فضيحة القرصنة الصحافية تدخل مرحلة الاعتقالات وتثير زوبعة سياسية

اعتقال المساعد السابق لرئيس وزراء بريطانيا في القضية.. والمعارضة تحاول تسجيل أهداف ضد الحكومة

آندي كولسون
TT

دخلت فضيحة القرصنة الصحافية البريطانية، أمس، مرحة جديدة حولتها إلى قضية سياسية مع حملة الاعتقالات التي بدأت بأحد مساعدي رئيس الوزراء السابقين، والتي أعطت زعيم المعارضة العمالية إيد مليباند فرصة سياسية فريدة ليسجل على خصمه ديفيد كاميرون أهدافا سياسية كان في أمسّ الحاجة إليها خلال الفترة السابقة بسبب فشله في تسجيل أي كدمات ضد الحكومة الائتلافية منذ انتخابه زعيما للحزب قبل عام.

ذكرت الشرطة البريطانية، أمس الجمعة، أنه جرى اعتقال آندي كولسون، رئيس تحرير «نيوز أوف ذي وورلد» السابق، الذي عمل لفترة مديرا للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على خلفية اتهامات بالفساد والتنصت على محادثات هاتفية. وجاء اعتقال كولسون، 43 عاما، بعد يوم من الدراما السياسية والإعلامية التي أعطت القصة اهتماما عالميا بعد أن قرر قطب الإعلام الأسترالي روبرت ميردوخ إغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» المتهمة بالتنصت على الهواتف على الرغم من تاريخها الطويل الذي يمتد إلى أكثر من 168 عاما.

وأوضحت الشرطة، في بيان، أن كولسون يشتبه في «مشاركته في عمليات تنصت غير قانونية» وفي «عمليات فساد». ومثل كولسون أمام الشرطة في جنوب لندن حيث «أوقف».

وذكرت صحيفة الـ«غارديان»، التي كانت السباقة في فضح قضية القرصنة قبل أشهر، أن السلطات تتهم كولسون بأنه كان على علم بقيام الصحيفة بالتنصت على هواتف الكثير من الشخصيات البارزة. كان كولسون يقول دائما إنه لم يعلم مطلقا بقيام بعض الصحافيين في الصحيفة بالتنصت على مكالمات شخصيات معروفة في عالم السياسة والمجتمع. وجاءت هذه الاعتقالات بعد الضجة التي سببها تقرير صحيفة الـ«غارديان» هذا الأسبوع، الذي وسع من رقعة الفضيحة التي استمرت لفترة طويلة والتي ركزت في البداية على «أهداف» في عالم الملكية والسياسة والمشاهير، مع الكشف عن أن الصحيفة تنصتت على الهاتف الجوال الخاص بفتاة مراهقة تدعى ميلي داولر كانت قد تعرضت للاختطاف والقتل عام 2002، وكانت ريبيكا بروكس هي رئيسة التحرير في ذلك الوقت.

كما أعلنت الشرطة البريطانية «اسكوتلانديارد»، أمس الجمعة، القبض على مراسل صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» السابق للشؤون الملكية على خلفية فضيحة التنصت. ويحتجز كليف غودمان، 53 عاما، على خليفة مزاعم بالفساد مفادها أن موظفي الصحيفة قاموا بدفع مبالغ مالية لعناصر الشرطة مقابل الحصول على معلومات. كان غودمان، الذي يعمل حاليا في صحيفة شعبية أخرى، قد قضى بالفعل عقوبة بالسجن لمدة 4 أشهر عام 2007، بعد إدانته بالتنصت على هواتف جوالة تخص مستشارين ملكيين، من بينهم أعضاء في طاقم ولي العهد. وتأكدت أنباء القبض عليه، بعد ساعات فقط من إعلان اسكوتلانديارد عن اعتقال آندي كولسون.

وأعلنت سو إيكرز، مساعدة رئيس جهاز شرطة لندن، أول من أمس، أن جهازها يقوم حاليا بدراسة أكثر من 11 ألف صفحة تحتوي على 4000 اسم قد تكون لها علاقة بقضية التنصت الذي قامت به صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد». وقالت إن طاقمها سيقوم بالاتصال بكل شخص يرد اسمه في قوائم المعلومات الشخصية التي تم احتجازها لدى الجهاز منذ 2005.

رئيس الوزراء كاميرون تربطه علاقات تعود إلى عدة سنوات مع الصحيفة التي يحاول السياسيون إرضاء خاطرها لتأثيرها على الناخب البريطاني بسبب عدد قرائها الذي يصل إلى أكثر من 7 ملايين. ويرتبط كاميرون بعلاقات عائلية مع ريبيكا بروكس، الرئيسة السابقة للصحيفة، التي رفضت أن تستقيل من موقعها كرئيسة تنفيذية لمؤسسة «نيوز إنترناشيونال» على الرغم من المطالبات، كونها ما زالت تتمتع بدعم كامل وثقة روبرت ميردوخ، رئيس «نيوز كوربوريشن». وترفض بروكس الاتهامات الموجهة ضدها وتنفي أي معرفة بقضية القرصنة التي مورست ضد أشخاص خلال تربعها على رئاسة تحرير الصحيفة. ويتوقع الكثير من المراقبين أنه من الصعب عليها الاستمرار في عملها، خصوصا أن إمكانية اعتقالها من قبل جهاز الشرطة أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

اعتقال كولسون، وربما اعتقال ريبيكا بروكس، سيضع ديفيد كاميرون في موقع لا يحسد عليه. وقال أحد المعلقين: «إنه دخل فعلا المجاري»، لكن السؤال هو: كيف سيتمكن من الخروج من هذا المأزق وينقذ سمعته؟ وأضاف بيتر أوبورن، المعلق السياسي في صحيفة الـ«ديلي تليغراف» قائلا: إن «سمعة» رئيس الوزراء «قد تلطخت، ربما بشكل دائم».

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الجمعة، تشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة قاض، حول عمليات التنصت غير القانونية التي أجرتها الصحيفة، وذلك بالتزامن مع تحقيق تجريه الشرطة. وقال رئيس الحكومة، في مؤتمر صحافي غير مقرر سابقا عقده في مقر الحكومة غداة الإعلان عن إقفال الصحيفة: «لن نهمل شيئا». وقد طالبت المعارضة وعدد من النواب بإنشاء هذه اللجنة منذ أيام بعد الجدل الذي أثارته المعلومات الأخيرة حول عمليات تنصت مارستها الصحيفة على أقرباء ضحايا جرائم قتل وجنود قتلوا في العراق وأفغانستان.

وأعلن كاميرون، أيضا، فتح تحقيق آخر حول أخلاقيات الصحافة وثقافتها، معترفا بالتقصير من قبل لجنة مراقبة وسائل الإعلام، وهي الهيئة الحالية لتنظيم عمل الصحافة.

وقال زعيم المعارضة مليباند: إن رئيس الوزراء اتخذ عددا من القرارات غير الحكيمة التي تنقصها الحنكة السياسية، وذلك بتوظيفه محرر صحيفة شعبية متهما بأن يكون أحد أقطاب هذه الفضيحة التي اعتبرها «أخطر فضيحة إعلامية في التاريخ الحديث». أما وزيرة داخلية الظل إيفيت كوبر فقد حاولت أن تشير في كلمتها أمام البرلمان إلى أن رئيس الوزراء كاميرون قد أصبح ملوثا بسبب علاقاته مع كولسون وبروكس، ولهذا فقد طالبت بأن تحول قضية البت في التحقيق في القضية إلى وزير آخر في الحكومة. وهنا تريد المعارضة استغلال الموضوع لهز ثقة رئيس الوزراء بنفسه وبالتالي في حكمه في سياسات الدولة بخصوص أمور أخرى.

كان كولسون، الذي عينه كاميرون في مكتبه عند توليه رئاسة الحكومة في 2010 إلى الاستقالة من منصبه في يناير (كانون الثاني) بعد بدء انكشاف فضيحة التنصت التي قامت بها الصحيفة على نطاق واسع في العقد الأول من القرن الحالي، قد اضطر إلى الاستقالة من رئاسة تحرير الصحيفة عام 2007 عندما أوقف مراسل الصحيفة في القصر الملكي في إطار هذه القضية. ويزيد توقيف كولسون الضغوط على كاميرون الذي تعرض لانتقادات متكررة من قبل المعارضة في الأيام الأخيرة حول علاقاته مع كولسون وتعيينه ضمن فريقه. وصرح كاميرون، خلال مؤتمر صحافي غير مقرر، بأن «قرار تعيينه اتخذته أنا وأنا أتحمل مسؤوليته الكاملة»، وذلك قبيل الإعلان عن توقيف كولسون.

واعترف رئيس الوزراء كاميرون بأن بلاده تمر بـ«أزمة»، لكنه دافع عن قراره توظيف كولسون مديرا لمكتبه الإعلامي قائلا إنه يتحمل كامل المسؤولية بخصوص ذلك. وطالب كاميرون بوضع مدونة قواعد جديدة لتنظيم العمل الصحافي، بعد ما وصفه بـ«نذير صحوة» إزاء المعايير الصحافية. وقال في مؤتمر صحافي بمقر الحكومة البريطانية: «هذا وقت أزمة وقلق». وأوضح كاميرون، على خلفية التحقيق مع مستشاره الإعلامي السابق آندي كولسون: «كلنا في قارب واحد، بما في ذلك أنا». وأضاف أن «قرار تعيينه كان قراري، وقراري أنا وحدي، وأتحمل مسؤوليته كاملة وحدي».

يصر كولسون على أنه لم يكن يعلم بممارسات التنصت التي كانت الصحيفة تمارسها. وأعلن روبرت ميردوخ، أول من أمس، إغلاق صحيفة «ذي نيوز أوف ذي وورلد» التي يصدر عددها الأخير غدا الأحد. تجدر الإشارة إلى أن ميردوخ يملك صحف «ذي صن» و«تايمز» و«صنداي تايمز» البريطانية.

وأثار روبرت ميردوخ الدهشة والحزن والشك في وقت واحد من قبل معظم الأوساط الإعلامية والسياسية بقراره إغلاق الصحيفة الشعبية واسعة الانتشار. وأعلن جيمس ميردوخ، رئيس «نيوز إنترناشيونال»، الجناح البريطاني لمجموعة «نيوز كوربوريشن» التي يملكها والده روبرت ميردوخ أن «(نيوز أوف ذي وورلد) سوف تقفل بعد صدور آخر عدد لها نهاية هذا الأسبوع». وقال عضو البرلمان كريس براينت، الذي أقام دعوى ضد الصحيفة المتهمة بالتنصت، إنه لو كان عند ريبيكا بروكس ذرة من الحياء لاستقالت من موقعها. وقال إن ميردوخ قرر أن يضحي بمئات الوظائف في الصحيفة من أجل حماية بروكس: «السياسة التي يتبعها ميردوخ هي: التخلص من الصحافيين ومن ثم من التنفيذيين، وفي النهاية الصحيفة بكاملها، من أجل حماية شخص واحد». وقال وزير الظل إيفان لويس إن «العاملين في الصحيفة دفعوا ثمن عنجهية هذه الصحيفة التي رفضت تحمل مسؤولياتها».

وتتركز الاتهامات حول الأساليب التي استخدمتها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»؛ حيث تواجه الصحيفة اتهاما بإصدار أوامر بالتنصت على المحادثات الهاتفية بحثا عن السبق في أخبار تتعلق بحالات تتراوح بين خطف الأطفال والقتل وحتى تفجيرات لندن التي وقعت في يوليو (تموز) 2005.

وفي تطور ذي صلة، أكدت شرطة العاصمة لندن أن «عددا صغيرا» من الضباط تلقى أموالا «غير ملائمة» من الصحيفة في إطار التحقيقات الصحافية.

وشبه مستشار العلاقات العامة ماكس كليفورد محاولات ميردوخ إنقاذ ما يمكن إنقاذه بأنها عقيمة وأن إغلاق الصحيفة كان المحاولة الأخيرة لإنقاذ سمعة إمبراطورية ميردوخ التي تواجه مصاعب كثيرة في السوق، خصوصا محاولة استحواذها على أسهم تلفزيون «بي سكاي بي»، التي من المفترض أن يبت فيها مع نهاية هذا الشهر. وهذا سيضيف من إحراج رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. علاقات رئيس الوزراء الشخصية قد تكون هي السبب وراء ميول منح ميردوخ الصفقة. وعندما نوقش الموضوع قبل أشهر عارض وزير الأعمال فينس كيبل الصفقة وحاول تحويلها للنظر فيها من قبل مكتب العدالة التجارية. وبسبب تصريحاته المعادية للصفقة فقد أعفي من مهامه التي تخص النظر في الصفقة، وتحول الموضوع إلى مكتب رئيس الوزراء، وهوجمت الحكومة على ذلك. القرار قد ينعكس سلبا على الحكومة.

وقال كليفورد، أمس، بخصوص إقفال الصحيفة: إن محاولة ميردوخ مثل من يصاب بالسرطان في مراحله المتقدمة، فيكون القرار هو ترك المريض ليموت «لأن السرطان قد انتشر بشكل سريع ومن الصعب عليهم إنقاذه».

كانت هذه الصحيفة، التي تصدر الأحد، قد تأسست قبل 168 عاما، وهي تطبع نحو 2.8 مليون نسخة وكانت درة مجموعة «نيوز كور». وقد اشتراها روبرت ميردوخ عام 1968. وأوضح جيمس ميردوخ في بيان أن «مهمة (نيوز أوف ذي وورلد) هي طلب حساب من الآخرين، لكنها لم تطبق هذا المبدأ على نفسها». يشار إلى أن «نيوز أوف ذي وورلد» إلى جانب «تايمز» و«صنداي تايمز» و«ذي صن» مملوكة لشركة «نيوز إنترناشيونال» التي يملكها روبرت ميردوخ.