المصريون في جمعة «الثورة أولا» يصرون على تصحيح المسار

شباب الثورة استنكروا دعوة «الإخوان» لاستلهام التجربة الإيرانية

اشتعل ميدان التحرير في «جمعة الثورة أولا وتصحيح المسار» بحشد جماهيري مليوني مطالبا بسرعة محاكمة الرئيس السابق مبارك وتحقيق أهداف الثورة (رويترز)
TT

اشتعل ميدان التحرير في جمعة «الثورة أولا وتصحيح المسار» بحشد جماهيري مليوني، واستعاد شرعيته الثورية مجددا في مشهد غاب لنحو 6 أشهر عن الساحة المصرية.. بينما لم تتضح الرؤية حول استمرار المتظاهرين في الاعتصام بالميدان لحين تحقيق أهداف الثورة، وهو ما طالبت به غالبية القوى السياسية والشعبية، والتي أعادت نداءها المتكررة للدكتور عصام شرف بمناصرتها والالتحاق بها في الميدان، الذي شهد تنصيبه رئيسا للوزراء، إلا أنه لم يستجب.

وأعلن عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين نيتهم مشاركة الأطياف السياسية في الاعتصام المزمع، بعيدا عن قرار الجماعة الرسمي باقتصار المشاركة على المظاهرة المليونية والانصراف قبيل الغروب. ليبلغ عدد من تأكد اعتصامهم بالميدان (حتى عصر أمس) نحو 5 آلاف شخص.

ورغم حرارة الجو الشديدة، توافد آلاف المصريين على ميدان التحرير وسط العاصمة منذ الساعات الأولى من يوم أمس ليلتحموا بمئات من المعتصمين الذين باتوا ليلة الخميس بالميدان في الإعداد والتجهيز لمليونية الجمعة، ما بين نصب المظلة الكبيرة في وسط الميدان، أو إعداد المنصة الرئيسية، إلى جانب تكوين لجان شعبية لتأمين أرجاء الميدان والشوارع المحيطة.

ورغم نية المشاركين على توحيد الهدف من المليونية وترك الخلاف جانبا، والتضامن من أجل حقوق شهداء ثورة 25 يناير ومصابيها، مع المطالبة بسرعة محاكمة رموز النظام السابق علنيا، فإن مظاهر خلاف ظهرت على الميدان مبكرا حين انفصل ممثلو الإخوان ليقيموا منصة خاصة بهم في واجهة المنصة الرئيسية، على الجانب الآخر من الميدان، عقب رفض ممثلي شباب الثورة أن يعتلي الإخوان منصتهم الرئيسية.

وبرر شباب الثورة رفضهم استقبال الإخوان بـ«تراوح موقفهم» من المشاركة منذ بداية الدعوة إلى المليونية ما بين إعلان الرفض ثم القبول، إلى جانب إعلانهم أن مشاركتهم ستقتصر على التظاهر دون الاعتصام. وعلق محمد سليمان، أحد شباب الثورة، على موقف الإخوان قائلا: «أرادوا المشاركة بعد التأكد من اتفاق الجميع على المليونية، ولكنهم ما زالوا يحاولون عدم فقد حبال الود مع النظام برفضهم للاعتصام.. على كل حال أهلا بهم كمشاركين، ولكن لن نسمح لهم مجددا بركوب الثورة!».

وكاد الأمر ينفلت حينما أشار أحد أعضاء الجماعة في حديثه إلى أهداف اليوم قائلا: «نحن أتينا لنوصل رسالتين، الأولى أننا نريد المحاكمة، وعلينا أن نستلهم في المحاكمة ما حدث في الثورة الإيرانية الإسلامية لأنها أفضل نموذج نطبقه. بالإضافة إلى أننا نريد الإفراج عن الشيخ رائد صلاح».. وهو ما رد عليه شباب المتظاهرين بالهتاف: «جايين ليه.. لا أحزاب ولا إخوان.. الشعب المصري في الميدان».

واستمرت المشاكسات بين الجانبين حين قام المتظاهرون من ائتلاف شباب الثورة بالهتاف ضد المجلس العسكري، فقام أعضاء جماعة الإخوان بالتكبير لتغطية أصواتهم، وهو ما دعا شباب الائتلاف إلى اتهامهم بعقد صفقة مع النظام.. قبل أن يتدخل بعض العقلاء لتهدئة الموقف هاتفين «إيد واحدة.. إيد واحدة»، ليردد الجانبان الهتاف خلفهم.

كما ظهر الخلاف مجددا عند صلاة الجمعة، حيث شهدت ساحة الميدان جمعتين للصلاة، وأكد شهود عيان أن الإخوان طلبوا أن يقوم أحدهم بإمامة الصلاة، إلا أن جموع الحاضرين رفضوا وأقاموا الصلاة خلف الداعية الإسلامي الشيخ محمد جبريل، في حين قام الإخوان بالصلاة أمام منصتهم.. بينما اكتظت المساجد المحيطة بالمصلين، بعد أن امتلأت الساحة الرئيسية للميدان.

وفي خطبته، طالب الشيخ جبريل بتشكيل مجلس قضائي انتقالي يتولى محاكمة قتلة الثوار والرئيس السابق حسني مبارك وأسرته وجميع رموز النظام السابق، مبديا دهشته من عدم إدانة أركان النظام السابق حتى الآن، بحسب قوله، رغم قيامهم بإفساد كافة جوانب الحياة المصرية.

وجدد جبريل مناشدة مختلف القوى السياسية بالتوحد ونبذ الفرقة، مناديا باستمرار الثورة في البلاد لحين تحقيق جميع مطالبها. ثم قام جبريل بإمامة الحاضرين في صلاة الغائب على أرواح شهداء الثورة والثورات العربية الأخرى، ثم أداء صلاة العصر جمع تقديم.

وعقب الانتهاء من أداء الصلاة ردد المتجمعون بالميدان العديد من الهتافات التي رجت الميدان، وتوافد على الميدان آلاف من المصريين القادمين في مسيرات جماعية من مناطق التجمعات الرئيسية أمام المساجد والكنائس في مختلف أنحاء القاهرة الكبرى، لمشاركة مئات الآلاف من المتظاهرين بالتحرير.. وسط دوي الهتافات الحماسية بالميدان، ومنها «الله أكبر.. الله أكبر، إيد واحدة.. إيد واحدة، حرية.. حرية.. سلمية.. سلمية، الشعب يريد محاكمة الرئيس، القصاص القصاص.. ضربوا ولادنا بالرصاص».

وشهد الميدان توزيع اللجنة المنظمة ليوم 8 يوليو (تموز) استبيان رأي على المتظاهرين، يطلبون فيه تقييمهم لأداء المجلس العسكري خلال الفترة التي أعقب الثورة، وتقييم أحداث اليوم، إضافة إلى الأسباب التي دعت المواطنين للمشاركة.

وقامت اللجان الشعبية المكلفة بالتأمين بالتأكد من هويات كافة الوافدين إلى الميدان وتفتيشهم بشكل لائق لضمان عدم اندساس أي من العناصر الخارجة على القانون في صفوف المتظاهرين، وهو ما قابله الوافدون بكل ترحاب. كما قاموا بتنسيق الدخول والخروج إلى الميدان والشوارع الرئيسية المحيطة به، إضافة إلى القادمين من محطات مترو الأنفاق، والتي قامت الإذاعة الداخلية بها بمناشدة المواطنين التعاون مع شباب اللجان.

وتمكنت اللجان من ضبط عدد من البلطجية، من بينهم فرد أمن سابق (أمين شرطة) بوزارة الداخلية، ممن يحوزون أسلحة بيضاء، وقاموا بتقييدهم في أعمدة الإنارة بالميدان لحين تسليمهم إلى الشرطة العسكرية. بينما قام عدد من الشباب بتأمين المتحف المصري على مدار اليوم.

كما أحبطت اللجان والجماهير دعوات بعض المتظاهرين بالتوجه إلى مقر وزارة الداخلية ومقر جهاز أمن الدولة (المنحل)، ومنعت اللجان حدوث اشتباكات بين المتظاهرين وعدد من الباعة الجائلين، الذين حاولوا التمركز في ساحة الميدان، إلا أن الأمر استقر على إبعاد الباعة إلى أطراف الميدان.

وخصصت وزارة الصحة 40 سيارة إسعاف مجهزة و8 عيادات متنقلة حول الميدان، إضافة إلى 40 سيارة احتياطية. كما تم رفع درجة الاستعدادات القصوى بأقسام الطوارئ والإسعاف في جميع المستشفيات خاصة تلك القريبة من الميدان. فيما أصيب العشرات من المتظاهرين المحتشدين بحالات إغماء بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتزاحم الشديد بالميدان، وقامت سيارات الإسعاف بنقلهم إلى مستشفيات قريبة لإسعافهم، بالإضافة إلى استقبال العيادة الميدانية أمام مسجد عمر مكرم للعديد من الحالات.

وشهد الميدان العديد من اللافتات الضخمة التي تحمل مطالب الثورة، بينما توسط الميدان لافتة تطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين والمحالين إلى المحاكمات العسكرية من الناشطين المصريين، وتستنكر إخلاء سبيل قتلة شهداء الثورة.. ومن بينها «الشعب يريد محاكمة مبارك، الشعب يريد تطهير القضاء، نقابة مستقلة = وطن مستقل، النقابات المستقلة وجدت لتبقى، الشعب يريد تطهير الصحافة والإعلام المصري، إقالة الوزراء والمحافظين من النظام السابق، حق الشهداء مش هيضيع، الثورة أولا.. تطهير بجد.. محاكمات بجد.. حكومة بجد، وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين».. إضافة إلى صورة كبيرة للشهيد اللواء محمد البطران، رئيس مباحث السجون، الذي استشهد أثناء دفاعه عن سجن القطا الجديد خلال الثورة.

واهتمت وسائل الإعلام المختلفة بالوجود بالميدان منذ الصباح الباكر، إلا أن المتظاهرين رفضوا وجود ممثلي محطة «سي بي سي» الفضائية الخاصة، بدعوى أن القائمين عليها من الموالين للنظام السابق.. وقام المتظاهرون بطرد طاقم العمل خارج الميدان في حماية لجان التأمين الشعبية.

وطاف عشرات المتظاهرين الميدان حاملين علما مصريا بلغ طوله نحو 50 مترا، مرددين هتاف «ارفع رأسك إنت مصري»، بينما ترددت الهتافات المطالبة بالقصاص والأغاني الوطنية من خلال الإذاعات الداخلية للميدان.

وحظيت والدة الشاب خالد سعيد باحتفاء خاص من قبل المتظاهرين، الذين تحلقوا حولها مرددين الهتافات المطالبة بالقصاص والعدالة. فيما جال عشرات المتظاهرين أرجاء الميدان حاملين نعشا رمزيا كتبوا عليه «القضاء المصري».

ومن جانبه، طالب الشيخ مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، في كلمة ألقاها وسط الحضور، المجلس العسكري بمحاكمة قتلة الثوار، وفي مقدمتهم الرئيس السابق ورموز نظامه، محاكمة علنية.

وقال شاهين إن قرار محكمة السويس بإخلاء سبيل الضباط المتهمين بقتل وإصابة المتظاهرين استفز مشاعر أسر الشهداء وثوار مصر الأحرار.. مشيرا إلى أنه «ليس هناك تعليق على أحكام القضاء، ولكنّ هناك خللا كبيرا على ما يبدو في الإجراءات التي أحيل من خلالها المتهمون إلى المحاكمات»، بحسب قوله.

وناشد شاهين جموع المحتشدين بالميدان وكل الثائرين في ربوع مصر إلى الوحدة تحت راية واحدة شعارها «مصر أولا»، مشددا على ضرورة وجود حكومة قوية تستطيع أن تلبي مطالب الشعب الذي ثار من أجل حياة كريمة.

كما ألقى المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة السابق، كلمة بين المتظاهرين استنكر فيها تعيين العديد من الوزراء الحاليين في حكومة الدكتور عصام شرف، على الرغم من عضويتهم في لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل.. وشدد على استمرار الثورة في جميع أرجاء البلاد حتى تتحقق مطالبها، وعلى رأسها محاكمة قتلة الثوار.

ولم يغب مرشحو الرئاسة المحتملون عن الأحداث، حيث أعلنت الإعلامية بثينة كامل عن مشاركتها في الاعتصام المزمع في التحرير، بينما شارك أمين عام جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى المتظاهرين في صلاة الجمعة وظل بالميدان لنحو ساعتين. كما وصف أيمن نور الدعوة للتظاهر والاعتصام في ميدان التحرير بأنها محاوله لإنقاذ الثورة.

وقبيل المغرب، ظهرت بوادر استعدادات المعتصمين للمبيت بالميدان، حيث بدأوا في نصب الخيام تحت المظلة الكبيرة التي تتوسط الميدان.. ورغم تباين المظهر ما بين خيام اجتمع حولها شباب من الجنسين يرددون الأغاني الحماسية والوطنية، وأخرى ينفصل فيها الشباب المنتمون للتيار الإسلامي عن الإناث، ويرددون الآيات القرآنية، فإن الأهداف اجتمعت حول ضرورة تحقيق مطالب الثورة والاستمرار في الاعتصام لحين تنفيذ تلك المطالب.