التنقيب عن الذهب في إندونيسيا.. مهنة غير قانونية تجمع الفقراء كما الأغنياء

تمارس بطرق بدائية خطيرة.. وازدهرت مع ارتفاع أسعار المعدن النفيس عالميا

رجل يكسر الصخور بحثا عن الذهب في جزيرة لومبوك الإندونيسية
TT

بالقرب من قمة جبل خضراء لم يصلها أحد من قبل، تبرز رقعة تحمل اللونين البرتقالي والأزرق، مما يدل على وجود منجم ذهب غير قانوني. ويبدو أن المنجم كان جديدا، حيث إن الممر المؤدي له قد تم نحته مؤخرا من الأدغال الكثيفة وتمت تغطيته بالحجارة.

وتحمل النساء على رؤوسهن حقائب من الصخور تزن كل منها 50 رطلا إلى أسفل الطريق وتذهب بها إلى قرية مجاورة حتى يتم سحق الصخور بالأيادي والآلات، ثم يتم خلطها بالماء والزئبق، بحثا عن ذرات الذهب. وقد تم اكتشاف المنجم قبل نحو أسبوع ويوجد به عشرات الرجال الرابضين على منحدر حاد، ويقوم كل منهم بالحفر تحت السطح ويملأون حقائبهم بالحجارة. وانضم اثنا عشر رجلا مؤخرا إلى الرجال الذين يتناوبون على الحفر العميق في الصخور. وفي إحدى البقاع هناك رجل يرتدي سروالا أزرق اللون وقميصا بنيا في حفرة عمقها خمسة أقدام ويمسك بمنحت بيده اليسرى التي يرتدي فيها قفازا ويمسك مطرقة بيده اليمنى العارية. وهناك صخرة عملاقة غير مستقرة فوق الحفرة ويتم تثبيتها بفرعي شجرة. وقال جمعة، الرجل الموجود في الحفرة، وهو ينظر إلى أعلى ويبتسم ويتصبب عرقا: «إذا لم نضع هذه الفروع هناك، لانهارت الحفرة». ولا نعرف الاسم الثاني لجمعة لأنه يستخدم اسما واحدا فقط مثله مثل العديد من الإندونيسيين. وكان جمعة، 45 عاما، يعمل في السابق فلاحا، إلا أنه أصبح الآن واحدا من عدد لا يحصى من هؤلاء الرجال الذين يبحثون عن المال من خلال البحث عن الذهب في شرق إندونيسيا.

وبعد ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، بدأت مناجم الذهب غير القانونية في الازدهار هنا منذ ثلاث سنوات في جزيرة لومبوك، والتي تعد وجهة سياحية للأجانب. وفي المناطق الفقيرة من هذه الجزيرة مثل منطقة سيكوتونغ، فإن اكتشاف بضعة غرامات من الذهب قد ساعد الأسر على استبدال أكواخهم المصنوعة من القش بمنازل مبنية من الخرسانة.

ويعتقد أن مئات الأشخاص قد لقوا حتفهم وهم يحفرون في مناجم غير قانونية بسبب قلة الخبرة في مجال التعدين والأدوات غير الكافية. وتشعر السلطات بالقلق من عواقب ذلك على المدى الطويل، حيث يستخدم الباحثون عن الذهب مادة الزئبق لاستخراج المعادن الثمينة وإلقاء المخلفات في البيئة.

وقال إسبان الجنيدي، وهو المتحدث الرسمي باسم حكومة لومبوك الغربية التي تضم سيكوتونغ: «إننا نعلم أن هذا هو السبب في داء ميناماتا». يطلق اسم ميناماتا على مرض التسمم بالزئبق. وأوضح إسبان أن السلطات حاولت عدة مرات إيقاف العمليات غير المشروعة، والتي تبدأ مجددا بمجرد مغادرة الشرطة للمنطقة، وهذا هو السبب في أنه من المستحيل تحديد عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في انهيار المناجم والانهيارات الصخرية، على الرغم من أن التقديرات كانت بالمئات. ولا يقوم الأشخاص الذين يحفرون بالإبلاغ عن حالات الوفاة خشية أن يتم إغلاق المناجم.

وجدير بالذكر أن شركات التعدين قد بدأت التنقيب عن الذهب في لومبوك في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وقد حصلت 17 شركة على ترخيصات للتعدين من قبل الحكومة المحلية، ولكن لم تقم الحكومة المركزية بالشروع في التعدين عن الذهب في لومبوك لأسباب غير معلومة، حسب تصريحات إسبان.

ويتم استخراج الذهب من أماكن أخرى في إندونيسيا منذ فترة طويلة. وتعد إندونيسيا واحدا من أكثر منتجي المعدن النفيس في العالم. وبدأ الاندفاع غير القانوني للبحث عن الذهب يزداد بصورة كبيرة هنا قبل ثلاث سنوات عندما ارتفعت أسعار الذهب بشكل حاد في أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008. وبدأ الإندونيسيون الصينيون في توظيف السكان المحليين لجمع الصخور من الجبال، ولكن لم يخبروهم عن أي شيء يبحثون.

وقال مقصود، 39 عاما، وهو صاحب شركة «انتانريزيزكيا» التي تعد أكبر مشتر للذهب في سيكاربيلا التي تبعد مسافة ساعتين بالسيارة من هنا: «يفهم الصينيون الكثير عن التعدين لأنهم متعلمون، أما نحن فلا نذهب إلى المدارس». ومع ذلك، اكتشف السكان المحليون الأمر بسرعة كبيرة، وسرعان ما تجمع الآلاف من جميع أنحاء لومبوك وغيرها من الأماكن في منطقة سيكوتونغ. وانتشرت الروايات عن أن الأشخاص الذين ينقبون عن الذهب قد وجدوا قطعا من المعدن النفيس التي غيرت حياتهم، والأكثر من ذلك أنه أصبح لدى الكثير منهم المال الكافي لشراء أو استئجار آلات تكسير الصخور.

وتركزت الصناعة المزدهرة في منطقة سيكاربيلا، التي لها تاريخ طويل مع صناع المجوهرات. وفي إحدى الأمسيات الأخيرة، تدفق باعة الذهب إلى متجر مقصود وكتبوا الأسعار التي يشتري بها الذهب على قصاصات من الورق، ثم قارنوا بينها وبين الأسعار التي يشترى بها محلات شراء الذهب الأخرى في المدينة. ويشتري مقصود غرام الذهب عيار 24 مقابل 45 دولارا، مما يحقق له ربحا يتراوح بين 2 في المائة و5 في المائة. وقال مقصود إنه يقوم بصهر هذه القطع مع سبائك الذهب، ثم فتح درجا مغلقا كان يوجد به سبيكة من الذهب تزن ثلاثة أرطال.

وهناك رجل يدعى برهان الدين، 27 عاما، يعمل كوسيط، حيث يسافر بشكل متكرر بين سيكوتونغ وسيكاربيلا ويشتري الذهب من الرجال الذين يقومون بالحفر ثم يبيعه إلى محلات الشراء بعد زيادة سعره بنسبة 5 في المائة. وكان برهان الدين يعمل كعامل بناء حتى قبل أسبوع، لكنه غير مهنته بعدما وجد أن العديد من أصدقائه قد جمعوا الكثير من المال من الذهب، حيث قام أحد أصدقائه الذين يبحثون عن الذهب بشراء تلفزيون ودراجة نارية «وتزوج في الآونة الأخيرة»، حسب تصريحات برهان الدين.

ويمكنك سماع أصوات آلات حفر الصخور التي تتحرك في الشوارع الجانبية لسيكاربيلا. ويقوم مستخدمو الآلات بسكب المياه والزئبق على الأجهزة، على أمل التقاط قطع صغيرة من الذهب الخام. ويملك فريد، 31 عاما، ثمانية أجهزة في فناء عائلته، فضلا عن 400 حقيبة بداخل كل منها 50 رطلا من الصخور التي سيتم سحقها. وحتى الآن، استخرج فريد 2.5 أوقية من الذهب تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة آلاف دولار بأسعار اليوم، كان قد حصل عليها من 150 حقيبة. وكان فريد ينقب عن الذهب قبل ثلاث سنوات، ولكن الآن اشترى مئات الحقائب للقيام بهذه العملية.

وكان شقيقه أوجي، 28 عاما، يعمل أيضا في الذهب، وقال مرددا الشعور السائد هنا: «لا أعتقد أن أسعار الذهب ستنخفض مرة أخرى. لقد قرأت على الإنترنت أن أسعار الذهب ستستمر في الزيادة إلى الأبد».

وفي قرية صغيرة هنا تدعى ميندوروت يمكنك مشاهدة المنازل المبنية من الخرسانة بجوار أكواخ من القش. وقال السكان إن سرقة الأبقار والماعز لم تعد مشكلة بفضل اندفاع الناس للبحث عن الذهب. أمضى مارسياح، 33 عاما، وهو أحد الأشخاص الذين يحفرون عن الذهب، سنوات للعمل في ماليزيا ولكن يمكنه الآن البقاء في وطنه. وتقول زوجته مونسنيواتي، 30 عاما، إنها اعتادت جمع الحطب خلال الفترة الممتدة من الفجر وحتى الغسق لكي تبيعه مقابل نحو دولار واحد في اليوم. وقالت الزوجة: «لو توقفت عن هذا العمل يوما واحدا، لما تمكنت من توفير الطعام». وأضافت أنها أصبحت الآن أكثر سعادة لأنها يمكنها أن تبقى في المنزل وتحصل على أموال مقابل تكسير الصخور الكبيرة حتى يمكن إدخالها إلى آلات تكسير الصخور.

ومع ذلك، كان الزوجان يشعران بالقلق بسبب ضراوة المنافسة نتيجة انضمام الكثير من الناس كل يوم للعمل في البحث عن الذهب. وفي حالة عدم العثور على كميات من الذهب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إفلاس الأشخاص الذين يقومون بالحفر، لا سيما أولئك الذين اقترضوا أموالا لشراء آلات تكسير الصخور. وقال الزوج: «هناك مثل هنا يقول: إذا كنت تريد أن تكون ثريا ابحث عن الذهب، وإذا كنت تريد أن تكون فقيرا ابحث عن الذهب، وإذا كنت تريد أن تموت ابحث عن الذهب».

* خدمة «نيويورك تايمز»