لوحة فنية عمرها 3 قرون تقرب بين الصين وتايوان

ارتياح لدى الجانبين لجمع جزأي «السكن في جبال فوشون» وإيداعهما متحف تايبيه

عرض اللوحة الفنية العريقة «السكن في جبال فوشون» في متحف القصر الوطني في تايبيه (نيويورك تايمز)
TT

كان واضحا أن وو هونغيو، وهو أحد الأثرياء من عائلة مينغ الحاكمة وكان يعمل في جمع الأعمال الفنية، يفتقر إلى روح المشاركة، بالنظر إلى أنه عندما كان على فراش الموت أوصى بحرق أكثر اللوحات التي يعشقها، «السكن في جبال فوشون». ولحسن الحظ، نجح ابن أخيه في اختطاف المنشار من يد المسؤول عن المراسم الجنائزية في ذلك اليوم من عام 1650، لكن كانت ألسنة النار قد نجحت بالفعل في شطر اللوحة لنصفين.

وخلال القرون الثلاثة ونصف القرن التي تلت هذا الحدث، بقي جزآ اللوحة منفصلين جراء الجشع والحرب الأهلية وتقلبات الأوضاع الجيوسياسية. وقد وجد الجزء الأصغر، البالغ عرضه 20 بوصة فقط، طريقه إلى متحف محلي في الصين الخاضعة للحكم الشيوعي، بينما انتهى الحال بالجزء الآخر الأكبر، الذي يبلغ طوله 21 قدما، في تايوان، وهي الجزيرة التي انتهى إليها القوميون الصينيون المنسحبون ـ بجانب كميات هائلة من كنوز القصر الإمبراطوري في بكين ـ بعدما خسروا الحرب الأهلية عام 1949.

وإذا كانت لوحة «السكن في جبال فوشون» غنية بالرموز والدلالات المرتبطة بتاريخ الصين المضطرب والخصام القائم بينها وبين تايوان منذ 6 عقود، فإن جزأي اللوحة اجتمعا الشهر الماضي داخل متحف القصر الوطني هنا في العاصمة التايوانية، وهو أمر اعتبر بمثابة صورة رمزية للمصالحة. وقال رئيس الوزراء الصيني وين جياباو العام الماضي لدى علمه بموافقة الصين وتايوان، اللتين لا تزالان رسميا في حالة حرب، على عرض مشترك للوحة التي يعدها خبراء من بين أهم 10 لوحات صينية: «إذا نجحنا في جمع اللوحة مجددا، فإن ذلك ممكن أيضا بالنسبة لشعبينا».

بدأ العمل في اللوحة عام 1347 على يد الفنان هوانغ غونغوانغ، وبلغت اللوحة التي تظهر بها مناظر طبيعية لقمم جبال ومنازل ريفية، درجة من النجاح أدى لظهور عشرات النسخ المقلدة منها.

حمل المعرض اسم «مشهد أعيد توحيده»، وأضيف لقائمة خطوات لافتة جرى اتخاذها منذ انتخاب رئيس تايوان ما مينغ جيو عام 2008، والذي سعى لبناء علاقات أوثق مع الصين، وذلك في تناقض مع التحركات العدائية التي انتهجها سلفه تشين شوي بيان.

ومنذ تنصيب ما رئيسا، أثمرت مجموعة من الاتفاقات التاريخية بين تايوان والصين، حصول حديقة حيوانات تايبيه على زوجين من الباندا، وافتتاح خطوط ربط جوية وبرية وبحرية مباشرة، واتخاذ ترتيبات العام الماضي سمحت لـ1.2 مليون سائح صيني بزيارة تايوان، وإنفاق أموال هناك. ومن بين الخطوات الكبرى الأخرى ما حدث الأسبوع الماضي عندما هبطت أول طائرة من السائحين الصينيين في تايوان للتجول بها من دون مراقبة.

وأسعد تنامي الروابط الثقافية والاقتصادية مع الصين الكثير من أصحاب الأعمال التايوانيين، لكنه أثار القلق بين من ينظرون إلى مثل هذه الخطوات باعتبارها محاولة لإيقاع تايوان في فخ الهيمنة الاقتصادية الصينية. وحاليا، يخضع التقارب بين الجانبين لقيود، خاصة في المجال الفني. ورغم أن متحف القصر الوطني في بكين ـ حيث كان يجري عرض اللوحة قبل انفصال الوطنيين ـ أقرض نظيره التايواني 12 مادة لعرضها في المتحف، فإن أمناء المتحف في تايبيه أصروا أنه ليس بمقدورهم إقراض الجزء الذي يوجد لديهم من اللوحة أو أي من الـ700.000 قطعة أخرى التي في مجموعتهم، حتى تسن بكين قانونا بمنع المصادرة. وقال تشو كونغ شين، مدير متحف القصر الوطني: «لم يطرح هذا الأمر حتى لمجرد المناقشة».

وقال تشين هاو، مدير متحف زهيجيانغ المحلي في هانغزهو، الذي امتلك الجزء الأصغر من اللوحة منذ عام 1956، إنه يرى ترتيبات الإقراض غير مرضية إلى حد ما. وأضاف: «أعتقد أنه ينبغي أن يكون لمتحفنا حق عرض اللوحة بأكملها أيضا. لو كنا بالفعل عاجزين عن تسوية هذه المسألة بين متحفينا، آمل أن تتمكن الحكومتان من تناول المشكلة».

ورغم أن الحكومتين تتنازعان بشأن قضايا أخرى ـ منها الصفقة المحتملة لبيع طائرات أميركية طراز «إف 16» لتايبيه أو الـ1.000 صاروخ تقريبا التي توجهها الصين تجاه تايوان عبر مضيق تايوان ـ فإن القطع الأثرية المتنازع عليها تلعب دورا مهما في الخلاف بين الجانبين.

ويشار إلى أن جميع محتويات متحف القصر الوطني في تايبيه تقريبا جرى نقلها من الصين على أيدي القوات الوطنية التابعة لتشيانغ كاي شيك في نهاية الحرب الباردة. واستمرت رحلة مليون قطعة من البورسلين والمخطوطات والخزفية 16 عاما قطعت خلالها مسافة 6.000 ميل، وهي واحدة من الملاحم الدرامية الفريدة في التاريخ الصيني المعاصر.

جرى نقل محتويات متحف القصر الوطني في البداية عام 1933، قبيل تحرك الجنود اليابانيين باتجاه بكين، لكن الوطنيين أبقوا على المقتنيات بعيدا عن أيدي القوات الشيوعية التابعة لماو تسي دونغ خلال فترة الحرب الأهلية التي استمرت 4 سنوات قبل شحن أفضل المقتنيات عبر مضيق تايوان. وقال هان ليه وو، السفير التايواني الذي ساعد في نقل المجموعة في تصريح سابق: «كان الحظ حليفنا، لم يتحطم سوى فنجان شاي». (تم ترك بضعة آلاف من الصناديق المحملة بمقتنيات من كنوز أثرية على مرسى سفينة في نانجينغ).

ورغم الكراهية العميقة التي كان ماو يكنها تجاه آثار الصين، فقد حرص على الحفاظ على سلامة المجموعة الإمبراطورية رغم تشجيعه الحرس الأحمر على تحطيم وحرق الكثير التراث القديم للصين. وقال هو تشوان هسنغ، الأمين العام لقسم اللوحات والمخطوطات بمتحف القصر الوطني: «على مدار التاريخ الصيني، شكلت البقايا الثقافية مصدرا لشرعية وسيادة رمزية. إذا امتلكت هذه الكنوز، يصبح من حقك الحكم. وكما ترون، لم يتغير الكثير على هذا الصعيد».

والملاحظ أن المسؤولين الصينيين خففوا مؤخرا من قوة مطالبهم بعودة ما يعتبرونه سلعا مسروقة، لكن وسائل الإعلام المملوكة للدولة لا تزال مصرة على وضع علامات استفهام حول متحف القصر الوطني كما لو أنها تشكك في شرعية وجوده. وحاليا، يستمتع مسؤولو المتحف في تايبيه بما يصفونه بأنه لحظة الملك توت الخاصة بهم، في إشارة إلى معرض الآثار المصرية الذي حقق نجاحا هائلا في سبعينات القرن الماضي واجتذب رقما قياسيا من الزائرين في أوروبا والولايات المتحدة.

* أسهم شيون يانغ في التقرير من تايوان وآدم سنشري من بكين

* خدمة «نيويورك تايمز»