دبلوماسي غربي في دمشق لـ «الشرق الأوسط»: بقاء النظام السوري يعتمد على تغيير سياساته

واشنطن تدافع عن زيارة فورد إلى حماه.. وتؤكد إبلاغ الحكومة السورية بذلك

متظاهرون يرفعون العلم السوري في عربين، في ريف دمشق أمس
TT

صرح دبلوماسي غربي في دمشق لـ«الشرق الأوسط» بأن بقاء نظام الرئيس السوري بات يعتمد على «تغيير سياساته» وبشكل سريع مع تفاقم المظاهرات والاحتجاجات على ممارساته. ولكن أضاف الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن «الوقت ينفد» أمام الحكومة السورية لتغيير سياساتها والاستجابة للمطالب الشعبية. وتابع أنه «في النهاية، الشعب السوري هو الذي يقرر» إذا كان الوقت قد نفد حقا أمام النظام السوري لتحقيق إصلاحات داخلية كافية.

وتحدث الدبلوماسي عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط» من دمشق، وكان من بين الذين زاروا حماه أمس، قائلا إن «أهالي حماه أرادونا أن نشهد ما يحدث هناك». ونفى الدبلوماسي ما تقوله الحكومة السورية عن وجود عصابات مسلحة تسيطر على حماه، مؤكدا: «لم نر عصابات مسلحة ولم نر أحدا يحمل أي أسلحة ما عدا عددا قليلا من الذين حملوا العصي». وأضاف: «هناك حواجز وضعها أهالي المدينة وعادة ما يحرسها شباب، فقد أقام أهالي حماه هذه الحواجز بسبب ممارسات المخابرات (السورية) ودخولها المدينة ليلا للقيام بالاعتقالات من دون أي أوراق قضائية» حول هذه الاعتقالات.

وتابع: «قال الأهالي بأن هناك الآلاف من المعتقلين ولكن ليس لدينا المقدرة على تأكيد ذلك، وهناك شعور حقيقي بالخوف هناك وخاصة في الليل حيث يظهر (عناصر) المخابرات». ولكن في الوقت نفسه، أكد الدبلوماسي أن «المدينة ليست محاصرة، ورأينا فقط نقطة تفتيش واحدة تابعة للسلطات السورية في طريقنا إلى المدينة». وأضاف: «هناك بعض القوات العسكرية بالقرب من حماه ولكن كانت دائما هناك قواعد عسكرية هناك، لم ينتابنا الشعور بأن هناك هجوما عسكريا وشيكا على حماه أو احتمال تدخل عسكري وشيك، بل في المدينة نفسها كان هناك فقط نحو 6 عناصر من الجيش يجلسون تحت ظل شجرة يشربون الشاي، ونحو 6 آخرين يجلسون بالقرب من مقر الشرطة يشربون الشاي». وأكد الدبلوماسي أن «أهالي حماه كانوا مهتمين كثيرا بالتحدث عما يحدث، وخاصة حول الشاعر وقائد المسيرات إبراهيم القاشوش.. عدد من أهالي حماه قالوا إنهم سعيدون بوجودنا».

يذكر أن حماه تشهد إضرابا عاما وأغلق نحو 99 في المائة من المحلات والمتاجر فيها. وشدد الدبلوماسي على أنه «من الضروري أن يفهم الناس أنه بينما الحكومة (السورية) تقول بأن هناك مجموعات مسلحة (في حماه) لم نر أي مجموعات مسلحة، رأينا شبابا غير مسلحين ويشعرون بالخوف من اعتقال عناصر المخابرات لأهاليهم».

وهناك اهتمام غربي كبير بحماه والتطورات فيها، حيث توجه كل من السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد والسفير الفرنسي في دمشق اريك شفلير وعدد من الدبلوماسيين إلى حماه أمس. وردا على سؤال حول أهمية حماه، قال الدبلوماسي الغربي: «حماه مهمة حاليا بسبب التاريخ الذي مر فيها ونحن نفهم هذا التاريخ من عام 1982، وأيضا لأنه كانت فيها مظاهرات منذ نحو شهر وكانت تلك المظاهرات شبه سلمية كليا وقد اجتمع أهالي المدينة وقاموا بالتظاهر السلمي». وأضاف: «هذا النموذج من المظاهرات السلمية وغير المسلحة مهم جدا كي تتجنب سوريا المواجهات المسلحة أو الطائفية». واعتبر الدبلوماسي أنه من الضروري جدا «احترام حرية التعبير للطرفين، لكل أنواع التعبير، المؤيدة للحكومة والمعارضة لها». وأضاف أنه «من دون شك، المتظاهرون في حماه يطالبون بإسقاط النظام، ولكن هناك كثيرون آخرون في سوريا يقولون إنهم يريدون إبقاء النظام»، موضحا: «التحدي هو هل يمكنهم أن يعثروا على طريقة للتوصل إلى حل سلمي.. يجتمع الجميع على أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، يجب أن يكون هناك انتقال، السؤال هو كيف يمكن الانتقال من الوضع الحالي إلى حكومة جديدة ونظام جديد، وهذا سيكون صعبا». وأردف قائلا: «لست متأكدا أن هذا الرئيس يستطيع ذلك، الخطوات التي رأيناها هذا الأسبوع لا تطمئن».

وبينما سلطت أنظار العالم في اتجاه حماه، هناك تساؤلات عن إمكانية نجاح الحوار الوطني الذي دعت إليه الحكومة السورية، قال الدبلوماسي الغربي: «من دون اتخاذ الحكومات خطوات معينة لا أعتقد أن تتغير المظاهرات في الشارع أو التقدم إلى الأمام، على الحكومة أن تستجيب لمطالب المتظاهرين، لا يمكن أن تواصل الحكومة السورية تجاهل هذه المظاهرات التي باتت كبيرة جدا». وأضاف الدبلوماسي: «من المهم أن يتوصل السوريون إلى طريقة سلمية لحل الأزمة.. من الضروري أن تتحرك الحكومة بسرعة للسماح بالتظاهر السلمي وعدم الاعتداء على المتظاهرين وإطلاق الآلاف من المعتقلين السياسيين.. على الحكومة أن توقف التحريض الإعلامي ضد المتظاهرين». وتابع: «على الحكومة السورية معرفة أن من مصلحتها أن تغير سياساتها».

وتقلل الدول الغربية من أهمية اتهامات الحكومة السورية بالتدخل الأجنبي في المظاهرات والمطالب الداخلية.

من جهتها، دافعت الإدارة الأميركية أمس عن قرار السفير الأميركي في دمشق بزيارة مدينة حماه وتقصي الأوضاع فيها. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «إنه يقوم بمهامه كسفير، وقام بهذه الزيارة من أجل معرفة ماذا يحدث في حماه». وكانت زيارة فورد بمثابة برهنة من الإدارة الأميركية حول أهمية إبقاء سفيرها في دمشق على الرغم من كثرة المطالب الداخلية والخارجية بسحبه مع تفاقم الأزمة في البلاد.

وردا على اتهامات الحكومة السورية بأن فورد لم يبلغ السلطات السورية بهذه الزيارة، أكد المسؤول الأميركي أنه «أبلغ الحكومة السورية، ولكنه لم يكن يطلب إذنا منها». وأضاف المسؤول أن لدى فورد القدرة على التوغل في سوريا بمقدرته كسفير فيها وأنه في الوقت نفسه يبلغ السلطات المعنية بتحركاته. وبينما كان فورد قد زار بلدة جسر الشغور في زيارة نظمتها السلطات السورية وكان يرافقه مرافق سوري، كانت زيارته إلى حماه يومي أول من أمس وأمس بناء على رغبته ومن غير مرافقة رسمية. وامتنع المسؤول الأميركي عن توضيح كيفية اتخاذ قرار فورد بزيارة حماه، مكتفيا بالقول بأنه «يأتي ذلك ضمن مهام السفير لمعرفة ما يحدث». يذكر أن فورد مكث في الفندق الوحيد في حماه ولم يتعرض إلى مضايقات فيها، وكانت لديه حرية الحركة في المدينة والتواصل مع سكانها.

وتأتي زيارة فورد إلى حماه في وقت تدرس فيه الإدارة الأميركية الخيارات أمامها للتعامل مع الأزمة في سوريا، وسط ضغوط داخلية لاتخاذ إجراءات أكثر حزما. وتقود رئيسة لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس النواب الأميركي عضو الكونغرس الجمهورية الينا روس -ليتينان، المطالبة بسحب فورد من سوريا. إلا أن مصادر أميركية رسمية تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أهمية إبقاء فورد في سوريا خلال هذه الفترة الحساسة. وفي حال قررت واشنطن سحب سفيرها، بعد أن غاب عن دمشق خلال 5 سنوات قبل تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئاسة، هناك إدراك في الإدارة الأميركية بأنه سيكون من الصعب جدا إعادته. ولذلك، حتى الآن، اتخذ القرار بإبقاء فورد في مهامه.