طهران تخفف قيودها على تحركات قيادات «القاعدة» الموجودين لديها

التنظيم فاوض النظام الإيراني لتوفير ظروف أفضل لعناصره بينهم أبناء بن لادن

صورة أرشيفية لجنود إيرانيين يجرون تدريبات عسكرية بالقرب من الحدود الأفغانية (أ.ب)
TT

في صباح أحد أيام شهر مارس (آذار) الباردة العام الماضي، عاد دبلوماسي إيراني إلى وطنه بعد 15 شهرا تقريبا من اختطافه على أيدي مسلحين في كمين على الجانب الباكستاني من ممر خيبر. وأشادت إيران بإطلاق سراحه واعتبرته انتصارا لعملاء الاستخبارات الإيرانية الذين قاموا بمهمة إنقاذ في منطقة القبائل على طول الحدود الأفغانية - الباكستانية كما زعموا. لكن كانت نظرة مسؤولين غربيين وآخرين مختلفة، فقد رأوها نقطة تحول في الصفقات التي تعقدها إيران مع تنظيم القاعدة.

وبحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» فإنه يعتقد أن المفاوضات الخاصة بإطلاق سراح الدبلوماسي الإيراني المختطف قد وصلت إلى مستوى رفيع في تنظيم القاعدة، على حد قول مسؤولين غربيين. فقد طلب التنظيم مقابل تعاونه توفير ظروف حياة أفضل لعدد كبير من المقربين لأسامة بن لادن الذين يعيشون تحت ظروف أمنية مشددة في إيران ومن ضمنهم بعض أبناء بن لادن والمخطط العسكري الكبير سيف العادل.

النتيجة الواضحة كانت تمتع العادل، الذي ظل لفترة طويلة من القادة رفيعي المستوى في التنظيم وزادت أهميته بعد مقتل بن لادن على أيدي القوات الخاصة الأميركية في مايو (أيار)، بمزيد من الحرية في الحركة. وتولى أيمن الظواهري قيادة التنظيم خلفا لأسامة بن لادن. ومنذ إطلاق سراح الدبلوماسي الإيراني، حصل العادل على قدر أكبر من الحرية في السفر إلى باكستان، حيث قام برحلة واحدة على الأقل العام الماضي وسمح له بإجراء المزيد من الاتصالات مع قادة من تنظيم القاعدة على حد قول مسؤولين في أجهزة استخبارات غربية يراقبون عمليات تنظيم القاعدة عن كثب.

قد يمثل ذلك تحولا كبيرا في العلاقة الغامضة الطويلة بين إيران وتنظيم القاعدة. فمنذ عام 2001 بدت إيران مترددة في استضافة قادة تنظيم القاعدة لجأوا إليها عقب الغزو الأميركي لأفغانستان وفرضت قيود صارمة عليهم. رغم أن إيران تظل واقعة على مدار «القاعدة»، تبدو مأوى أكثر راحة لهؤلاء القادة.

اختار العادل رغم سفره إلى باكستان إيران لتكون مكان تمركزه وإقامته مع زوجته وأسرته على حد قول مسؤولين رفضوا الكشف عن هويتهم نظرا لحديثهم عن أمور استخباراتية. ويشير هذا إلى نظر العادل وربما بعض القيادات من المستوى الأدنى إلى إيران باعتبارها مكانا مناسبا للإقامة، حيث تقل القيود ويقل احتمال شن القوات الأميركية الخاصة غارات أو ضربات جوية على إيران. يقال إن العادل مصري ساعد في التخطيط لتفجيرات السفارات الأميركية في أفريقيا عام 1998 ومدرج على قائمة الإرهابيين المطلوبين التي وضعها مكتب التحقيقات الفيدرالي ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يمسك به.

قال ثيودور كاراسيك، الخبير في الشؤون الإقليمية في معهد الشرق الأدنى والتحليل العسكري بمنطقة الخليج ومقره في دبي: «هناك عدة أسباب تجعل قائد في تنظيم القاعدة يشعر بالراحة هذه الأيام في إيران، من أهمها كون أميركا عدوا مشتركا».

ولا تزال حياة أفراد التنظيم في المنفى بإيران غير واضحة الملامح بعد بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الغربية، حيث لم تنكشف تفاصيل دقيقة كثيرة مثل الحدود التي تفرضها إيران على تحركات أفراد التنظيم وما يجرونه من اتصالات.

ولم تعلق إيران رسميا على وجود أفراد من أسرة بن لادن الذين يعتقد وجودهم على أرضها أو عن العادل وآخرين في التنظيم الذي يعتقد أنهم قضوا بعض الوقت في البلاد وربما لا يزالون هناك. من هؤلاء عطية عبد الرحمن، الليبي الذي يعد من قيادات الصف الأول في التنظيم، وأبو محمد المصري، وهو من القيادات العليا في اللجنة الأمنية، التي يعتقد أن العادل يرأسها، وأبو حفص الموريتاني، أحد الفقهاء الشرعيين للتنظيم.

ويوضح كاراسيك قائلا: «العلاقة بين (القاعدة) وإيران من الأمور التي من الصعب اكتشافها. لكن هناك شعورا بأن إيران ليست متفرجا، فالعلاقة مع قادة رفيعي المستوى في التنظيم تقدم لإيران قنوات اتصال مع الدوائر الداخلية في التنظيم في حال ما إذا أرادت السير في هذا الاتجاه». ومع تولي الظواهري قيادة «القاعدة»، من المرجح أن يظل العادل منظما وراء الستار يقوم بالترتيب والتخطيطي لشن المزيد من الهجمات.

ويقول نومان بينوتمان، المحلل الأمني في لندن والجهادي السابق الذي له علاقات مع «القاعدة» في أفغانستان وباكستان والسودان: «تولى العادل تسيير الأعمال منذ مقتل بن لادن نظرا لخبرته العسكرية في التنظيم». ويرى بينوتمان ومحللون آخرون أن العادل كان ضد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حيث كان يتوقع إسقاط الولايات المتحدة لحكم حركة طالبان وطرد «القاعدة» من قواعدها في أفغانستان بحسب تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر. لكن يبدو أن العادل نجح في رأب الصدع بين قادة «القاعدة» ويعتقد أنه من أهل الثقة بالنسبة للظواهري الذي ينتمي إلى البلد الذي ينتمي إليه.

ربما يكون هناك علاقة بين تخفيف إيران القيود على «القاعدة» والصفقة الخاصة بالدبلوماسي الإيراني المختطف، حشمت الله عطار زاده، تفتح باب التكهن باحتمال تأسيس العادل لـ«فرع» لتنظيم القاعدة في إيران على حد قول مسؤول أمني عربي رفض الإفصاح عن هويته.

وشهدت العلاقة بين إيران و«القاعدة» توترا كبيرا. ينظر بعض المسلحين المتشددين، الذين يدعمون تنظيم القاعدة الذي أكثر أفراده من السنة، إلى الشيعة باعتبارهم طائفة مارقة ويرون في المطامع الإيرانية الإقليمية تهديدا أكبر من التهديد الذي يمثله الغرب. وقد استهدفت تفجيرات وهجمات انتحارية قام بها متمردون سنة في العراق أماكن شيعية مما أسفر عن مقتل آلاف الشيعة منذ عام 2003، فضلا عن استهداف جماعات مسلحة شيعية على صلة بإيران. ففي يناير (كانون الثاني) أعلن تنظيم القاعدة في اليمن الجهاد على المتمردين الشيعة الذين يتلقون دعما غير مباشر من طهران.

كذلك كانت إيران عدوا لدودا لحركة طالبان أفغانستان التي أوت عناصر «القاعدة» بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما زالت من أهم حلفاء التنظيم. في عام 1998، تم قتل ثمانية دبلوماسيين إيرانيين عندما اجتاحت عناصر من حركة طالبان مدينة مزار الشريف في شمال أفغانستان واتهموا بتنفيذ اغتيالات منظمة للشيعة. وصرحت منظمة العفو الدولية بأن مقاتلي طالبان هجموا على القنصل الإيراني في إطار هجمات منظمة ضد الشيعة. وأدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذلك ووصفه بـ«العمل الإجرامي». لكن رأى قادة إيران هروب عدد كبير من قادة وعناصر من تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى الأراضي الإيرانية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر فرصة عظيمة.

وضعت السلطات الإيرانية الكثيرين منهم رهن الإقامة الجبرية، لكنها رفضت تسليمهم إلى حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية، حيث من الممكن أن يتم تسليمهم أو التحقيق معهم من قبل القوات الأميركية. ويعتقد قادة طهران أن التحفظ على أقارب بن لادن وقادة في تنظيم القاعدة يمكن أن يضمن عدم تنفيذ التنظيم لهجمات ضد الشيعة. لقد كانت ورقة لعب أخرى في غمار الفوضى التي تعم أفغانستان، حيث لإيران روابط ثقافية واقتصادية بها.

في الوقت ذاته، كانت إيران تتعاون مع الغرب ضد تنظيم القاعدة، ففي عام 2003 زودت إيران مجلس الأمن بأسماء 225 مشتبها بهم من تنظيم القاعدة ممن تم القبض عليهم عند تسللهم عبر الحدود مع إيران وتم ترحيلهم إلى بلادهم في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.

وصرحت هيلاري مان ليفريت، مسؤولة سابقة في إدارة بوش، لوكالة «أسوشييتد برس» عام 2008 بأن إيران ألقت القبض على مئات العرب الذين تسللوا عبر حدودها قادمين من أفغانستان وطردت الكثير منهم وحصلت على صور ضوئية لنحو 300 جواز سفر في محاولة لمساعدة الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

لقد كانت لحظة نادرة كان لإيران فيها الهدف نفسه الذي كان لواشنطن وهو ما كان من الممكن أن يمهد لمزيد من التعاون الدبلوماسي بين البلدين.

لكن يقول مسؤولون إيرانيون إنهم ذهلوا عندما ذكر بوش إيران ضمن محور الشر بعد تعاونها مع الولايات المتحدة في تحديد هوية عناصر مشتبه بهم من تنظيم القاعدة.

وصرح رامين مهمان باراست، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في مايو بأن الولايات المتحدة لم يعد لديها أي مبرر لإبقاء قواتها في الشرق الأوسط بعد قتل بن لادن. لكن لم يعرف حتى الآن مدى تخفيف إيران للقيود المفروضة على أفراد تنظيم القاعدة وأسرة بن لادن على أراضيها. ومن أفراد أسرة بن لادن الذين لا يزالون موجودين في إيران إحدى زوجاته وعدد من أبنائه وأحفاده. في بداية العام الماضي تمكنت إيمان وهي واحدة من بنات بن لادن من الهروب من أحد المجمعات السكنية في إيران والوصول إلى السفارة السعودية في طهران، وسمح لها في النهاية بمغادرة إيران والإقامة في سوريا. حتى أفراد أسرة بن لادن يرسلون رسائل متناقضة إلى إيران. ففي العام الماضي، أرسل أحد أبناء بن لادن ويدعى خالد خطابا إلى المرشد الأعلى آية الله على خامنئي يشكو فيه من المعاملة السيئة التي تتلقاها عائلته، مشيرا إلى أنهم «يضربون ويتم إسكاتهم» مما أدى إلى توجيه تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا رسالة تحذيرية إلى إيران. وكان خالد من بين الذين قتلوا في الهجوم الأميركي على المجمع السكني الذي كان يقيم به بن لادن في باكستان. لكن كان لعمر، الأخ غير الشقيق لخالد، رأي آخر في طريقة تعامل إيران مع باقي أفراد أسرة بن لادن. وقال عمر في مارس 2010 من لندن: «أنا على يقين من معاملة أشقائي وشقيقاتي معاملة حسنة في إيران، فقد أخبروني هم بذلك».