باريس «قلقة» من طريقة تعاطي الحكومة اللبنانية الجديدة مع المحكمة الدولية

تطمينات ميقاتي في مجلس النواب لم تقنع فرنسا.. والخارجية تترقب «الأفعال»

TT

لم تقتنع فرنسا بكلام رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، مباشرة قبل التصويت على الثقة في حكومته، حول عزمه «استمرار التعاون مع المحكمة الدولية وفق قرار مجلس الأمن الذي أوجدت بموجبه». وأبدت باريس تحفظات ومخاوف حول ما ستقوم به الحكومة فعلا، لتخلص إلى القول إنها «تنتظر الأفعال» بعد أن سمعت الأقوال.

وبعد أن أخذت الخارجية الفرنسية علما بتبني المجلس النيابي اللبناني لبيان الحكومة، أعربت في بيان رسمي أصدرته أمس عن «قلقها» للصياغات التي استخدمتها الحكومة الجديدة للحديث عن المحكمة، والتي رأت فيها باريس «تشكيكا في حيادية ومهنية» القضاء الدولي. ويبدو أن باريس تشير إلى الفقرة التي استخدم فيها البيان كلمة «مبدئيا» من حيث هدف المحكمة التوصل إلى العدالة.

وتتناغم الانتقادات الفرنسية مع الانتقادات الأوروبية التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون، التي تحدثت عن «غياب التزام واضح» من الحكومة بالتعاون مع المحكمة، وهو ما ركزت عليه المعارضة في انتقادها للبيان الوزاري وتبرير حجبها الثقة عن الحكومة.

ووجهت الخارجية الفرنسية بلسان الناطق باسمها برنار فاليرو ما يشبه التحذير للحكومة اللبنانية، إذ أكدت أن ما يهمها هو «الأفعال» أي طريقة تعاطي حكومة ميقاتي مع المحكمة. وجاء في بيان الخارجية أن باريس «تجدد دعمها الكامل» لعمل المحكمة الهادف إلى البحث عن الحقيقة ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب منوهة بأنها، ككل المحاكم الدولية «تعمل باستقلالية وتحرص على احترام صارم لحقوق الدفاع».

وذكرت باريس الحكومة اللبنانية بـ«واجباتها» الدولية، و«تحديدا» التعاون مع المحكمة، منبهة إلى أنها «ستتابع بأكبر اهتمام» التدابير التي تتخذها الحكومة في هذا الشأن في الأسابيع القادمة، في ما يبدو أنه تلميح إلى القبض على المتهمين الأربعة وتسليمهم للقضاء الدولي ودفع لبنان ما يتوجب عليه لتمويل المحكمة والإبقاء على القضاة اللبنانيين الذين انضموا إليها.

وإذا كانت باريس تعتبر أن وجود حكومة لبنانية أفضل من الفراغ الحكومي، فإنها ترى في الوقت عينه أنه تترتب على الحكومة «واجبات» لا تستطيع التهرب منها باللعب على الكلمات وباللجوء إلى الأسلوب الإنشائي. كذلك، فإن باريس ترفض الخيار ما بين العدالة والاستقرار، وتعتبر أن للبنانيين الحق في الاثنين معا.

غير أن بيان الخارجية لا يعني أبدا أن البوابة الباريسية أغلقت في وجه الحكومة، أو أن فرنسا تستجيب لمطالب حركة 14 آذار التي دعت إلى مقاطعة حكومة ميقاتي في حال فرطت في التزامات لبنان بخصوص المحكمة. ويفهم من بيان الخارجية، وفق مصادر واسعة الاطلاع، أن ما ورد فيه يعد تحذيرا من جهة للحكومة، لكنه في الوقت عينه تقوية لموقع ميقاتي الذي يستطيع أن ينبه حلفاءه داخل الحكومة بأن أي ابتعاد عن الالتزامات المترتبة على لبنان بموجب قرار إنشاء المحكمة وبروتوكولات التعاون الموقعة معها من شأنه إضعاف لبنان دوليا وعزله دبلوماسيا، مما سيتستجلب عليه نقمة المجتمع الدولي.

وبموازاة ذلك، تحرص باريس على عدم إعطاء الانطباع بأنها تتدخل في المسائل الداخلية اللبنانية، لذا تركز على البعد الدولي لالتزامات لبنان.

وكانت باريس لعبت دورا رائدا في الدفع باتجاه إنشاء المحكمة التي دافعت عنها باستمرار ودعمتها سياسيا وماديا في وجه من اتهمها بالتسييس وبأنها خاضعة لتوجيهات أميركية - إسرائيلية. غير أن المصادر الفرنسية تؤكد أن باريس لا تؤيد إحراج لبنان، وأنها تعرف «وضعيته»، مضيفة أن الغرض مما تقوله هو المحافظة على «صدقيته» الدولية بما في ذلك تنفيذ القرار 1971 الذي أنشأ قوة اليونيفيل المعززة ووضع حد للحرب الإسرائيلية على لبنان.

ومن باب الصدقية وتحمل المسؤولية، تنتقد باريس «أداء» لبنان في مجلس الأمن الدولي في ما يخص الموضوع السوري، ورفض لبنان أي قرار أو بيان تكون فيه إدانة للجوء السلطات السورية للعنف والقمع في التعاطي مع الحركة الاحتجاجية التي انطلقت منذ أكثر من ثلاثة أشهر.