«القضاء الموازي» للإخوان يثير مخاوف أنصار الدولة المدنية بمصر

الجماعة قالت إن «مدارس الصلح» عملت في السر أيام مبارك وفقا للشريعة

TT

فاجأت جماعة الإخوان المسلمين المجتمع المصري منذ أيام بالإعلان عن تخريج دفعة جديدة مما سمته بـ«مدرسة الصلح» التابعة لقسم البر بالجماعة، وقالت إن هذه المدرسة معنية بتخريج قضاة عرفيين يقومون بعقد جلسات صلح عرفية بين المتخاصمين في أي نزاعات اجتماعية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وقال قيادي بالجماعة لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المدرسة موجودة منذ 11 عاما لكن بشكل غير علني، وإن الجماعة لم تكن تستطيع الإعلان عنها في ظل القيود الأمنية التي كان يفرضها عليها النظام السابق.

وأثار هذا الإعلان حفيظة العديد من القوى السياسية المدنية والقضائية في مصر، واعتبروه بمثابة قضاء مواز للقضاء الوطني المصري الرسمي، وأنه بداية لفرض دولة دينية تحكمها الشريعة الإسلامية فقط، مؤكدين أن هذه لمسألة لا يجب أن تمر مرور الكرام، وأن على الدولة أن تسعى لمعرفة هذا التكوين «السري» الذي اكتشف الجميع أنه موجود منذ سنين.

وشهد الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مساء الأحد الماضي تخريج عدد 125 من القضاة العرفيين من محافظتي الشرقية وكفر الشيخ. وأكد بديع خلال حفل التخرج أن مدارس الصلح العرفية وسيلة الجماعة لنصرة المظلوم في كلِّ بقاع الأرض. وهي واجبة، سواء كان المظلوم مسلمًا أو غير ذلك، مشددًا على أن العهد السابق أسهم في إهدار الحقوق ونشر البلطجة.

وأكد الدكتور عبد الرحمن البر، مسؤول ملف البر بالجماعة، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه المدارس موجودة منذ 11 عاما لكن لم نكن نستطيع الإعلان عنها في ظل النظام السابق بسبب القيود الأمنية الشديدة والملاحقات التي تتعرض لها الجماعة. وقال: «هناك حاجات كثيرة لم نسمع عنها أي شي ولو أن أحدا سمع عنها شيئا لما أصبحت شيئا».

وأوضح البر أن قضية الإصلاح بين المتخاصمين هي مسألة معروفة في الشعب المصري بشكل عام ودائما ما يلجأ المصريون إلى محاولات الإصلاح والتحكيم العرفي لإنهاء أي نزاع بينهم بسهولة، وأن الإخوان بدورهم الطبيعي في المجتمع كأصحاب فكرة إصلاحية يقومون بهذه المهمة بشكل طبيعي يفرضها عليهم دورهم الاجتماعي، خاصة أن منهم علماء من أهل العلم والفقه وأصحاب الخبرة ومن له وجاهة في المجتمع.

وأكد البر أن المدرسة ترى أنه من الأفضل تأهيل هؤلاء القضاة العرفيين بإعطائهم مواد علمية وثقافية، حتى يكونوا مؤهلين للقيام بهذا الدور بشكل صحيح. مشيرا إلى أن هذه المدارس تخضع لنظام تعليمي محكم لمدة عامين، ويدرس فيها الدارسون 16 مادةً من مواريث وأحكام الزواج والطلاق والحدود والتعزير، وأصول التحكيم والصلح الودي، والفقه المقارن، وغيرها من الدراسات التي تسهم في إيجاد حلول للقضايا التي يحدث فيها النزاع مثل الخلافات المالية وقضايا الأسرة، والتخطيط في المدن وقوانين المساحة.

وأشار البر إلى أن هذه المحاكم تعتمد على الحكم الشرعي وفقا للشريعة الإسلامية لأن هذا هو ما يريح الخصوم ويرضيهم، نافيا أن تكون قضاء بالمعنى الموازي أبدا، وقال «هي مجالس يتم فيها الصلح برضا الطرفين».

وعن قانونية مثل ذلك، أكد البر أن القانون يوجد به «الصلح والتحكيم الودي»، وأن إقامة مجالس للتحكيم شكل قانوني، وينص القانون على التوجه للمحكمة الرسمية خلال 30 يوما من الحكم العرفي للتصديق عليه حتى يصدر به حكم قضائي ابتدائي. ونفى البر أن يكون هؤلاء القضاة يتقاضون أي أجر مادي نظير عملهم، رغم أن القانون يبيح ذلك، على حد قوله.

وأوضح عيد دحروج، مسؤول ملف مدارس الصلح، أن المحاكم العادية تشهد 8 ملايين حكم لا يستطيع أصحابها تنفيذها، و20 مليون قضية لا يبتُّ فيها، لذا تأتي مدارس الصلح لتسد العجز في هذا المجال، مشيرا إلى أن هذه المدارس، التي يدرس بها 250 ألف قاض على مستوى الجمهورية، تطبق شرع الله، والقضاة الذين يتخرجون فيها يطبقون الفقه الإسلامي.

من جهتها، أكدت المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، أنها فوجئت بمثل هذا الإعلان، واصفة هذه المدارس بأنها «من الكوارث التي نكتشفها حاليا»، واعتبرتها بمثابة قضاء مواز للقضاء الوطني.

وقالت الجبالي إنه لا يوجد في مصر شيء اسمه القضاء العرفي ولا يوجد تقنين له، وأن كل ما في الأمر هو أن هناك بعض الظواهر الاجتماعية التي تتم من خلال محافظات نائية مثل سيناء ومن خلال بعض المناطق التي تحتوي على قبائل عربية فيها أعراف وعصبيات، وتسمى «المجلس العرفي» وليس «القضاء العرفي»، لكن «بهذا الشكل كنظام متكامل فغير موجود».

وأكدت الجبالي أن الإعلان عن هذه المدارس بهذه الصيغة معناه أن الإخوان جادون في بناء دولة موازية للدولة المصرية، وأنه بداية لفرض دولة دينية، وهو أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام. ودعت الجبالي الدولة والحكومة المصرية إلى أن تسعى لمعرفة هذا التكوين الموازي الذي تم تخريجه في الأرض وموجود منذ سنين، والذي اعتبرته «جزءا من تنظيم سري سابق يتم الإعلان عنه على الملأ». كما دعت القضاة إلى مناقشة وبحث الأمر وأخذ موقف.