سكان من حماه: بدأنا بتنظيم الصفوف الدفاعية في بعض الأحياء

تردد اسم وليد أباظة رئيس فرع الأمن السياسي عند وقوع مجزرة حماه عام 1982 لخلافة محافظ المدينة المقال

TT

بحماس متأجج، يقول نشطاء إنهم أقاموا عشرات نقاط التفتيش في مدينة حماه السورية، محذرين مجموعات تعالت صيحاتها مرددة «الله أكبر»، احتجاجا على تقدم قوات الأمن المخيفة، كما بدأ قذف إطارات مشتعلة وسلال مهملات لإعاقة مسار تقدم القوات.

وقد ظهرت حماه، معقل أكبر الاحتجاجات والتي يخيم عليها شبح ذكريات قمع وحشي منذ نحو ثلاثين عاما، كخطر يهدد حكم الرئيس بشار الأسد بقوة. وفي غضون أيام، سلطت الاحتجاجات والاستجابة غير المؤكدة من جانب الحكومة الضوء على درجة المعارضة والشقاق المحتملة في سوريا، وافتقار الحكومة للاستراتيجية التي تستطيع بواسطتها إنهاء هذه الحالة والصعوبة التي يواجهها الأسد في الحكم على المظاهرات بوصفها مدفوعة من جماعات دينية، بدعم من جهات خارجية.

ولا تزال حماه بعيدة كل البعد عن المناطق التي أعلن فيها عن أكثر المظاهرات حماسة واهتياجا، إذ تظهر معارضتها للنظام في صورة آمال وأحلام أكثر منها في صورة أدلة ملموسة. غير أن قرار الحكومة الشهر الماضي بسحب قواتها قد ترك الشوارع خالية للمتظاهرين، الذين حاولوا صياغة نموذج بديل للقمع الوحشي الذي كان بمثابة علامة مميزة لفترة الحكم البعثي. وذكر سكان تم الاتصال بهم هاتفيا أنهم قد بدأوا المشاركة الجماعية في أعمال مختلفة بداية من تنظيف ميدان في وسط المدينة وانتهاء بتنظيم الصفوف الدفاعية في بعض الأحياء.

والأمر الأكثر خطورة هو مشاهد التجمعات السلمية الضخمة هنا يوم الجمعة، التي تعتبر بمثابة أصداء للاحتجاجات التي وقعت في مصر وتونس بداية هذا العام، والتي كانت بمثابة نقد مقنع لسلسلة الإجراءات التي انتهجتها الحكومة، والتي قد ترتب عليها فرض الحكومة سيطرتها على قطاعات ضخمة من المجتمع السوري. وخلال الانتفاضة التي امتدت لنحو أربعة أشهر، لفتت الحكومة إلى مقتل المئات من قواتها، وعلى وجه الخصوص خلال الأحداث الدامية التي وقعت في بلدة جسر الشغور في الشمال، لتحاول إثبات أن حالة الاضطراب نتاج للعنف من جانب المتطرفين الإسلاميين المدعومين من الخارج.

وظلت حماه في حالة سلم لمدة أسابيع، ولكن في يوم الاثنين، عادت قوات الأمن إلى الضواحي وشنت حملة اعتقالات. وقتلت تلك القوات 11 فردا على الأقل يوم الثلاثاء في مزيد من الغارات، بحسب أقوال نشطاء. وقد استهدفت كل غارة المعارضة، التي تستخدم ما وصفه أحد النشطاء باسم ترسانة العصور الوسطى: أحجار وحواجز ترابية، وفي رواية غير مؤكدة، أقواس وسهام.

«لا يوجد حل سهل بالنسبة لحماه»، هذا ما قاله بيتر هارلينغ، محلل بمجموعة الأزمات الدولية مقيم في دمشق، في مقابلة أجريت معه. وأضاف: «لقد حقق النظام تقدما ملحوظا فيما يتعلق بإقناع الناس في سوريا وفي الخارج بأنه كانت هناك عناصر مسلحة في هذه الحركة الاحتجاجية وأن تركيز قواتها الأمنية كان منصبا بدرجة كبيرة على تلك العناصر. وبعد أسبوعين، تورط النظام في مزيد من إجراءات القمع الأكثر وحشية، الأمر الذي شوه صورته مجددا».

منذ اندلاع الاحتجاجات في منتصف مارس (آذار)، تأرجحت الحكومة بين القمع الوحشي والإصلاحات غير المكتملة. وقد ظهرت حماه بوصفها نموذجا مصغرا لهذه الاستراتيجية المتغيرة، والتي أصابت الجميع بحالة من الارتباك، حتى بعض أنصار الحكومة.

وفي أعقاب وقوع الاحتجاجات في حماه في 3 يونيو (حزيران)، حينما أودت قوات الأمن بحياة 73 فردا واعتقلت المئات، يقول سكان ودبلوماسيون ومسؤولون إن ثمة اتفاقا قد أبرم والذي بموجبه سمح للمتظاهرين بمواصلة احتجاجاتهم شريطة عدم إتلاف الممتلكات. وفي الأسابيع التالية، اكتسبت المظاهرات زخما، بلغ ذروته في مشاهد يوم الجمعة التي أشارت إلى أنه على الأقل في حماه، لم تكن الاحتجاجات المناوئة للحكومة هامشية بسيطة.

ومنذ ذلك الحين، حدث تحول آخر في استراتيجية الحكومة. فقد تمت إقالة حاكم حماه، أحمد خالد عبد العزيز، يوم السبت. ويقال إنه سيخلفه في هذا المنصب وليد أباظة، رئيس فرع الأمن السياسي وقت أحداث فبراير (شباط) 1982، والذي يعتقد أنه لعب فيها دورا مؤثرا حينما وقعت معارك دامية بين الحكومة والمعارضة من الإسلاميين المسلحين، وهي الأحداث التي بلغت أوجها في حماه. وعلى مدار أربعة أسابيع، استعادت الحكومة سيطرتها على تلك المدينة السورية الرئيسية، متسببة في مقتل 10 آلاف شخص على الأقل وتسوية أجزاء من المدينة القديمة بالأرض. كما لقي مئات الجنود مصرعهم أيضا.

وعلى الرغم من أن قوات الأمن اقتحمت المدينة من حين لآخر الشهر الماضي، فقد أحكمت قبضتها على المدينة للمرة الأولى منذ فترة طويلة يوم الاثنين، بشنها حملة اعتقالات لعشرات المتظاهرين. ومع ذلك، فليس مقصدها واضحا. فبدلا من تكرار ما حدث في درعا، المدينة السورية الواقعة في الجنوب، حيث بدأت الانتفاضة الشعبية، بقيت القوات العسكرية على أطراف مدينة حماه. وبعد تعزيز القوات بشكل واضح خلال نهاية الأسبوع، ذكر بعض النشطاء أنه قد انسحبت عشرات الدبابات على نحو يدعو للحيرة.

«النظام يرغب في اعتقال كل المتظاهرين النشطين والعناصر الرئيسية المنظمة للمظاهرات قبل يوم الجمعة المقبل»، هكذا تحدث طالب جامعي (23 عاما) ذكر أن اسمه باسل. وككثيرين غيره في المدينة، أصر على عدم ذكر اسمه كاملا. غير أنه أضاف: «لن ينتظر الناس في حماه حتى تأتي قوات الأمن وتلقي القبض علينا في منازلنا».

ربما تكون رمزية ماضي حماه أحد الأسباب وراء تردد الحكومة. فبعد أحداث 3 يونيو (حزيران)، سارعت الحكومة بسحب بعض من قوات الأمن الأكثر وحشية وتنكيلا بالمتظاهرين سعيا لتجنب التوتر المتصاعد في مدينة تعيد فيها عمليات القمع الحالية ذكريات الماضي المريرة إلى الأذهان. وذكر النشطاء أنه منذ يوم الجمعة، تم سحب المزيد من القوات، مع بحث الحكومة عن أكباش فداء.

حتى أن بعض سكان حماه يشعرون أن الماضي يوفر لهم إجراءات وقائية. وقد ورد ذكر الأحداث التي وقعت في 1982 في معظم المقابلات التي أجريت مع السكان، لا باعتبارها درسا عن ثمن المعارضة، وإنما بدرجة أكبر كتحذير للأسد، الذي نجح حتى وقوع الانتفاضة في القضاء على كثير من سمات الدولة البوليسية التي ميزت حكم والده الذي امتد لثلاثة عقود. ومن شأن تقدم قوات الأمن داخل حماه أن يدحض الزعم الذي ردده هو ومسؤولوه مرارا وتكرارا بأنهم ليسوا ضد المعارضة، طالما كانت سلمية.

وقال نبيل السمان، الاقتصادي ومدير مركز البحوث والتوثيق في دمشق: «الأمر برمته يعتمد على الحكومة. فإذا قررت اللجوء إلى الحل الأمني، ستكون هناك مشكلة كبرى وستراق الدماء».

ومن الصعب التأكد من صحة التقارير الواردة من المدينة، لكن السكان ذكروا يوم الثلاثاء أن إدارة الحكومة قد توقفت، بشكل جزئي، عن أداء وظائفها. وذكر اثنان من سكان حماه أنه قد توقفت عمليات جمع القمامة. وقال كثيرون إن حتى رجال شرطة المرور قد اختفوا من الشوارع. وذكروا أن موظفي المياه والطاقة امتنعوا عن الذهاب لمكاتبهم وأغلقت البنوك الحكومية أبوابها يوم الثلاثاء.

وقد ظهرت مجموعة مراقبة في الأحياء بشكل متكرر يومي الاثنين والثلاثاء، وقد واجهت قوات الأمن بالأحجار والمتاريس. وقال كثيرون إنهم قد تعلموا الدرس من درعا، حيث انسحبت قوات حكومية فقط لتستعيد سيطرتها من جديد. وقال موظف حكومي (40 عاما) يدعى أمين: «إذا جلسنا في منازلنا وانتظرنا مجيء الجنود ورجال الأمن، فسيفعلون ما يحلو لهم معنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»