البلطجة في مصر.. عالم سري يقض مضاجع المواطنين

ارتبطت بمواسم الانتخابات.. ونشطت بعد ثورة «25 يناير»

TT

أدت حالة الانفلات الأمني التي يعانيها الشارع المصري في أعقاب ثورة «25 يناير» إلى انتشار ظاهرة البلطجة بشكل كبير. ولا يكاد يمر يوم على المصريين دون استخدام لفظة «البلطجية» في أحاديث الناس اليومية بشكل روتيني، خاصة مع انتشار حوادث السرقة والخطف وغيرهما من الجرائم التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالبلطجة. ويرى مراقبون أن ظاهرة البلطجة ليست ظاهرة تنفرد الثورة بإفرازها؛ حيث يعتبرونها ظاهرة موجودة قبل ذلك بسنين، بل استخدمها النظام السابق مرارا وتكرارا للسيطرة على الحياة السياسية في مصر، لكن آخرين يلقون باللائمة على الدولة كسبب رئيسي في ظهورها أساسا.

بالنسبة لأحمد موسيليني، 29 عاما، صاحب الرأس الحليق والوجه المليء بعلامات ضربات معارك السكاكين، تعتبر البلطجة مهنة ووسيلة لكسب العيش.. موسيليني، الذي التقته «الشرق الأوسط» في ضاحية السيدة زينب بوسط القاهرة، لم يكمل تعليمه الأساسي لظروف والده المادية الصعبة، ليتجه للعمل في إحدى ورش الميكانيكا في الضاحية الشعبية التي وُلد بها، لكنه لم يستمر في مهنته المرهقة التي لا تدر له دخلا كبيرا، حسب قوله، ليتجه بعد ذلك إلى عالم الإجرام، وهو ما أهله لاحقا، حسب وصفه، ليكون بلطجيا وليس مجرما.

يقول موسيليني: «البلطجة مرحلة لاحقة على الإجرام؛ فالبلطجي لا يهتم كثيرا بالعائد المادي المباشر من وراء أعماله مثل المجرم ولكن ما يعنيني أساسا هو استمرار خوف الناس وخشيتهم مني؛ لأن ذلك مصدر رزقي الفعلي وهو ما يجعلني قادرا على فرض الإتاوات وخلافه».

ويعتقد موسيليني أن البلطجي مظلوم بشكل كبير ويدفع ثمن خطايا المجتمع والحكومة التي تضحي به في نهاية المطاف من أجل تبييض وجهها، وعن ذلك يقول: «بالطبع أتمنى أن أعيش حياة كريمة، لكن ظروف المعيشة الصعبة من فقر وجهل دفعتني لذلك».

المثير أن الاتفاق على عمل من أعمال البلطجة يتم عبر شخص وسيط يصل بين موسيليني وزبائنه بنسبة من المبلغ المتفق عليه، وأبرز ما يسهم فيه موسيليني هو معارك تخليص الحقوق التي يقوم فيها تجار باستئجاره، مع أشقياء آخرين، لتأديب خصوم زبائنهم. ويتذكر موسيليني أن أقواها كان معركة استمرت لساعات طويلة في ميدان الجيزة وتقاضى فيها مبلغا كبيرا تخطى 5 آلاف جنيه مصري (أقل قليلا من ألف دولار).

وشارك موسيليني نفسه في توجيه نتائج الانتخابات في 2010 لصالح الحزب الوطني الذي كان يرأسه الرئيس السابق حسني مبارك. وأضاف موسيليني: «كنت أشارك في تأمين اللجان الانتخابية بالتعاون مع الحزب الوطني ووزارة الداخلية بمقابل مادي». وكشف موسيليني عن أن استخدام البلطجية في دهاليز السياسة يخضع لنظام ودقة محكمين؛ حيث قال: «هناك دائما خطة، وهناك اتفاق لا بد أن ينفذ بلا أخطاء».

ولم يعد الكثير من البلطجية يخشون الشرطة بعد ثورة «25 يناير». وقال موسيليني: «لم نعد نخاف ضباط الشرطة، لقد انكسرت شوكتهم في أعيننا للأبد»، كاشفا عن «وجود تربص مبيت من البلطجية بحق ضباط الشرطة، خاصة الذين اعتادوا إهانة البلطجية».

وينتظر موسيليني موسم الانتخابات التي تجري كل عدة سنوات؛ لأنها مصدر رزق كبير، سواء عمل مع وزارة الداخلية أو مع مرشحي الحزب الوطني، وهو ما يوفر له باب رزق كبير يكفيه لفترة طويلة.

وساعد الوضع الأمني المتردي، في الفترة الأخيرة، على ظهور أنواع أخرى يمكن اعتبارها خدمات بلطجة. ومؤخرا أصبحت تنشط عصابات منظمة تقدم خدمات ترتبط أساسا بتخليص الحقوق بين التجار ورجال الأعمال وتنفيذ الخطف بفدية وربما القتل بأجر، وفقا لوائل، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن اسمه كاملا.

وقال وائل: «هو عالم سري من البلطجية الذين يرتدون الملابس الرسمية وربطات العنق»، وهي الرواية التي قال عنها موسيليني: «نتعامل مع الجميع وننفذ كل ما يطلب منا بمقابل مادي يختلف وفقا لأهمية العملية وقيمتها ومكانها». ويعتبر موسيليني حالة الانفلات الأمني الحالية هي الوضع المثالي لممارسة عمله بشكل مريح ودون ملاحقة من أحد.

ودأب ناشطون سياسيون على اتهام الحزب الوطني الحاكم سابقا (تم حله بعد الثورة) باستخدام البلطجية لتزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية في مصر عبر منع الناخبين من الوصول لصناديق الاقتراع، خاصة في الانتخابات التشريعية التي جرت الخريف الماضي.

وتعتقد الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذة الاجتماع الإنساني والمشكلات الاجتماعية بجامعة المنوفية، أن ظاهرة العشوائيات وثقافة الزحام تلعبان دورا أساسيا في انتشار البلطجة بتلك الصورة.