المعارضة السورية تلاقي دعوة النظام للحوار بالتشكيك: ما زال يتجاهل مطالبنا بوقف الحل الأمني

عمار القربي لـ «الشرق الأوسط»: الحوار مع الشبيحة أجدى من الحوار مع النظام

صورة مأخوذة من «يوتيوب» لمظاهرة اهالي ريف دمشق في منطقة حرستا ضد نظام الاسد
TT

اعتبر معارضون سوريون وجهت إليهم السلطات السورية الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الذي دعا إليه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، يومي الأحد والاثنين المقبلين، أن «السلطات السورية تحاول جاهدة تبييض وجهها أمام الضغط الدولي»، بينما اعتبره آخرون فخا ينصبه النظام للإيقاع بالمعارضين.

ومع تواصل العملية الأمنية التي تقوم بها السلطات في مدينة حماه، وتشديد الحصار والتضييق على الأهالي، رأت أوساط المعارضة في الداخل أن النظام ما زال يتجاهل مطالبهم بتوفير «بيئة للحوار». وقال مصدر في المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي، لـ«الشرق الأوسط»، إن دعوات وجهت إلى عدد من المعارضين، إلا أن الأجواء العامة لأوساط المعارضة تشير إلى عدم تلبية الدعوة للمشاركة في «اللقاء التشاوري» المزمع عقده يوم الأحد المقبل.

وبحسب المصدر فإن المعطيات الحالية تؤكد عدم مشاركة لجان المجتمع المدني، وهم مجموعة مثقفين وناشطين أطلقوا أول حراك سياسي في عهد الرئيس بشار الأسد عام 2000، وأيضا إعلان دمشق، وهو تحالف تشكل عام 2005 ويضم أحزاب معارضة وناشطين ومثقفين منهم أحمد طعمة الذي اعتقل منذ يومين. وكذلك يبدو موقف هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي التي تضم مثقفين وناشطين وأحزاب معارضة وتشكلت مؤخرا، ومنها حزب التجمع الوطني الديمقراطي والأحزاب الكردية وتجمع تيم اليساري. وهذه التجمعات تضم غالبية أطياف المعارضة السورية، بحسب المصدر الذي أكد أنهم مجمعون على عدم تلبية دعوة السلطة للحوار، وذلك «لاعتقادهم أن النظام يسابق فكرة الحوار بالحل الأمني الواسع»، وتجاهله مطالب المعارضة بتهيئة بيئة الحوار التي تتضمن أولا وقف الحل الأمني والإعلان عن بدء الحل السياسي».

وقال المصدر: «إن المعارضة ترى في عمليات القتل واجتياح المدن والاعتقالات والعمليات الواسعة التي نفذها النظام واستخدام التعذيب والتنكيل القصد منه الحكم المسبق في موضوع الحوار»، بمعنى آخر أن الحوار الذي يدعو إليه النظام «يجب أن يتم بتهديد القوة وممارسة العنف، وهو أمر قالت المعارضة إنه مرفوض».

وأشار المصدر المعارض إلى أنه في أوقات سابقة تلقت المعارضة تأكيدات من السلطة بأنه سيتم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء والموقوفين على خلفية الأحداث، ولكن الذي حصل هو العكس. فبالإضافة إلى هؤلاء تم اعتقال آلاف الأشخاص بينها شخصيات سياسية يفترض أن يكونوا على طاولة الحوار مثل أحمد طعمة ومازن عدي ونجاتي طيارة وكمال لبواني وغيرهم، «إذ من المفترض أن يكون هؤلاء على طاولة الحوار ولا يستقيم الحوار إذا كان هؤلاء في السجن».

ولفت المصدر المعارض إلى أنه وفي السباق مع التوجه للقاء التشاوري للحوار الذي دعت إليه السلطة «تم اجتياح مدينة حماه من قبل القوى الأمنية وسط حصار عسكري للمدينة وريفها واجتياح مناطق أخرى لمدينة إدلب». وأكد المصدر أن عملية الاجتياح كان لها تأثير سلبي على الوضع السوري العام بحيث ألغى أي إيجابية يمكن أن تقابل نتائج الاجتماع التشاوري للحوار، إذ لا معنى للحوار بعد قتل أكثر من عشرين شخصا في حماه واعتقال المئات والتضييق على الحياة اليومية وعزل المحافظ لأسباب تتصل بحركة التظاهر، في حين كانت المدينة تتجه نحو الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية رغم وجود مظاهرات فيها».

من جهته وصف المعارض السوري البارز عمار القربي دعوة النظام السوري معارضين ومستقلين للقاء تشاوري بـ«المتاجرة بدماء الشهداء» الذين سقطوا في المواجهات الدامية مع الجيش السوري والشبيحة الموالين للنظام. وقال القربي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي: «مستحيل أن أقبل الدعوة للحوار بينما تغيب أساسا البيئة المناسبة لمثل تلك الحوارات»، مشيرا إلى تواصل أعمال القتل بحق المواطنين السوريين.

ووضع القربي شروطا ثلاثة قبل بدء أي حوار مع النظام السوري، وهي انسحاب الجيش من المدن السورية المحاصرة ووقف إطلاق النار وإطلاق سراح السجناء، وهي الظروف التي يمكن معها بدء الحوار، وفقا لرأيه.

وبرر القربي رفضه للحوار في نقطتين قائلا: «النظام يقول إنه توقف عن إصدار أوامر بإطلاق النار بحق المتظاهرين، ولكن الجيش والشبيحة يواصلون القتل الوحشي بحقهم، وهو ما يعني أن الجيش والشبيحة خارج سيطرة السلطات»، وأضاف القربي: «بالتالي فالأفضل لنا أن نحاور الشبيحة والجيش الذين يطلقون النار.. وفقا لأهوائهم».

وتابع القربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا: «أما إذا كان النظام هو من يصدر الأوامر بإطلاق النار فلا يوجد أي مبرر للتحاور مع النظام ويده ملطخة بدماء الأبرياء من الشباب والأطفال والنساء».

واعتبر معارض سوري بارز، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت من سوريا، أن المؤتمر ما هو إلا فخ نصب للمعارضة للإيقاع برموزها، وقال المعارض، الذي رفض ذكر اسمه: «عفوا، خدعة بشار لن تنطلي علينا». وقال المعارض الذي تعرض للاعتقال مرات عدة من قبل: «هذا موقفنا جميعا وليس موقفي وحدي، لن نذهب لنلطخ أيدينا بدماء الشهداء».

وأبدى القربي دهشته التام من وجود أسماء لفنانين سوريين على قائمة حضور مؤتمر سياسي للحوار حول مستقبل بلد كبير كسوريا، قائلا: «هل سأذهب للحوار مع سلاف فواخرجي؟».

ورفضت لجان التنسيق المحلية في سوريا فكرة الحوار وكل ما ينبثق عنه، معتبرة أنه لا يشكل بأي حال من الأحوال «حوارا وطنيا» حقيقيا يمكن البناء عليه. واعتبر بيان اللجنة، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن الحوار ما هو إلا محاولات لكسب الوقت والالتفاف على المطالب الشعبية في التحول إلى نظام ديمقراطي.

من جانبها اعتبرت بهية مارديني، رئيسة اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «القيادة السورية جعلت همها الأول (الشو) الإعلامي، فهي من ناحية تنظم مؤتمرات للمعارضة السورية لتقول إنها على خطى الديمقراطية، ومن جانب آخر تعتمد الخيار العسكري الأمني في تحدٍّ متصاعد للمظاهرات وللشارع السوري الذي تعلو نبراته وتتسع احتجاجاته».

وحول مؤتمر هيئة الحوار الوطني قالت مارديني: «جاءتني دعوة هاتفية لحضور المؤتمر، وسنعقد اجتماعا موسعا للجنة العربية لنأخذ القرار النهائي، رغم ثقتي في فشل المؤتمر.. لأن الدبابات ما زالت في الشارع وما زالت آلة القتل تحصد كل يوم عشرات السوريين، ولكني أثق بالعمل الجماعي». وأكدت مارديني أن «السلطة السورية أضاعت الفرصة تلو الفرصة، وأن ردود فعلها بطيئة وغير مفهومة وتمشي كالسلحفاة في تجاوبها مع مطالب الشارع السوري». ورأت أن أغلب المعارضين الذين تم دعوتهم إلى المؤتمر ينتظر بعضهم قرارات بعض حول الحضور من عدمه، ولكن في رأيها الخاص أن من سيحضر سيسقط شعبيا، لأن الشارع السوري ملتهب داخليا وخارجيا ويرفض الحوار على أسس بشار الأسد. وقالت إن «السوريين اليوم باتوا ينظرون إلى بشار الأسد بمثل المنظار الذي ينظرون به إلى والده حافظ الأسد مع تصاعد القتل والقمع والتنكيل».

وكانت هيئة الإشراف على الحوار الوطني توزع دعواتها لحضور مؤتمر تشاوري يوم الأحد القادم في مجمع «صحارى» في ريف دمشق. وقالت مصادر شبه رسمية إن اللقاء يهدف إلى الخروج بتفاهم على «وضع أسس مؤتمر وطني شامل يضع تصورا لمستقبل سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأعوام تأتي، والاتفاق على التعديلات الدستورية المطلوبة ومداها، وإقرار ثلاثة مشاريع قوانين ستؤثر في الحياة العامة السورية وتغير وجه الدولة وربما جوهرها».

وقالت مصادر إعلامية إن الهيئة بدأت بتوجيه دعوات لقائمة تضم ما يقارب المائة وخمسين شخصا وجهة، منها «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا» المعارضة، التي تشكلت الأسبوع الماضي ويرأسها المحامي حسن عبد العظيم وتضم أحزابا كردية وأخرى معارضة وشخصيات وطنية. كما تتضمن اللائحة معارضين آخرين مثل المحامي هيثم المالح والحقوقي هيثم مناع والأكاديمي برهان غليون والمفكر طيب تيزيني والكاتب ميشيل كيلو والمحامي أنور البني والناشط عمار قربي وآخرين. وقد أعلن الحقوقي هيثم مناع المقيم في باريس عدم تلبيته للدعوة. وتضم اللائحة أيضا كتابا كالروائي حنا مينه والكاتب الصحافي حسن م. يوسف واقتصاديين من أمثال الباحثين نبيل مرزوق ونبيل سكر وسمير سعيفان وفنانين كجمال سليمان وسلاف فواخرجي وإعلاميين بينهم مراسلو وسائل إعلام عربية وشخصيات اجتماعية.

ومن المنتظر أن يعقد اللقاء صباح العاشر من يوليو (تموز) وينقل على الهواء مباشرة، على أن تلي جلسته الافتتاحية ورشات عمل تناقش القوانين المطروحة تنتهي في اليوم التالي بجلسة ختامية. وتتضمن الدعوة جدول أعمال اللقاء المؤلف من ثلاثة بنود، الأول: «دور الحوار الوطني في المعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة، والآفاق المستقبلية» و«تعديل بعض مواد الدستور، بما في ذلك المادة الثامنة منه، لعرضها على أول جلسة لمجلس الشعب، وعدم استبعاد وضع دستور جديد للبلاد وفق آليات يتفق عليها»، وثالثا «مناقشة مشاريع قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات، وقانون الإعلام».

من جانب آخر تم الإعلان في دمشق عن تشكيل لجنة من كبار رجال القانون والتشريع للنظر في الدستور السوري وما يمكن أن يطرأ عليه من تعديلات لمواكبة التحول نحو دولة ديمقراطية أو العمل على بناء دستور جديد لهذه الغاية.