صورة ماليزيا أمام المحك بعد انزلاقها لقمع مظاهرات منضبطة

إطلاق 1600 معتقل.. وتضارب حول وفاة متظاهر.. وإدانات خارجية لعنف الشرطة

زعيم المعارضة أنور إبراهيم يحيي أنصاره خلال حضوره جنازة في كوالالمبور أمس بعد مظاهرات السبت التي أصيب فيها (رويترز)
TT

أفرجت الشرطة الماليزية عن جميع الأشخاص الذين اعتقلتهم خلال مشاركتهم في مظاهرة حاشدة دعت إليها المعارضة أول من أمس احتجاجا على النظام الانتخابي في البلاد، بينما أعلن عن وفاة متظاهر واحد تضاربت الأنباء عن سبب وفاته. ورغم أن الشرطة نجحت في سحق الاحتجاج الذي شارك فيه عشرات الآلاف لكن بصورة منضبطة، فإن محللين قالوا إن القمع الذي لجأت إليه السلطات يهدد بتشويه صورة ماليزيا كبلد ديمقراطي، ويمكن أن يقوي المعارضة قبل الانتخابات المزمع تنظيمها بنهاية 2012.

وأكدت السلطات أنها أفرجت عن أكثر من 1600 شخص، كانت الشرطة قد اعتقلتهم أثناء تفريق مظاهرة العاصمة باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. لكن حزب العمل الديمقراطي المعارض تحدث عن وفاة متظاهر يدعى بحر الدين أحمد «بسبب مشكلات في التنفس خلال المظاهرة». وربط الحزب وفاة بحر الدين باستخدام الغاز المسيل للدموع، وأكد أن زعيم الحزب ليم غوان انغ سيزور عائلة المتوفى. وبدوره قال المتحدث باسم الشرطة رملي محمد يوسف إن الرجل كان مارا في المنطقة وتوفي نتيجة أزمة قلبية، ولم تكن له أية علاقة بالمظاهرة. وأضاف رملي: «لم تكن جثته تحمل آثار جروح خارجية أو داخلية». وكشف رملي أنه تم الإفراج عن 1667 شخصا اعتقلوا خلال مظاهرة كوالالمبور، بينهم نواب وزعماء من المعارضة.

وبين الذين أفرج عنهم امبيغا سرينيفاسان ومارين شين عبد الله، وهما من زعماء تحالف «برسيه» الذي قاد المظاهرة للمطالبة بإصلاحات في النظام الانتخابي قبل الانتخابات المقررة في 2012. كما أفرج عن عبد الهادي أوانغ، رئيس الحزب الإسلامي الماليزي، أكبر تجمع للمعارضة، ونور الإيمان ابنة الزعيم المعارض أنور إبراهيم. ولم يعتقل أنور إبراهيم لكنه أصيب في رأسه وساقه بعد دفعه أرضا خلال الفوضى التي سادت أثناء تفريق المظاهرة. وخرج أنور من المستشفى في الصباح.

في غضون ذلك، اعتبر محللون ونشطاء أن الإجراءات المشددة التي لجأت إليها الشرطة، من قبيل استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، قد تأتي بنتائج عكسية وستضر بصورة البلد باعتباره أحد البلدان الأكثر ديمقراطية في منطقة جنوب شرقي آسيا. وكان رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق قد سعى لصقل تلك الصورة لماليزيا باعتبارها بلدا بازغا يحظى باقتصاد قوي وبيئة سياسية منفتحة. ويقول المحلل السياسي خو كاي بينغ: «أعتقد أن صورة ماليزيا قد تلطخت في الوقت الذي تشارك فيه في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان». ووصف خو إجراءات الشرطة بأنها كانت «مفرطة»، مضيفا بالقول: «لقد وجهت ضربة قاصمة لصورتنا كبلد ديمقراطي تقدمي».

وأدانت منظمتا «هيومان رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية» الحملة على المتظاهرين واعتقال المحتجين، معنفة ماليزيا لخرقها المعايير الدولية. وقالت دونا غيست من «العفو الدولية»: «بصفتها عضوا راهنا بمجلس حقوق الإنسان كان حري بالحكومة الماليزية أن تطرح نموذجا تحتذي به البلدان الأخرى في تعزيز حقوق الإنسان». ويقول يي كيم لينغ الخبير الاقتصادي البارز بهيئة رام هولدينغ المستقلة للاستشارات المالية إن الاحتجاج ألقى ضوءا سلبيا على ماليزيا التي نما اقتصادها بنسبة 7.2% العام الماضي، وعدّ بين الأقوى نموا في جنوب شرقي آسيا. وقال يي: «القلق الأكبر هو من أن يسفر ذلك عن خسائر فعلية مع تزايد المخاوف من عدم الاستقرار السياسي وإحجام المستثمرين عن الاستثمار».

وكانت المعارضة السياسية بزعامة أنور إبراهيم قد أحرزت مكاسب كبيرة في الانتخابات العامة في 2008. وفي أبريل (نيسان) الماضي، استمر مسلسل نجاح المعارضة بتحقيق فوز في انتخابات الولايات في ساراواك بجزيرة بورنيو التي تعد تقليديا معقلا لباريزان. وتعتقد المعارضة أنه لو كانت الانتخابات أكثر نزاهة لكان بإمكانها تحقيق نتائج أفضل من ذلك في انتخابات 2008، ما يهدد حكم باريزان المستمر منذ نصف قرن. ويقول المحتجون إنهم يريدون إصلاحات انتخابية تحول دون الغش، بما في ذلك استخدام حبر أكثر ثباتا حتى لا يصوت الناخبون أكثر من مرة، وإتاحة مساحة إعلامية متكافئة لأحزاب المعارضة، فضلا عن مراجعة القوائم الانتخابية. وأضاف خو: «من الواضح أن الحكومة شعرت بالخوف من التجمع المعارض، إذ لا يريدون أن تكتسب المعارضة مزيدا من الزخم بفضل الاحتجاج».

وقال جيمس تشين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موناش في كوالالمبور، إن رد فعل الحكومة جاء مفرطا، محذرا في الوقت ذاته من أن ذلك «سيؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها على نجيب». وتابع قائلا: «سيشعر رئيس الوزراء نجيب بعواقب ذلك خلال الانتخابات العامة المقبلة، فالناس سيصوتون ضد الحكومة».

ويشير مراقبون سياسيون إلى أن مسلك المتظاهرين أول من أمس كان منضبطا، إذ لم تشهد الاحتجاجات في أغلبها رشق الشرطة بالحجارة أو نهب المحال أو تحطيم نوافذ وأشياء من هذا القبيل. وكان الكثير من المحتجين من الشباب ومن أصحاب المهن الهامة ممن يعنيهم بشدة إدخال إصلاحات على النظام الانتخابية في البلاد. ويقول أنور إبراهيم: «من الواضح أن الهلع استبد بالحكومة، فالناس لم يعودوا يخشون الاعتقال». ويضيف خو أن مسلك نجيب جاء مفتقدا الحس السياسي، إذ سمح للشرطة بفرض شبه حصار على العاصمة والقيام بعمليات تفتيش من باب إلى باب في الفنادق لاعتقال زعماء الاحتجاج في الفترة التي سبقت المسيرة. ويضيف المحلل: «لقد تعالت الأصوات مطالبة بحكم أفضل وبديمقراطية أوسع، ولكن الحكومة للأسف لم تستمع لها».