ألسنة التابلويد الحادة أبقت النخب البريطانية تحت السيطرة

الساسة كانوا أكثر خوفا من لدغات «صن» وشقيقتها «نيوز أوف ذي وورلد»

TT

عام 2004، أدركت كلير شورت، عضو البرلمان عن حزب العمال، ماذا يحدث للسياسيين البريطانيين عندما ينتقدون صحف التابلويد التي لا تغفر. خلال مأدبة غداء في ويستمنستر، ذكرت كلير على نحو عابر أنها لا تأبه بصور النساء العاريات التي تظهر يوميا في الصفحة الثالثة من صحيفة التابلويد الشهيرة «صن»، التابعة لـ«نيوز كوربوريشن» التي يملكها روبرت مردوخ. وقالت: «أتمنى إزالة صور العري من صحفنا.» وكان هذا خطأ فادحا.

في ردها، خرجت «صن» بعنوان رئيسي يقول: (كلير) «البدينة الغيورة تنتقد الصور العارية في صفحة 3». وبعثت رئيسة تحرير الصحيفة، ريبيكا ويد (تشتهر الآن باسم ريبيكا بروكس، وتتولى منصب الرئيسة التنفيذية لـ«نيوز إنترناشيونال»، التابعة لإمبراطورية مردوخ الإعلامية)، بعشرات من العارضات اللائي لا يرتدين شيئا تقريبا للسخرية منها أمام منزلها في برمنغهام.

ووضعت الصحيفة صورة لرأس شورت على جسد امرأة عارية وأشارت لآراء قراء قالوا إنهم يتمتعون بمشاهدة هذه النوعية من الصور.

وأوردت الصحيفة تعليقا على لسان فتاة تدعى نيكولا مكلين، 22 عاما، حيث قالت: «حتى كلير تملك جسدا مثل أجسادنا، لكن يبدو أنها ليست سعيدة به مثلما نفتخر نحن بأجسادنا.» إن الخوف من التعرض لمواقف كتلك، بجانب الضرورات السياسية، شكلت منذ أمد بعيد أساس التواطؤ القائم بين السياسيين البريطانيين وصحف التابلويد هنا، حتى الأحط مستوى فيها.

ومهما شعر السياسيون باستياء بالغ لأساليب ومقالات هذه الصحف ـ من تخفي المصورين وراء الشجر وانتحال المراسلين شخصيات وهمية لاجتذاب البعض للسقوط في تجاوزات أخلاقية، وتجاوزات مالية، ودفع رؤساء التحرير عشرات الآلاف من الدولارات للحصول على لقاءات حصرية مع عاشقات السياسيين والنجوم الرياضيين، بجانب خدمات التنصت السرية، وفيض القصص المستمرة حول الفضائح الأخلاقية ـ غالبا ما يساور السياسيين الخوف من التصريح بذلك، خشية فقدان تأييد الصحف لهم أو استهدافها لهم.

وإذا كان إغداق المكافآت السياسية على السياسيين شكل عنصر الجزرة في معادلة مردوخ، فإن معاقبتهم لإعلانهم انتقادات للصحف كان العصا. إلا أن المعلومات التي أزيح عنها النقاب مؤخرا حول فضيحة التنصت على هواتف كسرت هذه اللعنة على ما يبدو، وبثت الجرأة في نفوس حتى حلفاء مردوخ أمثال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لانتقاد شركته وتشكيل لجنة لدراسة الضوابط الحاكمة للعمل الصحافي.

ولم تقتصر القدرة على التحرش والتهديد على صحف مردوخ، وإنما تعد صحف التابلويد البريطانية جميعها مدانة إلى حدا ما باستغلال نفوذها في تشويه أولئك الذين يثيرون غضبها، حسب ما أفاد سياسيون ومحللون.

من جهته، قال جون ويتنغديل، عضو برلماني عن حزب المحافظين يتولى رئاسة لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية والرياضية: «صحف التابلويد في بريطانيا قوية للغاية، وعدوانية للغاية، ولا يقتصر ذلك على تلك المملوكة لـ(نيوز كوربوريشن)، وإنما (ميل) أيضا عدوانية للغاية. إنهم إما يلمعون سمعة البعض أو يدمرونها. لذا يحرص السياسيون على التعامل معها بحذر.» تعد شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء السابق توني بلير، من بين الشخصيات التي تعرضت لهجوم منتظم من جانب «ديلي ميل»، ذات التوجهات اليمينية، وذلك لأنها لم تبذل جهودا لدعم هذا التيار ولم تكن من المعجبين بحزب العمال الذي ينتمي إليه زوجها. وعبر سلسلة من المقالات، رسمت الصحيفة صورة لها باعتبارها شخصية جشعة ومبذرة وتتبع أنظمة علاج طبي بديلة غريبة، وعمدت الصحيفة إلى انتقاء صور سيئة لها كي تبدو بدينة وغير أنيقة، بينما يبدو فمها معوجا على نحو غريب.

إلا أن السياسيين كانوا دوما الفئة الأكثر خوفا من لدغات «صن» وشقيقتها الصادرة أيام الأحد، «نيوز أوف ذي وورلد» (على الأقل حتى إغلاق الأخيرة هذه الأحد)، وذلك لأن العلاقة الطيبة مع هذه الصحيفة تحمل أهمية سياسية كبيرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»