«إخوان مصر» يزدادون عزلة رغم مشاركتهم في جمعة 8 يوليو

مراقبون وصفوا أداءهم السياسي بـ«المرتبك» وتصريحاتهم بـ«التكفيرية»

واصلت 19 حركة وقوى سياسية الاعتصام في ميدان التحرير لليوم الثاني على التوالي امس ( رويترز )
TT

بدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أكثر عزلة في ميدان التحرير، رغم مشاركتها في جمعة «الثورة أولا» يوم أول من أمس. فالجماعة التي لم تبرأ بعد من تداعيات غيابها عن جمعة الغضب الثانية في 27 مايو (أيار) الماضي، تمضي بأجندة مطالب سياسية في طريق معاكس لـ«طموحات شباب ثورة 25 يناير»، التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وترفض الجماعة الأكثر تنظيما في البلاد، في الوقت الحالي التبكير بوضع دستور للبلاد، على عكس مطالب قطاعات واسعة من المصريين. كما ترددت في المشاركة في الجمعة الماضية، وهو ما دفع نشطاء مصريين للسخرية من أعضاء الجماعة بميدان التحرير قائلين لهم «لا تنسوا دعاء ركوب الثورة»، في إشارة إلى شعار ديني معروف عن دعاء ركوب الدابة.

وخالفت جماعة الإخوان، التي حظيت بنفوذ قوي في عهد النظام السابق رغم أنها كانت محظورة النشاط، الإجماع الوطني للمرة الثانية (بعد رفضها المشاركة في جمعة الغضب الثانية) معلنة انسحابها من ميدان التحرير، فيما واصلت القوى السياسية اعتصامها حتى تحقيق مطالبهم بما سموه «تصحيح مسار الثورة».

وانتقد الدكتور محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان الأداء السياسي لقيادة الجماعة خلال الفترة الماضية، ووصف موقف الإخوان بـ«المرتبك»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «ما كان يجب على الإخوان انتظار دعوة للمشاركة في المظاهرات كان يجب أن يبادروا بحكم تاريخهم».

وتابع حبيب قائلا إن «قرار الجماعة بالمشاركة جاء متأخرا جدا بعد انتقادات حادة ولاذعة للقيادة»، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المراقبين والقوى السياسي بات قلقا من موقف الجماعة خاصة بعد سلسلة تصريحات لقيادات إخوانية.. وأضاف أن مثل هذه التصريحات بدت «تحريضية وتحمل قدرا من التكفير السياسي.. أن يقال مثلا إن من يطالب بالدستور أولا هم أعوان الصهاينة وأتباع الأميركان أمر غير مطمئن بالمرة.. على أي حال هم عادوا وعودتهم أفضل من لا شيء».

لكن العودة إلى الميدان لم تمنح جماعة الإخوان «صك الغفران». يقول خالد عبد الحميد عضو ائتلاف شباب الثورة إن «الإخوان فقدوا الكثير من التعاطف الشعبي في الميدان.. يجب ملاحظة أن نصيبهم من السخرية يتزايد.. وهذا مؤشر خطير، فالجماعة الآن تعد الفصيل السياسي الوحيد الذي ناله قدر كبير من سخرية المصريين بعد نظام مبارك».

وتابع عبد الحميد بقوله: «الناس في الميدان كانوا يقولون لأعضاء الجماعة لا تنسوا دعاء ركوب الثورة (في إشارة لما اعتبروه محاولة الجماعة الاستحواذ على مكتسبات الثورة)، وبعد انسحابهم من الميدان سخر منهم الناس أيضا وقالوا إن الإخوان يرفعون شعار ثورة ثورة حتى العصر كبديل عن شعار ثورة ثورة حتى النصر».

وحمّل عدد من أهالي «شهداء الثورة» بميدان التحرير، جماعة الإخوان مسؤولية ما قالوا إنه «ضياع حقوقهم»، معتبرين أن غيابهم عن مظاهرة «جمعة القصاص» مطلع الشهر الجاري، وانسحابهم من جمعة «الثورة أولا» عصر أول من أمس، يضعف موقفهم. ويرى مراقبون أن الجماعة ربما فقدت تعاطف المتظاهرين، لكنها لا تزال تحتفظ برصيدها لدى القوى السياسية بما يوازي وزنها النسبي في الشارع المصري بشكل عام. لكن أحد نشطاء الثورة أشار بقوله: «يجب ألا ننسى أنهم (الإخوان) في تحالف مع 26 حزبا سياسيا على رأسهم حزب الوفد الليبرالي العريق».

وأضاف أحمد محمد، المشارك في اعتصام ميدان التحرير أمس أنه «لم يعد ممكنا أن يستعيد الإخوان رصيدهم في الميدان مرة أخرى.. في أيام الثورة لم يكن من السهل تمييز المتظاهرين وفق انتمائهم السياسي.. كنا نشعر أننا جسد واحد.. هذا غاب الآن، لكن في الميدان فقط».

واستخدم أعضاء جماعة الإخوان في جمعة 8 يوليو «الثورة أولا»، وللمرة الأولى، شارات مميزة وأغطية رأس تحمل شعار الجماعة، وأقاموا منصة خاصة بهم، وصلوا الجمعة خلف إمام من الجماعة.. وتولى أعضاء بمكتب الإرشاد تنظيم توافدهم للميدان وحركتهم داخله.

وأشار رجب محمود، وهو ناشط من دعاة الدولة المدنية، يواصل منذ يوم الجمعة اعتصامه مع مئات آخرين بميدان التحرير إلى ما وصفه بـ«ابتعاد الإخوان عن معسكر الإسلام السياسي»، مضيفا أن التنسيق بين الإسلاميين كان ظاهرا جدا خلال الفترة الماضية.. وقال: «كان هذا واضحا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية (الذي جرى قبل نحو أربعة أشهر) وفي الموقف من قضية الدستور أولا، لكن اليوم حزب الوسط (الإسلامي)، وعدد كبير من التيار السلفي قرروا الاعتصام في الميدان والبقاء معنا.. بل هناك عدد من الإخوان أيضا لم يلتزموا بموقف الجماعة الرسمي وقرروا الاعتصام».

وتواجه الجماعة اتهامات بشأن «رغبتها في حصد مكتسبات الثورة»، ويدلل منافسوها على ذلك بقولهم إن «الأخوان يدفعون من أجل الإسراع باتجاه الانتخابات البرلمانية ليقينهم بقدرتهم على الفوز فيها بالأغلبية»، مما يعطيهم فرصة كبيرة في وضع ترتيبات لدستور ذي طابع إسلامي، أكثر من الدستور الذي ألغاه الجيش عقب تخلي مبارك عن سلطاته في 11 فبراير (شباط) الماضي. ومع ذلك حققت الجماعة انتصارات ملموسة في انتخابات النقابات المهنية بعد أن نجح أعضاؤها في انتخابات نقابة المهندسين التي جرت قبل أسبوع، وانتخابات نقابة الصيادلة التي أعلنت نتائجها أمس، لكن أعضاء بالجماعة يقللون من الأمر مستشهدين بانتخابات اتحاد الطلاب في جامعات مصر التي لم يتمكن «الإخوان» من السيطرة عليها. وحاولت الجماعة تطمين القوى السياسية المنافسة بتعهدها بعدم الدفع بمرشح لمنصب رئيس الجمهورية، وإعلان عزمها المنافسة على نصف مقاعد البرلمان فقط. لكن القوى السياسية ترد في المقابل بقولها إن «الإخوان وعدوا بالمنافسة على 35 في المائة من مقاعد البرلمان في البداية، ثم رفعوه إلى 40 في المائة والآن يتحدثون عن 50 في المائة».