جلسة ساخنة في البرلمان البريطاني.. ورئيس الوزراء يعد بالتحقيق في فضيحة القرصنة والتنصت

شركات تسحب عقود إعلاناتها من إمبراطورية ميردوخ مع ازدياد السخط الشعبي

روبرت ميردوخ مع ريبيكا بروكس: الاعتقاد السائد أنه لن يتخلى عنها على الرغم من المطالبة باستقالتها واعتبارها عبئا على المؤسسة (رويترز)
TT

«لا يهمني إذا تنصتوا على مكالمات سيينا ميلر»، قال كريس بلاكهيرست رئيس التحرير الجديد لصحيفة «الإندبندنت» نقلا عن زوجته. ما أراد أن يشرحه بلاكهيرست، الذي كشفت صحيفته جوانب مهمة من فضيحة القرصنة أمس من خلال تحقيقاتها الخاصة، هو أن قضية القرصنة الآنية التي هزت بريطانيا وقامت بها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، وتبين خلال الأيام القليلة الماضية أن من ضمن ضحاياها عددا من العائلات التي فقدت أطفالها في جرائم قتل وأيضا أهالي تفجيرات يوليو (تموز) 2005 الإرهابية، فتحت الباب على مصراعيه في بريطانيا ولم تعد قضية نميمة تخص أخبار المشاهير مثل الممثلة سيينا ميلر، وتعدت ذلك لتثير علامات استفهام كثيرة حول أخلاقيات العمل المهني والعلاقة بين المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام وكذلك العلاقة بين الصحافيين وبعض العاملين في جهاز الشرطة الذي اتهموا بتلقي الأموال مقابل تمرير معلومات شخصية للصحافة.

الفضيحة بدأت تلقي بظلالها على المؤسسة البريطانية بكاملها، القضاء والسياسة والأمن والإعلام. وبالأمس، عقد البرلمان البريطاني جلسة عاجلة بعد أن عدل برنامج المساءلة الأسبوعية مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للتداول حول الفضيحة الجديدة التي فجرتها قبل أيام صحيفة «الغارديان»، والتي ادعت فيها أن محققا خاصا عمل لحساب «نيوز أوف ذي وورلد» تمكن من الدخول على جوال الطفلة ميلي داولر التي اختفت وقتلت عام 2002.

رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي وصف الاتهامات «بالمقززة»، قال بالأمس إنه يجب أن يكون هناك ليس تحقيقا رسميا واحدا وإنما أكثر من تحقيق للنظر في هذه القرصنة التي تسببت في سخط شعبي عارم وحملة شعبية لمقاطعة الصحيفة والصحف الأخرى الشقيقة التي تملكها مؤسسة «نيوز إنترناشيونال». تتبع «نيوز إنترناشيونال» لمؤسسة «نيوز كوربوريشن» الإعلامية العالمية التي يرأسها روبرت ميردوخ.

«نحتاج إلى أكثر من تحقيق، ربما تحقيقات، في هذه الاتهامات» قال ديفيد كاميرون أمام البرلمان، مضيفا أنها أمر مقزز لجميع الناس. وبالأمس، قامت بعض الشركات بتعليق حسابات الإعلان مع الصحيفة. ومن هذه الشركات مؤسسة «فورد»، وكذلك بعض البنوك مثل «هاليفاكس»، وبعض شركات التليفونات الجوالة، وحتى بعض محلات بيع التجزئة التي تبيع الصحيفة قد تقرر هي الأخرى عدم بيعها في أكشاكها.

وحسب الاتهامات التي تواجه الصحيفة (والتي كشفتها في البداية صحيفة «الغارديان») فإن محققها الخاص دخل على جوال الطفلة الخاص وأعطى أملا زائفا لعائلة ميلي داولر، وتأثرت به تحقيقات الشرطة سلبا. إلا أنه اعتذر بالأمس عما قام به ونقلت نشرات الأخبار تصريحاته واعترافاته بما اتهم به.

وأكد محامي والدي ميلي داولر، التي قتلت وهي في سن 13 عاما، أول من أمس الثلاثاء، أنهما رفعا دعوى قضائية ضد صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» بشأن مزاعم بأن محققا خاصا تابع للصحيفة قام بالقرصنة على هاتف الطالبة بعدما فقدت. وقال المحامي مارك لويس إن التصرفات «الشائنة الحقيرة» أعطت لوالدي داولر «أملا زائفا» بأن ابنتهما ما زالت على قيد الحياة، بعدما جرى إلغاء رسائل بريد صوتي من على هاتفها الجوال بعد اختفائها.

وقال غلين مولكير أمس إنه يعتذر بشدة عما قام به، مضيفا أن العمل الصحافي كان يتطلب منه أن يعمل ما بوسعه من أجل الحصول على سبق صحافي ويقوم بتحرياته الصحافية على أفضل وجه. وقال «هناك ضغطا دائما علينا من أجل تقديم نتائج مرضية. أريد أن اعتذر لمن تسببت لهم في أذى، وهذا لم يكن مقصودا. غلين مولكير سجن في عام 2007 بعد أن تبين أنه حاول الدخول على تليفونات بعض أبناء العائلة المالكة».

وتفيد التقارير بأن غلين مولكير، الذي عمل لدى الصحيفة وكان يتقاضى راتبا كبيرا، تعدى بشكل غير مشروع على رسائل هاتف الفتاة بعد اختفائها. وبينما ملأ رجال المباحث خلال التفتيش عن الفتاة ذاكرة هاتفها بالرسائل الصوتية، يزعم أن مولكير قام بمسح بعض الرسائل بهدف إخلاء مكان لمزيد من الرسائل.

وكانت مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» التي يمتلكها إمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ، اعتذرت لثمانية من المشاهير والوجوه الاجتماعية ضحايا التنصت الذي قامت به الصحف الشعبية التابعة لها. واعترفت أيضا لأول مرة قبل أشهر بأن ما قامت به «نيوز أوف ذا وورلد» هو خرق مورس بشكل موسع من قبل الصحيفة الشعبية، وهي العدد الأسبوعي الذي ينشر يوم الأحد لشقيقتها صحيفة الـ«صن».. وقدمت أموالا طائلة لإسكات بعض المشاهير من ضحايا قرصنتها، وبعض القضايا ضد الصحيفة ما زالت قائمة في المحاكم.

الفضيحة الحالية التي طالت الضحية ميلي داولر تركز الآن على بعض التنفيذيين العاملين مع روبرت ميردوخ، مثل ريبيكا بروكس الرئيس التنفيذي لـ«نيوز إنترناشيونال»، التي عملت محررة للصحيفة في تلك الفترة والتي نفت أنها كانت على علم بالقرصنة التي كان ضحيتها الطفلة ميلي داولر، وبالأمس قالت من خلال رسالة إلكترونية إلى بعض العاملين في المؤسسة إنها ستأخذ أشد أنواع الإجراءات إذا تبينت صحة الاتهامات.

إلا أن صحيفة «الإندبندنت» كشفت هي الأخرى أمس أن ريبيكا طلبت من محقق خاص آخر اسمه ستيف ويتامكور الحصول على بعض المعلومات من خلال الدخول على التليفونات النقالة لوالدي الضحية ميلي، لكن بشكل لا يخل بالقانون. وكانت ريبيكا بروكس (اسمها سابقا كان ريبيكا ويد) قد طلبت من هذا المحقق خدمة خاصة تخصها شخصيا، مما يعني أنها كانت تعرفه، إلا أنها أنكرت في أحد تصريحاتها أنها كانت على معرفة بهذا الشخص، وأنها لا تتذكر الحادث أو الشخص.

وقال نيك روبنسون، المحلل السياسي لهيئة البث البريطاني «بي بي سي» إن مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» كانت على علم بالقرصنة التي مورست ضد ميلي دولار وعائلتها، وإن المحقق الخاص قام بما قام به بموافقة وبتخويل منها. وقال في مقابلة في صباح أمس في برنامج سياسي إن المؤسسة قد تسمي بعض المتنفذين، إلا أنه لا يعتقد أن ريبيكا هي واحد منهم. وقالت بروكس «لقد صعقنا جميعا عندما سمعنا بهذه الاتهامات في الأمس. أشعر بتقيؤ لأن شيئا من هذا القبيل يكون قد حدث فعلا، ليس فقط لأنني كنت رئيسة تحرير الصحيفة في ذلك الوقت، لكن من طبيعة الاتهامات إذا كانت فعلا صحيحة. إن تأثير هذا النوع من القرصنة على والدي الطفلة الضحية لا تغتفر». وقالت إنها لم تكن على علم بهذه القرصنة، ولهذا فإنها لن تستقيل من منصبها كما طالب بعض ضحايا القرصنة وبعض السياسيين بذلك مثل جون بريسكوت نائب رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي كان نفسه ضحية لهذه القرصنة. وقال في مقابلة مع «بي بي سي» إنه من الصعب تصديق بروكس أنها لم تكن على علم بهذا النوع من القرصنة.

وقال سايمون غريننبيرغ، المتحدث باسم «نيوز إنترناشيونال» أمس إن ريبيكا على الرغم من المطالبات الكثيرة التي تطالبها بالتنحي فإنها ترفض ذلك، مضيفا أن المؤسسة ستضع جميع ما لديها من أدلة تحت تصرف جهاز الشرطة.

وجاءت هذه الاعترافات على الرغم من أن المؤسسة الإعلامية ادعت علانية عدة مرات، على الرغم من الغضب الشعبي الذي أحدثته الاتهامات، أن التنصت كان محصورا على عمل مراسل واحد. وجاء هذا الندم والتغير المفاجئ للمؤسسة مع تقدم تحريات جهاز الشرطة بالاتهامات الموجهة للصحيفة وبعض رموز طاقم التحرير الحالي والسابق.

وأشار بعض المراقبين إلى أن عجز «سكوتلانديارد» عن بذل مزيد من الجهد في التحقيقات يرجع إلى تاريخ قديم من التعاون السري في تبادل المعلومات بين الشرطة وبعض من الصحف، وهي الفكرة التي تنفيها «سكوتلانديارد» بشدة.

واتسع نطاق التشعبات السياسية للفضيحة عندما استعان ديفيد كاميرون، عندما كان زعيما للمعارضة قبل الانتخابات، بآندي كولسون كمدير للاتصالات في حزب المحافظين. وكان آندي قد استقال من عمله رئيسا لتحرير «ذا نيوز أوف ذا وورلد» عام 2007، أي قبل الحكم على المحرر المسؤول عن الشؤون الملكية بالسجن بعد الضجة التي جاءت بعد محاكمة غودمان ومولكير، لكنه نفى أي معرفة له بالتجسس على الهواتف.

وقالت «بي بي سي» أول من أمس إن هناك عددا من الرسائل الإلكترونية تبين أن كولسون وافق بنفسه على بعض الدفعات التي قدمت لبعض رجال الشرطة مقابل تقديم معلومات للصحيفة. وقال المتحدث باسم نيوز إنترناشيونال أمس إن جميع هذه الرسائل أصبحت في حوزة جهاز الشرطة الذي بدأ يحقق في الموضوع منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

وكانت بروكس قد اعترفت عام 2003 عندما كانت رئيسة تحرير «ذي صن» الشعبية الواسعة الانتشار بأن صحيفتها دفعت مبالغ إلى جهاز الشرطة، لكنها أصرت على أن ذلك لم يكن يشكل سياسة عامة للصحيفة.

ويقول بعض المراقبين الإعلاميين إنه من الصعب على بروكس الاستمرار في وظيفتها كرئيسة تنفيذية في «نيوز إنترناشيونال». وقال ستيفن بارنيت لـ«بي بي سي»: «أن تترك بروكس مستمرة في عملها الحالي كمن يترك سكيرا مديرا لمصنع تقطير الكحول»، مضيفا «وعلى الرغم من الفضيحة فإنها تتمتع بدعم روبرت ميردوخ 100 في المائة. لا يمكن لأحد أن يمسها ما دامت تتمتع بهذا الدعم. أعتقد أن روبرت ميردوخ يعتقد أيضا أنه لا يمكن لأحد أن يمس مؤسسته أيضا».

تفاقم الفضيحة جاء في الوقت غير المناسب لروبرت ميردوخ الذي تنتظر مؤسسته النظر في صفقة استحواذ على باقي أسهم «بي سكاي بي»، والتي أثارت الكثير من الجدل حول مفهوم الاحتكار في العمل الإعلامي. كما أن ذلك سيزيد من الضغط على الحكومة لإيقاف الصفقة.