رحيل بيتي فورد أكثر السيدات الأوليات شهرة وصراحة في أميركا

حازت إعجاب الأميركيين بسبب تغلبها على الإدمان والمرض وتأسيسها لأبرز مركز إعادة تأهيل

بيتي فورد
TT

توفيت بيتي فورد، زوجة الرئيس الأميركي الأسبق، جيرالد فورد، المعروفة بصراحتها، التي كانت مثار إعجاب كبير، وتغلبت على إدمانها للكحول والحبوب المسكنة، وساعدت في تأسيس أشهر مراكز إعادة التأهيل في الولايات المتحدة، أول من أمس، في بالم سبرينغز بولاية كاليفورنيا عن عمر يناهز الثالثة والتسعين. وأكدت كريس تشيز، كاتبة سيرتها، خبر وفاتها. وأعقب نبأ وفاتها في مركز أيزنهاور الطبي برقيات عزاء من الرئيس باراك أوباما والرؤساء السابقين؛ جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، وجيمي كارتر، وأيضا من نانسي ريغان، السيدة الأولى السابقة.

وهناك عدد قليل من السيدات الأول ممن حظين بشهرة واسعة مثل بيتي فورد، وذلك نظرا لصراحتها ورفضها التظاهر والادعاء. كانت كثيرا ما تؤيد تعديل قانون المساواة في الحقوق، ودعمت الإجهاض القانوني، وناقشت قضية إقامة علاقة جنسية خلال فترة ما قبل الزواج، كما أفصحت عن نيتها النوم في سرير واحد مع زوجها في البيت الأبيض.

وعندما واجه زوجها مشكلة في صوته في صباح أحد الأيام، بعد فوزه على جيمي كارتر عام 1976، كانت هي التي قرأت البيان الرسمي بوجه باسم. وعندما تُوفي فورد في ديسمبر (كانون الأول) 2006، أعلنت هي نبأ وفاته. أعادها العزاء الذي دام لستة أيام إلى دائرة الضوء التي حاولت الابتعاد عنها خلال سنواتها اللاحقة التي عاشتها في مدينة رانكو ميراج بكاليفورنيا، منتجع الغولف الذي يقع في جنوب شرقي بالم سبرينغز، قبل أن تنتقل إلى مركز بيتي فورد الطبي هناك.

كان حب الشعب الأميركي لبيتي فورد فوق الانتماءات الحزبية، فقد بدأ بعد شهرين من تولي جيرالد الرئاسة في أغسطس (آب) 1974 بعد استقالة ريتشارد نيكسون على خلفية فضيحة ووتر جيت. كان فورد نائب رئيس لأقل من عشرة أشهر، ورشحه نيكسون لخلافة سبيرو أغنيو، الذي استقال على خلفية اتهامات بتلقي رشاوى وتهرب ضريبي. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 1974، أجرت بيتي عملية استئصال ثدي خطيرة، بعد اكتشاف الأطباء لوجود سرطان في ثديها الأيمن.

وفي غضون أيام، تلقت 10 آلاف خطاب، وأكثر من 50 مكالمة هاتفية، وأكثر من 200 برقية، وتم إرسال آلاف من باقات الورود إلى البيت الأبيض، وفي جناحها في مستشفى بيثيسدا للقوات البحرية. وعلى مدى الأشهر التالية، عشرات الآلاف من السيدات الأميركيات اللواتي ألهمتهن صراحة بيتي وشجاعتها في مواجهة المرض، اندفعن إلى عيادات الأطباء لإجراء فحوصات لاكتشاف ما إذا كن يعانين من سرطان الثدي.

بعد مغادرة بيتي للمستشفى، خضعت لعلاج كيميائي لمدة عامين. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1976، أعلن الطبيب المعالج لها تماثلها للشفاء. وأجابت بيتي عندما سُئلت ذات مرة ما إذا كانت تشعر بالأسى على نفسها بسبب استئصال ثديها: «لا، يعلم الخالق أنني لم أشعر بذلك. لقد سمعت سيدات يقلن إنهن كان يفضلن فقدان ذراعهن وأنهن لا يتخيلن الحياة من دون أثدائهن. هذه حماقة، فأنا أستطيع ارتداء ملابس السهرة».

ونصحت سيدات خضعن لمثل تلك الجراحة بإجرائها في أسرع وقت ممكن والانتهاء من الأمر. كان سرطان الثدي من المعارك التي انتصرت فيها بيتي. بدأ اعتمادها على الحبوب عام 1964 عندما أوصى بها الطبيب لتسكين الألم المستمر الناتج عن جرح في الرقبة وضغط على العصب. وبات إكثارها من تناول الكحول، الذي بدأ بسبب غياب زوجها المستمر، نتيجة انشغاله بالقضايا السياسية، خطيرا مع تقدم فورد أثناء العمل في الكونغرس.

وما كان يضاعف من وحدتها انعدام ثقتها بنفسها وشعورها بالدونية بسبب عدم حصولها على شهادة جامعية.

وجاء في الجزء الثاني من مذكراتها الذي يحمل عنوان «بيتي: يقظة سعيدة» (1987)، الذي كتبته كريس: «أعلم الآن أن القليل من الألم الذي كنت أحاول محوه كان عاطفيا وشعوريا».

تذكرت الأيام التي كان فيها زوجها عضوا في الكونغرس عن ولاية ميتشيغان وزعيم الأقلية في مجلس النواب، وقالت: «لقد أحببت كوني زوجة، لكن على الجانب الآخر كنت مقتنعة أنه كلما زادت أهمية وقيمة جيري، نقصت أهميتي».

وفي عام 1978، العام الذي أعقب مغادرته للبيت الأبيض، واجهها زوجها وأبناؤها والأطباء المعالجون بحقيقة إدمانها للكحول وإساءتها استخدام الحبوب المسكنة. رفضت بيتي الاعتراف بوجود مشكلة وأطلقت على أفراد أسرتها «مجموعة من الوحوش»، لكنها في النهاية دخلت مستشفى «لونغ بيتش» للقوات البحرية في كاليفورنيا لتلقي العلاج.

وجاء مركز بيتي فورد الطبي في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1982، نتيجة انتصار بيتي على إدمانها للكحول والحبوب. كان المركز، الذي أقيم على مساحة 14 فدانا في محيط مركز أيزنهاور الطبي، الذي يبعد 11 ميلا عن جنوب شرقي بالم سبرينغز، مشروعا غير هادف للربح، أسس بمبادرة من بيتي وليوناردو فايرستون، وهو أحد رجال الصناعة والسفير السابق لدى بلجيكا، الذي تكفل بدفع الجزء الأكبر من الأموال.

يقوم الفكر الذي قام على أساسه المركز على برنامج متكون من 12 خطوة لعلاج إدمان الكحول من خلال التفاعل بين الأفراد الذين يعانون من المشكلة، وتعلم التعرف على المشاعر والتعبير عنها. وقضى الكثير من المشاهير، ومنهم إليزابيث تيلور، وليزا مينيلي، وماري تايلور مور، وميكي مانتل، وداريل ستروبري، فترة هناك.

كانت بيتي فورد تجيد القيام بالأمور التي عادة ما تجيدها السيدات الأُول، وهي اصطحاب أزواجهن في الجولات والاحتفالات الرسمية وإقامة حفلات العشاء والحفلات. وعادة ما كانت تستمر الحفلات التي تقيمها إلى ما بعد منتصف الليل، ترقص خلالها مع عدد من الرجال. لكن على عكس الكثير من زوجات الرؤساء، كانت بيتي نادرا ما تتردد في الإفصاح عن آرائها في قضايا حساسة. فقد عقدت مؤتمرا صحافيا في البيت الأبيض تعلن فيه دعمها وتأييدها لتعديل قانون المساواة في الحقوق، وتلقت ردودا توضح دعم واحد من بين كل ثلاثة لموقفها. وقالت عام 1975 خلال استضافتها في برنامج «ستين دقيقة» إنها لن تفاجأ لو أقامت ابنتها سوزان علاقة قبل الزواج، وكانت الردود توضح تأييد واحد من بين كل أربعة لها. وأخبرها زوجها مرارا أن هذا التعليق قد أدى إلى خسارته 20 مليون صوت في انتخابات عام 1976، على حد قولها.

وبعد ذلك بعشر سنوات، عبّرت عن ندمها خلال استغراقها في الذكريات مع مارغريت ترومان لتأليف كتاب «السيدات الأُول» على ظهورها في ذلك البرنامج التلفزيوني. وفي وقت لاحق من ذلك العام، وعلى الرغم من تأييدها لحق الإجهاض، عملت على كبح جماح نفسها، وامتنعت عن التعليق على برنامج الحزب الجمهوري الذي دعا إلى تعديل دستوري لحظر الإجهاض.

كذلك أخبرت مارغريت ترومان أنها حذرت زوجها من العفو عن نيكسون، وهو تصريح أكثر جرأة من الذي نشرته في الجزء الأول من مذكراتها «أوقات في حياتي» (1978). وقد ذكرت في ذلك الجزء أنها عرفت أن العفو لن يحظى بتأييد شعبي، لكنها أيدته على كل حال. وكتبت: «أعتقد أنه ضروري»، لكنها قالت إنها تعتقد أن تكلفته ستكون خسارة زوجها في الانتخابات.

أضفت بيتي لمسة من الراحة والاسترخاء على البيت الأبيض خلال الفترة التي أقامتها به. وسألت عن سبب عدم رد أي من العاملين في البيت الأبيض عليها التحية، فقيل لها إن الرئيس نيكسون وزوجته بات، كانا يفضلان الصمت، وكأنهم غير موجودين. وسرعان ما حدث تغيير سريع، حتى إنه خلال تناول الأسرة للوجبات كان الرئيس والخادم يقارنان النقاط التي تم تسجيلها في مباريات الغولف.

وعندما عادت بيتي بعد خضوعها لعملية استئصال الثدي، اصطف العاملون؛ بحيث شكلوا عبارة «نحبك يا بيتي».

كانت بيتي تكره مظاهر الذوق الرسمي، الذي كانت تتسم بها بات نيكسون، خاصة قطع الأثاث ذات الذوق المتزمت، الذي حل محل الذوق المريح للنفس الذي كانت تنشره جاكلين كيندي، والذي يحمل ملامح بداية الستينات. على الرغم من أنها لم تغير الديكور، لم تستطع أن تمنع نفسها من القيام ببعض التغييرات التي تتسم بالشقاوة. فقد كان الإناء الخزفي في الغرفة البيضاوية الصفراء يستند إلى اثنتين من آلهة الإغريق؛ إحداهما كانت تمد يديها، فكانت بيتي تقول: «كل مرة أمر بجانبها كنت أضع سيجارة بين أصابعها».

ظهر هذا الجانب بشكل كبير عندما بدأ زوجها يشكو من نحافتها. فاستعارت هيكلا عظميا من المستشفى، وألبسته قبعتها ومعطفها، وأجلسته على مقعد في غرفة النوم ليستقبل زوجها.

وبعدما فقدت لقب السيدة الأولى، واجهت بيتي انتقادات في بعض الدوائر بسبب عملية تجميل أجرتها مباشرة بعد تغلبها على الإدمان. لقد أرادت وجها جديدا لحياة جديدة على حد قولها. اعتقدت فيما بعد أن جزءا من الاستياء كان ينبع من عدم قدرتها على الظهور بمظهر ضحية السرطان والمخدرات والكحول، وقالت: «كان من الأسهل الشعور بالأسى على نفسي والدونية، لذا أخذت أبحث عن نفسي. نحب جميعا الاحتفاء بالمستضعفين، لكنني رفضت أن أكون ضحية، وسيطرت على نفسي».

* خدمة «نيويورك تايمز»