدعى محمود (20 عاما) قضى نحو شهر في المعتقل بينها خمسة أيام لدى الأمن العسكري في حمص. وقال بحسب التقرير «كانت القصة تتكرر كل يوم، كانوا يقيدونني في وضع (الشبح) ويصعقونني بالكهرباء على جسمي وعلى خصيتي. في بعض الأحيان كنت أصرخ بصوت عال جدا وأتوسل إلى المحقق بأن يتوقف، ولكنه لم يكن يأبه بذلك».

ودعت المنظمة السلطات السورية إلى إطلاق سراح جميع الأشخاص الذين اعتقلوا تعسفا (...) بمن فيهم الأطفال، والسماح لمحققي الأمم المتحدة الذين ينظرون حاليا في أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، بدخول البلاد من دون أي عراقيل. كما كررت دعوتها مجلس الأمن الدولي إلى إحالة الأوضاع في سوريا إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وأعرب فيليب لوثر عن أسفه لكون «استعداد المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات بشأن ليبيا باسم حقوق الإنسان قد أظهر استخدام معايير مزدوجة فيما يتعلق بسوريا». وأضاف «على الرغم من حديث الرئيس بشار الأسد عن الإصلاح، لم تظهر حتى الآن أدلة تذكر على أن السلطات السورية ستستجيب إلى أي شيء باستثناء اتخاذ تدابير دولية ملموسة». وأدى قمع المظاهرات في سوريا إلى مقتل أكثر من 1300 مدني واعتقال أكثر من 10 آلاف شخص ودفع آلاف السوريين إلى النزوح، وفق منظمات غير حكومية.