أقدم سجين سياسي مصري: نريد رئيسا منهجه القرآن.. ولن أنضم للتيارات الدينية

الشيخ نبيل المغربي في حوار مع «الشرق الأوسط» : أمضيت 30 سنة ظلما وتعذيبا في سجون السادات ومبارك

الشيخ نبيل المغربي (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

دعا الشيخ نبيل محمد المغربي، أقدم سجين سياسي في مصر، السلطات المصرية للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والسماح لهم بممارسة النشاط السياسي، وتعويضهم ماديا وأدبيا، وإتاحة الفرصة في وسائل الإعلام للرد على جميع الاتهامات التي وُجهت لهم خلال السنوات الماضية عقب إظهار الوثائق التي تثبت براءتهم، على حد قوله.

ويبلغ المغربي من العمر الآن 70 عاما، وتحدث، في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن فترة اعتقاله التي استمرت 30 سنة في عدة سجون مصرية، كان أشدها أبو زعبل والعقرب في جنوب القاهرة، قائلا إن المساجين كانوا ينامون وأرجلهم لأعلى ورؤوسهم لأسفل لضيق مساحة حجرة الحبس (الزنزانة)، وإنه ظل شتاء كاملا جالسا القرفصاء يحلم بسويعات من النوم، من شدة البرد.

وتم سجن المغربي للمرة الأولى في اعتقالات سبتمبر (أيلول) الشهيرة عام 1981. وبعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في الشهر التالي من تلك السنة، أضيف اسمه إلى قائمة المتهمين في القضية رقم 462 لسنة 1981 حصر أمن دولة عليا، المعروفة باسم قضية «تنظيم الجهاد» ليحكم عليه بالسجن 25 عاما، أضيفت إليها 3 سنوات بعد اتهامه بإمداد (الغير) بمعلومات عسكرية، واختتمت جملة أحكامه بـ25 سنة أخرى في قضية «طلائع الفتح 5».

وقال المغربي، الذي ظهرت على قدميه وجسده علامات التعذيب: إن السجناء هم الجيل الأول للثورة، مشيرا إلى أن نظام مبارك نكل بهم وسجنهم، موضحا أنه رفض الانتماء إلى أي فصيل إسلامي في شبابه ودخل السجن دون وجه حق.

وخرج المغربي من المعتقل في 6 يونيو (حزيران) الماضي، إثر عفو صحي، وظهر للرأي العام لأول مرة منذ اعتقاله في المبادرة الوطنية لتوثيق شهادات التعذيب في عصر مبارك.

وتطرق المغربي، الذي يسكن في شقة صغيرة بضاحية عين شمس (شرق القاهرة)، إلى الأوضاع الحالية التي تشهدها مصر منذ الإطاحة بنظام مبارك قبل نحو 5 أشهر، قائلا: إن مصر تريد رئيسا منهجه القرآن، معتبرا الحديث عن تولي المسيحي والمرأة الرئاسة ومطالبات الدستور أولا مسائل فرعية. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* التحقت بالعمل في إحدى الجهات المهمة.. كيف تم ذلك؟

- التحقت بإحدى الجهات السيادية عقب تخرجي في كلية الألسن جامعة القاهرة في 6 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 كوني الطالب المثالي على الجامعة عام 1972، وتم ترشيحي للعمل في المخابرات التابعة لرئاسة الجمهورية؛ حيث كان يرشح للعمل بها أفضل الكفاءات، ولم أكن وقتها قد أديت خدمتي العسكرية، لذلك تم إلحاقي بأحد الأجهزة الأمنية بوزارة الدفاع، كضابط احتياط.

* وكم سنة أمضيتها في الجيش كضابط احتياط؟

- قضيت 4 سنوات حتى عام 1977 وكنت ضمن أول دفعة يسمح لها بالخروج من الجيش؛ لأنه منذ حرب اليمن لم يكن يسمح للمجندين بالخروج من الجيش، وبعد خروجي عملت في تخصصي بالترجمة، وأطلقت لحيتي التي كنت مطلقها قبل دخولي للجيش وأنا طالب في الألسن من غير أي انتماءات دينية.

* كيف تم سجنك؟

- سجنت ضمن حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة المعروفة باسم «التحفظ» عام 1981 قبل مقتل السادات بشهر واحد، وحاول جهاز أمن الدولة المصري (الذي تم حله بعد ثورة «25 يناير») إدراج اسمي في قائمة المتهمين باغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 التي كانت تضم 24 متهما، وبالفعل تم التحفظ عليَّ في السجن للتحقيق معي، لكن عندما وجدوا صعوبة في ضمي لقضية السادات، تم اتهامي في قضية أحداث عام 1981، التي كانت تضم 302 متهم وتعتبر أكبر قضية شهدتها مصر.

* ما رأيك في اتهامات رقية، ابنة السادات، بأن مبارك متورط في قتل والدها؟

- اتهامات تورط مبارك في مقتل السادات ليست صحيحة؛ لأن من قتلوا السادات كانوا معي في السجن، وهم 24 شخصا، وسردوا جميع الحقائق كاملة واعترفوا لي بقتلهم للسادات، وأكدوا أن مبارك لم يكن له أي صلة بمقتله، وأنه هرب من أسفل المقاعد أثناء إطلاق النار على السادات في حادثة المنصة عام 1981.

* وما القضايا التي اتهمت فيها؟

- اتهمت في القضية رقم 462 لسنة 1981 حصر أمن دولة عليا، المعروفة باسم قضية «تنظيم الجهاد» وحُكم عليَّ بالسجن 25 عاما، أضيف إليها 3 سنوات بتهمه الإمداد بمعلومات عسكرية، واختتمت جملة أحكامي بـ25 سنة أخرى في قضية «طلائع الفتح 5».

* لكن وسائل الإعلام ذكرت أنك اعتقلت أيضا عام 1979؟

- وسائل الإعلام ذكرت وقائع خاطئة حول اعتقالي، وحقيقة اعتقالي كانت خلاف ذلك على الإطلاق؛ فقد اعتقلت ضمن اعتقالات عام 1981 من دون وجه حق ومن دون توجيه أي تهمة، وما أشارت إليه كل وسائل الإعلام من أنه تم اعتقالي سنة 1979 غير صحيح ليتم الزج بي (بعد ذلك) في قضية مقتل السادات.

* كم عدد السنوات التي قضيتها داخل السجن؟

- أمضيت 30 عاما دخل السجن، وتم الإفراج عني صحيا قبل شهر، على الرغم من حصولي على إفراج صحي مرتين؛ إلا أن جهاز أمن الدولة (المنحل) تدخل في تقارير الطب الشرعي ومنع عني الإفراج الصحي، وقد أصبت في السجن بأمراض الشيخوخة من ضغط وسكر وروماتيزم وعدم قدرة على الحركة. وأعتبر أقدم سجين سياسي في مصر.

* وفي أي السجون قضيت مدة اعتقالك؟

- زرت جميع سجون المنطقة المركزية في طرة في ضاحية المعادي (جنوب القاهرة)، وكنت المسجون المصري الوحيد الذي مكث 9 أشهر في سجن القلعة (الذي يقع في قلعة صلاح الدين بالقاهرة الفاطمية)، وكان أي مسجون يمكث فيه أياما أو أسابيع فقط. وبعد القلعة تم اقتيادي إلى الاستقبال وقضيت فيه سنوات كثيرة كلها معاناة وتعذيب، بعدها أعادوني مرة أخرى إلى سجن القلعة ومنه إلى طرة والمرج (بالقاهرة الكبرى) ووادي النطرون (الذي يقع على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية).

* وما تفسيرك لتنقلك من سجن لآخر؟

- كان يتم نقلي كل فترة من سجن لآخر لتتم ممارسة التعذيب ضدي من جديد، وكان التعذيب في البداية من أجل الحصول على اعترافات غير حقيقية، ثم تحول التعذيب بعد ذلك إلى معيشة.

* حدثنا عن ذكرياتك في سجني العقرب وأبو زعبل؟

- سجنت في سجن العقرب 3 سنوات منذ عام 1996 في دورة مياه ليس بها منافذ، وكانت فترات التعذيب اليومي تمتد إلى 10 ساعات، وكان يصرف لي 4 حبات من الفول في اليوم بالعدد، وفي الشتاء كنت أعيش من دون ثياب أو غطاء، وكانت نوافذ السجن لا يسمح بإغلاقها، فضلا عن عدم وصول الشمس إلى حجرة الحبس، وهو ما جعلها مظلمة 24 ساعة، وكنت لا أستطيع النوم، وطوال أشهر الشتاء بالكامل وأنا أرتعش، وتمنيت فقط «التوقف عن الرعشة من أجل النعاس»، وأتذكر أنني قضيت شتاء كاملا وأنا أجلس القرفصاء وكلما غفت عيني أستيقظ على صوت الكلاب. أما في سجن أبو زعبل فكانت مساحة حجرة الحبس (أو الزنزانة) 150 سم في 120 سم وبها 5 سجناء، وكان السجناء يضطرون إلى توزيع أنفسهم على طول الحجرة وينامون رافعين أرجلهم لأعلى ورأسهم لأسفل على الأرض، ولذلك ومن سوء الحال في سجن أبو زعبل توفي 9 سجناء من الجوع إضافة إلى 14 قعيدا من إجمالي 57 سجينا سياسيا في 19 حجرة (أو زنزانة) عام 1994.

* وهل قابلت أحدا من التيارات الإسلامية؟

- خلال فترة سجني تقابلت مع جميع المسجونين السياسيين وأمضيت معهم 12 سنة متواصلة قبل أن يتم توزيعنا في السجون، وكانت العلاقة بين جميع المسجونين مترابطة إلى أقصى حد.

* وهـــــــل تأثـــرت بفكر أحد من هذه التيارات؟ - السجن مكان إعاشة وليس هناك مجال للتأثر الفكري، وفترة الانفتاح بين المسجونين قصيرة جدا، فلم يكن هناك مجال للكلام، كما أنني قضيت أكثر من 22 عاما حبسا انفراديا بعد أن منعت عني الزيارة.

* هل مورس التعذيب ضد أسرتك؟

- تمت ممارسة أشد أنواع التعذيب ضد أسرتي، وتم اعتقال زوجتي وولدي لمدة عام في 2001 عندما تم اتهامهما بالتخطيط لإحداث انقلاب وتهريبي من مستشفى ليمان طرة وقت أن كنت مريضا.

* وماذا تخطط لمستقبلك بعد خروجك من المعتقل؟

- لن أقوم بعمل أي شيء في المستقبل، إلا أن أدعو الله لمصر وشعبها.

* كيف تابعت ثورة «25 يناير»؟ وبم تنصح الشباب؟

- كنت أتابع أحداث الثورة على إذاعتي «مونت كارلو»، و«بي بي سي»؛ حيث كنت أمتلك مذياعا صغيرا داخل مستشفى سجن طرة، وما إن بدأت أحداث الثورة إلا وتوقعت أنه النصر، وعندما سمعت بتنحي مبارك سجدت لله شكرا، وأرى أن شباب الثورة الذي كان يمتلك راية السبق في الإطاحة بالنظام السابق، أصبح الآن لا يعرف الطريق؛ لذلك أدعوهم لقراءة القرآن الكريم؛ لأن فيه المنهجية كاملة حتى تعود لهم راية السبق والتكاتف والهوية المصرية العظيمة؛ لأن السجناء السياسيين هم خبراء الثورة وهم الجيل الأول من أجيال الثورة، وهم من رفضوا محاولة قتل مصر ورفضوا خيانة وإجرام النظام السابق.

* وما الفرق من وجهة نظرك بين جيل السجناء وثورة الشباب؟

- الفرق أن جيل ثورة «25 يناير» كان في حماية الشعب أثناء المواجهة مع نظام مبارك، والنظام السابق لم يستطع إيذاءهم والتنكيل بهم، لكن في جيل السجناء لم يكن هناك «فيس بوك» ولا ترابط شعبي ولا حماية شعبية، ومن أجل ذلك نكل بهم النظام ومنحهم أحكاما قاسية وسجنا طويلا.

* وكيف ترى المشهد السياسي الآن في مصر؟

- أوجه نصيحة للمسؤولين بأن يفصلوا بين رد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج وبين «الطبطبة» في محاكمات رموز النظام السابق، وأن يكون التغيير المطلوب ليس مجرد اسم فقط بل لا بد أن يكون هناك تغيير حقيقي.

* وهل هناك رسالة تريد أن توجهها للسلطات؟

- أدعو القوات المسلحة إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وأطالب جهاز الأمن الوطني (الذي حل مكان جهاز أمن الدولة) بأن يخرج جميع الوثائق التي تؤكد أن السجناء هم الجيل الأول للثورة. وأطالب بالسماح للمعتقلين السياسيين المفرج عنهم بالحق في ممارسة الحقوق السياسية، ورد الاعتبار لهم بتعويضهم ماديا وأدبيا، وإتاحة فرصة إعلامية كبيرة في وسائل الإعلام للرد على جميع الاتهامات التي وُجهت لهم خلال السنوات الماضية؛ لأن الإعلام المصري لم يرتقِ، حتى الآن، لمستوى ميدان التحرير، وأن يقيم الأزهر الشريف احتفالية كبرى لرد اعتبار السجناء السياسيين لنقل تجاربهم للأجيال الجديدة، وأن يمثل مبارك في مستشفى طرة، وأن توزع الأموال التي نهبها المسؤولون على الشعب المصري.

* وهل تنوي الانضمام لأي تيارات دينية؟

- أقدر جميع التيارات الدينية في مصر، لكن لن أنضم إلى أي منها.

* وما رأيك في مرشحي الرئاسة؟

- مصر تريد رئيسا منهجه القرآن أيا ما كان انتماؤه، رئيسا يكون مع الشرفاء.

* وما رأيك في دخول التيارات الدينية معترك العمل السياسي؟ - دخولها أفضل للمجتمع المصري، لكن لا بد أن يكون دخولها عبر كيانات ومؤسسات منظمة مثل جماعة الإخوان المسلمين.

* وكيف ترى الخلافات حول تولي المرأة والمسيحي الرئاسة ومطلب الدستور أولا؟

- جميعها مسائل فرعية، وإثارتها في مثل هذه الظروف التي تعيشها البلاد، لخلق خلافات وشق الصف وتفريغ الثورة من أهدافها، فأين مثلا المرشح المسيحي؟ وأين المرأة؟ كلها مداخل للشر، ومحاربة الشرفاء. وإنه فور عودة الأموال المهربة، وإجراء المحاكمات العادلة، سينتهي الإجرام، والمسائل الأخرى بسيطة وسهلة.