صحافيو «نيوز أوف ذي وورلد» كتبوا خبر نعي صحيفتهم في الطبعة الأخيرة

مع تسريح 200 صحافي.. تساؤلات حول الضوابط التي تنظم عمل الصحف في بريطانيا

«نيوز أوف ذي وورلد» تودع قراءها برسالة اعتذار في الصفحة الأولى (أ.ب)
TT

أنهت أعلى صحف التابلويد البريطانية الصادرة أيام الأحد من حيث التوزيع، «نيوز أوف ذي وورلد»، مشوارها برسالة بسيطة في صدر صفحتها الأولى: «شكرا لكم ووداعا»، لتترك وراءها المؤسسة الإعلامية تترنح تحت وطأة فضيحة التنصت على الهواتف التي أسقطت الصحيفة التي تركز اهتمامها على نشر الفضائح بعد 168 عاما على تأسيسها.

وصاغ صحافيون خبر نعي صحيفتهم قبل إرسال النسخة الأخيرة منها إلى المطابع مساء أول من أمس، حيث أعربوا عن اعتذارهم للقراء لخذلان الصحيفة لهم، لكنهم تجاهلوا الاعتراف بالمزاعم الأخيرة حول دفع عاملين بالصحيفة أموالا لمسؤولين بالشرطة مقابل الحصول على معلومات بحسب وكالة «أسوشييتد برس».

وفي رسالة جرى نشرها على الموقع الإلكتروني للصحيفة، قال العاملون: «لقد أثنينا على المعايير الرفيعة، وطالبنا بإقرار معايير رفيعة، لكن حسبما اتضح لنا الآن على نحو مؤلم فإنه خلال فترة امتدت لبضع سنوات حتى عام 2006، عجز البعض منا، أو ممن عملوا تحت اسمنا، عن الارتقاء إلى مستوى هذه المعايير عجزا مشينا». وأضافوا: «ببساطة، لقد ضللنا الطريق. جرى التنصت على هواتف، وهو أمر تأسف له هذه الصحيفة حق الأسف».

من ناحية أخرى، من المقرر أن يصل روبرت مردوخ، التي تمتلك إمبراطوريته الإعلامية المتمثلة في «نيوز كوربوريشن» الصحيفة، لندن (أمس) في زيارة مقررة سلفا، حسبما صرح مصدر مطلع لـ«أسوشييتد برس»، مشترطا عدم كشف هويته لحساسية القضية.

وكان مردوخ، أسترالي المولد، قد اشترى الصحيفة عام 1969 باعتبارها أول موطئ قدم له داخل الحقل الإعلامي البريطاني. بعد ذلك مضى في شراء الكثير من وسائل الإعلام الأخرى، مما أكسبه نفوذا لا يضاهى على الصعيد السياسي البريطاني عبر النفوذ الواسع لصحفه.

الآن يواجه مردوخ عاصفة من الانتقادات والغضب بسبب تتابع الأحداث التي أطلقتها مزاعم بدفع صحافيين من «نيوز أوف ذي وورلد» أموالا لمسؤولين بالشرطة لتلقي معلومات، وتورطهم في القرصنة على خدمة البريد الصوتي لضحايا قاتل شاب والأسر المكلومة لجنود قتلى.

وجاءت ذروة المعلومات التي جرى الكشف عنها مؤخرا في قرار إغلاق الصحيفة وتسريح 200 صحافي، إلا أن الخطوة فشلت في كبح جماح التساؤلات الأكبر حول الفساد داخل الصحيفة والضوابط التي تنظم عمل الصحف في بريطانيا.

وسارت أحداث هذه الفضيحة بسرعة جنونية على الصعيد الإعلامي، وأثارت نقاشات على أعلى المستويات الرسمية. ودعا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لإقرار نظام ضوابط جديدة للصحافة وتعهد بإجراء تحقيق عام بشأن الأخطاء التي اقترفت. من جانبه لمح رئيس شؤون تشغيل الصحف التي يملكها مردوخ داخل المملكة المتحدة إلى أنه سيتكشف مزيد من المعلومات خلال الفترة القادمة.

ومع توجيه آخر عدد من «نيوز أوف ذي وورلد» إلى المطابع أعرب جون ييتس، مساعد مندوب الشرطة، عن «أسفه البالغ» لعدم سعيه لإعادة فتح تحقيقات الشرطة حول قضية التنصت على الهواتف منذ عامين. وقال خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة «صنداي تلغراف»: «من الواضح أنه كان بوسعي فعل المزيد».

في المقابل، فضل مردوخ التحلي بالصمت في الغالب في خضم تداعيات الفضيحة، وأصدر بيانا رسميا واحدا وصف فيه المزاعم بأنها «مستهجنة وغير مقبولة». وتحدث على نحو موجز مع مراسلين في صن فالي بإيداهو، أول من أمس، حيث كان يحضر مؤتمرا إعلاميا، سعيا لدعم قيادة مؤسساته الصحافية داخل المملكة المتحدة.

يذكر أن العدد الأخير من الصحيفة صدر الأحد، وغطت الصفحتان الأولى والأخيرة مجموعة من صور لتغطيات حصرية وموضوعات سبق صحافي ماضية.

وحملت الصفحة الأولى عبارة موجزة هي: «أعظم صحف العالم 1843 - 2011»، وعنوان آخر يقول: «بعد 168 عاما، نقول بحزن ولكن بفخر بالغ: وداعا لـ7.5 مليون قارئ مخلص».

على امتداد اليوم، أعرب صحافيون بالصحيفة عن حزنهم وفخرهم بالعمل بها لما تتمتع به من مكانة كبرى. وأظهرت صور ملتقطة بكاميرات فيديو صحافيين داخل صالة التحرير وهم ينقرون على لوحات مفاتيح حواسبهم الآلية، بينما تعرض التلفزيونات صورا لما يقومون به ولمأساتهم. وارتدى أحد العاملين قميصا حمل عبارة: «وداعا (نيوز أوف ذي وورلد) يا قاسية، سأرحل عنك اليوم».

وألقى رئيس تحرير الصحيفة كولين مايلر كلمات تشجيع وتعاطف على فريق العاملين معه في «يوم عصيب للغاية». وقال في مذكرة موجهة إلى العاملين اطلعت عليها «أسوشييتد برس»: «هذا ليس المكان الذي نرغب في الوجود به، وليس المكان الذي نستحقه، لكن أعلم أننا سننتج صحيفة نفخر بها».

ووصفت هيلين موس، محررة الأخبار التي ألقت كلمات تشجيع على الصحافيين الذين عسكروا خارج مقر الصحيفة، صالة التحرير بأنها «طغت عليها المشاعر».

واستمر كثير من المشاعر في التركيز على «نيوز إنترناشيونال»، شركة مملوكة لـ«نيوز كوربوريشن»، والتي اتخذت قرار إغلاق الصحيفة بعد إثارة المزاعم الجديدة موجة جديدة من الانتقادات وتسببت في فرار الجهات الإعلانية.

وكانت الفضيحة قد تفجرت هذا الأسبوع بعد تواتر أنباء عن أن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على هاتف نقال صبية في الـ13 من عمرها قتلت في ميلي داولر عام 2002، بينما كانت الأسرة والشرطة تكثفان جهود البحث عنها. وتشير أنباء إلى أن مراسلي «نيوز أوف ذي وورلد» مسحوا بعض الرسائل من خدمة البريد الصوتي بهاتف الضحية، مما منح والديها أملا كاذبا في أنها لا تزال على قيد الحياة.

وقد أثار ذلك غضبا شعبيا عارما تجاوز أي رد فعل سابقا إزاء حالات تدخل الصحافة في حياة السياسيين والمشاهير، والتي اعترفت الصحيفة بها من قبل ودفعت تعويضات لبعض الضحايا المشاهير، بينهم الممثلة سينا ميلر.

وتأجج الغضب بالكشف عن أن الصحافيين دفعوا أموالا لأفراد من الشرطة للحصول على معلومات، مما أثار دعوات بمقاطعة الصحيفة ودفع عشرات الشركات لسحب إعلاناتها منها خوفا من أن تشوه صورتها بارتباطها بها.

الخميس، أعلن جيمس مردوخ، الذي يعتقد كثيرون أنه الخليفة المحتمل لوالده، أن النسخة الصادرة الأحد ستكون الأخيرة وستخصص جميع عائداتها لـ«أغراض خيرية».

ورأى البعض في القرار محاولة مستميتة من جانب الإمبراطورية الإعلامية المملوكة لمردوخ لوقف التداعيات السلبية الناجمة عن الفضيحة، وبالتالي إنقاذ صفقة بقيمة 19 مليار دولار للاستحواذ على شركة «بريتيش سكاي برود كاستنغ». إلا أن الحكومة البريطانية لمحت إلى أن الصفقة سترجأ بسبب الأزمة الراهنة، بينما استمرت فصول جديدة للفضيحة بالإعلان عن إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص على صلة بالأمر، الجمعة.

ألقي القبض، الجمعة، على آندي كولسون، محرر سابق بالصحيفة ومسؤول سابق لشؤون الاتصالات لدى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وكذلك على كليف غودمان، مراسل سابق لدى الصحيفة للشؤون الملكية، ورجل ثالث لم تحدد هويته يبلغ من العمر 63 عاما. وأطلق سراح الثلاثة لاحقا بكفالة.