سلطة الدولة تتآكل.. والنظام متوتر مع اقتراب رمضان

دبلوماسيون غربيون: النظام حول أموالا وأسلحة إلى القرداحة مسقط رأس الأسد.. والتجار يحولون أموالهم للدولار

مظاهرات اطفال في دير الزور أمس (صورة مأخوذة من موقع معارض)
TT

مع اتساع رقعة وحجم المظاهرات ضد النظام في سوريا، تغض السلطات السورية الطرف عن مخالفات في العادة لا تغفل النظر عنها، فيما يبدو النظام في «حالة توتر» مع اقتراب شهر رمضان، خشية تحول المظاهرات الأسبوعية حتى الآن، إلى مظاهرات يومية، بحسب ما أكد دبلوماسيين غربيون لـ«الشرق الأوسط».

وتحدثت عدة تقارير صحافية عن انتشار الفوضى في مناطق عديدة من البلاد، في ما يفسره بعض المراقبون بأنه دليل على تآكل سلطة الدولة. وذكرت مجلة الـ«إيكونوميست» في عددها الأخير، أن «سلطة الحكومة تتقلص بشكل واضح» في عدد من المناطق السورية، وقالت إن الشرطة لم تعد تصدر تذاكر مخالفات سير للسيارات المسرعة أو المتوقفة في أماكن غير مسموح بها. وذكرت أيضا أن التجار غير المرخص لهم ينتشرون في السوق، وهو أمر لم يكن مسموحا بها حتى فترة قصيرة، وأن البناء غير المرخص أصبح متفشيا.

وأكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط»، حدوث هذه المخالفات، وقال: «هناك أشخاص يضيفون طوابق على أبنيتهم من دون تراخيص، ولا تتم ملاحقتهم، خصوصا في مناطق مثل بانياس وقرى إدلب وريف دمشق وبعض قرى حماه».

كما أشار عبد الرحمن إلى أن هناك عائلات لم تعد تدفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها، بسبب عدم القدرة على دفعها بعد أن شحت أعمالهم، خصوصا لأصحاب المهن الحرة. وقال: «هناك الكثير من المناطق في سوريا لا تعيش بشكل طبيعي.. تغلق محالها في الساعة الثالثة بعد الظهر بينما كانت تفتح لوقت متأخر من الليل، والسبب عدم وجود أشغال».

ورأى عبد الرحمن أن «هناك تراخيا» من قبل السلطات في متابعة المخالفات، «كي لا يحركوا الشارع ضدهم أكثر». وأضاف: «النظام يغض النظر عن هذه الأمور كي لا يخلق متظاهرين جددا في الشارع، أو لمنع الناس من الانضمام للمظاهرات». وقد أكد دبلوماسيون غربيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن النظام السوري ترك في البداية المتظاهرين في حماه والمناطق الكردية بعيدا عن القبضة الأمنية «كي لا يستفزها»، ولكنه فوجئ بخروج أهالي تلك المناطق في مظاهرات ضخمة ضده، «فقرر عندها أن يعود ويقمعهم».

واعتبر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «الأيام المقبلة في سوريا ستكون حاسمة، وطريقة التعاطي مع حماه ستكون حاسمة». وكانت حملة أمنية بدأت على حماه قبل عدة أيام، تشمل تنفيذ اعتقالات واسعة بلغت نحو 500 اعتقال بحسب ناشطين، وذهب ضحية الشبيحة وقوات الأمن أول من أمس نحو 22 قتيلا. كما تتمترس دبابات الجيش على مداخل المدينة. وقد تلا ذلك إقالة محافظ المدينة يوم السبت الماضي، بعد يوم من خروج نحو نصف مليون متظاهر إلى شوارع حماه يطالبون الأسد بالرحيل.

وأكد عبد الرحمن أمس أن النظام السوري «يخشى انتقال عدوى حماه» إلى مدن أخرى، بعد يوم الجمعة الماضي. وتحدث عن قطع الاتصالات والكهرباء عن المدينة لبعض الوقت، وقال: «لم نعد نعلم ما يفعله النظام هناك. يبدو أن هناك جناحين داخل النظام، واحد يفكر بالحل الأمني والعسكري، وآخر يحاول أن لا يؤلب المجتمع الدولي ضد النظام أكثر مما هو الآن».

وذكرت صحيفة الـ«وول ستريت جورنال» في تقرير لها قبل أيام، أخبارا مشابهة عن مخالفات في البناء وغيرها باتت منتشرة مؤخرا في ضواحي دمشق وحمص. ولكنها أشارت أيضا إلى ارتفاع نسبة الجرائم الخفيفة في دمشق، من عمليات سرقات ونشل في شارع الحمراء وسط العاصمة، من دون أن تلاحق الشرطة المجرمين، وهو ما كان يحدث في الماضي. وقالت إن بعض السكان يلومون «تلهي» الشرطة بقمع المحتجين في أماكن أخرى من البلاد، مما يؤدي إلى فلتان أمني في مناطق أخرى. وتحدثت أيضا عن غياب منظفي الشوارع في بعض أزقة العاصمة لمدة أيام متتالية أحيانا، بينما تتكدس النفايات على جوانب الطرقات.

وقالت الصحيفة إن «الناشطين يلومون أعمال الحكومة في تصاعد مظاهر العصيان، إلا أن بعض السوريين يلومون المتظاهرين. وفي مواجهة القمع العسكري ضد مناطق الاحتجاج الحامية، اعتمد المتظاهرون العصيان المدني كوسيلة جديدة لمحاربة النظام». وذكرت أن سكان دوما الواقعة بالقرب من دمشق، أصدروا بيانا أعلنوا فيه أنهم سيتوقفون عن دفع فواتير الماء والكهرباء كجزء من حملة عصيان مدني.

وفي موازاة الفوضى الأمنية، يتحدث دبلوماسيون غربيون أيضا عن «فوضى مالية»، ويروون أن سوريا شهدت حالات خروج غير مسبوقة من التجار، وحالات تهريب أموال، إضافة إلى تحويل أموال من الليرة السورية إلى الدولار الأميركي، خوفا من انهيار قريب لليرة. وتحدث دبلوماسيون عن أن النظام حول «أموالا ووثائق وأسلحة إلى القرداحة»، وهي مدينة ذات أغلبية علوية، ومسقط رأس آل الأسد.

وذكرت مجلة الـ«إيكونوميست» أن السائقين على الطريق بين سوريا ولبنان يتحدثون عن زبائن يتوجهون مباشرة من مصارف في دمشق إلى أخرى في بيروت، محملين بحقائب ضخمة. وأشارت، بحسب أحد التقديرات، إلى أن 20 مليار دولار أميركي غادرت البلاد منذ مارس (آذار) الماضي، مما تسبب في ضغوط على الليرة السورية. وذكرت أن السلطات رفعت من أسعار الفائدة لكي توقف سحب الأموال، مشيرة إلى أن شركة هواتف جوالة تابعة لعائلة الأسد بعثت برسائل نصية للمشتركين تحثهم فيها على إيداع أموال في حساباتهم المصرفية.

واعتبرت المجلة أن الوضع الاقتصادي يشكل التهديد الأول للنظام، وذكرت أن التبادلات التجارية انخفضت إلى النصف، استنادا إلى محللين ومتمولين. وقالت على سبيل المثال، إن شركة تبيع زيتا لمحركات السيارات، انخفضت مبيعاتها بنسبة 80 في المائة. وقالت إن معظم الشركات إما طردت موظفين أو خفضت الرواتب، وإن نسبة البطالة تضاعفت، بعد أن كان معدلها 10 في المائة. وقالت إن هناك قلقا بين المسؤولين من إمكانية انخفاض إمدادات الحبوب قريبا. وأضافت أن التجارة انخفضت بين 30 في المائة و70 في المائة، بحسب المكان، وذلك كان قبل جولة العقوبات الأوروبية الأخيرة، علما بأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لسوريا.

وذكرت الـ«إيكونوميست» أيضا أن الاستثمارات الأجنبية التي اعتمدت عليها سوريا في نموها في السنوات الماضية، قد جفت. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد حذر من «انهيار اقتصادي» في خطاب ألقاه مؤخرا. وتحدث المجلة عن أن «أزمة كبيرة» تقع فيها الأموال العامة، مشيرة إلى قرار الحكومة الأخير بزيادة رواتب موظفي الدولة، وهو «ما لا يمكنها تحمل نفقاته». وقالت: «الحكومة قد تلجأ إلى طباعة الأموال لكي تفي بوعودها، ولذلك فهناك خطر حدوث تضخم، مما سيزيد من النقمة الشعبية بعد أن تفقد المدخرات قيمتها».

يقول دبلوماسيون غربيون إنه باتت هناك قناعة أميركية - أوروبية، بأن النظام انتهى وأنه لم تعد هناك فرص لبقائه، إلا أن المشكلة في غياب البديل، الذي يبدو حتى الآن، الفوضى.