الإدارة الأميركية تبعث برسالتين من خلال إرسال فورد إلى حماه

الأولى للأسد والثانية للجمهوريين الذين يدعون لسحب السفير

TT

بعثت الإدارة الأميركية برسالتين منفصلتين، عندما قررت إرسال سفيرها في دمشق للقاء المتظاهرين المناوئين للنظام في مدينة حماه المحاصرة. وقالت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير لها، أمس، إن الرسالة الأولى كانت موجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وهي أن عليه القيام بإصلاحات على الفور. أما الرسالة الثانية، فكانت موجهة إلى منتقدي سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الداخل تجاه سوريا، وتقول توقفوا عن الشكوى والاتهامات.

فقد أنهى السفير الأميركي، روبرت فورد، الذي استقبله المتظاهرون بالورود والهتافات المرحبة، يوم الجمعة، زيارة مدتها يومان إلى مدينة حماه المهتاجة، التي كانت تهدف إلى توصيل الرسالة التي مفادها أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المتظاهرين الذين يملأون الشوارع السورية، متحدين قمع الحكومة السورية الوحشي.

وتحدثت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، عن الاستقبال الذي حظي به فورد في حماه، وقالت إنه «حظي بفرصة الحديث إلى كثير من المواطنين العاديين؛ ومن بينهم أصحاب متاجر وشباب عاديين». وأضافت: «عند دخوله المدينة، أحاط المتظاهرون الودودون على الفور بسيارته، حيث بدأوا يضعون الزهور على مسّاحات الزجاج وأغصان الزيتون على السيارة، وكانوا يرددون شعار (يسقط النظام!)، كم كان مشهدا مؤثرا».

حتى الآن، أحجمت الحكومة الأميركية عن التصريح بشكل مباشر بضرورة إنهاء حكم أسرة الأسد الممتد منذ أربعة عقود. وقد تسبب قمع الحكومة الوحشي للمعارضة في تفاقم الأزمة مع زيادة مطالبة المتظاهرين برحيل الأسد بعد 11 عاما امتلأت بوعود الإصلاح الديمقراطي، غير أنها لم تمثل أي تحول مؤثر عن سياسة الحكم بالقبضة الحديدية التي انتهجها والده.

وقد ازداد استياء الإدارة الأميركية من العنف في سوريا، الذي أودى بحياة 1600 شخص، بالإضافة إلى 350 فردا من قوات الأمن. إلا أنها لم تتمكن من جمع القدر الكافي من الإدانة الدولية لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يدين حكومة الأسد أو يحشد دعما دوليا موحدا للمطالبة بتنحي الأسد عن الحكم. وليس في مقدور الإدارة الأميركية أن تمارس قدرا هائلا من الضغوط على سوريا وحدها، لأن تهديدها باتخاذ إجراء عسكري في سوريا لن يؤخذ بمحمل الجد، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إنهاء حروبها في العراق وأفغانستان، وتكافح من أجل تبرير مشاركتها في تحالف دولي ضد معمر القذافي في ليبيا.

من هذا المنطلق، كان الحل بالنسبة لها هو الموازنة بين انتقاد مسلك نظام الأسد والاستمرار في دعوته لقيادة تحول ديمقراطي. غير أن هذا المنهج المتوازن قوبل بتذمر غاضب في أميركا وفي سوريا، بسبب الرغبة في أن تتخذ الإدارة الأميركية موقفا أكثر صرامة.

ولم يكن هناك سفير أميركي لدى سوريا طوال الخمس سنوات الماضية احتجاجا على اتهام سوريا بالتورط في اغتيال وزير الخارجية اللبناني، رفيق الحريري. وقد عارض أعضاء الكونغرس الجمهوريون وجود فورد المستمر في الدولة، مشيرين إليه بالمكافأة غير المبررة لمواقف حكومة الأسد المؤيدة لإيران والمعادية للولايات المتحدة في أغلب الأحيان، وأيضا بوصفه إجراء لا محل له في ضوء العنف الحالي من جانب القوات الحكومية ضد المدنيين.

ولم تجد مشاركة فورد في زيارة منظمة من قبل الحكومة السورية إلى جسر الشغور، الشهر الماضي، نفعا. فقد ذكرت وزارة الخارجية أن زيارة فورد لمدينة جسر الشغور المهجورة أتاحت له «أن يشاهد بنفسه تبعات وحشية الحكومة السورية». ولكن أغلب ما شاهده هو شوارع ومبان مهجورة لا تثبت وجود مؤامرة خارجية لزعزعة استقرار سوريا، مثلما تزعم الحكومة، أو دلائل على الفظاعة الجماعية، مثلما تزعم الحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان.

وقد قوبلت محاولات فورد الكثيرة للتحدث مباشرة مع مسؤولين سوريين رفيعي الشأن بالرفض. وقالت النائبة عن الحزب الجمهوري، إليانا روس ليهتينين، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الشهر الماضي، إن «أي وجود مستمر لسفير أميركي إما سيوظف من جانب النظام في الدعاية الكاذبة أو سيتم تجاهله فحسب». واعتبرت أن مشاركة فورد في الزيارة هدفت إلى «الموازنة بين التأكيد على مصداقية الولايات المتحدة ودعم مؤيدي الحرية والديمقراطية في سوريا». ومع ذلك، يصر المسؤولون الأميركيون على أن فورد يلعب دورا حيويا في نقل المخاوف الأميركية إلى الحكومة السورية، وتقديم تقييمات لصناع السياسات في واشنطن. كذلك، فإنه يقدم دعما أخلاقيا للمتظاهرين، بحسب ما يقول مسؤولون.