مقاطع الفيديو المصورة.. صداع دائم للنظام السوري

تصويرها مغامرة كبيرة.. ونشرها يكلف صاحبها الاعتقال

صورة مأخوذة من موقع أوغاريت، أمس، لمظاهرة احتجاج في العاصمة السورية دمشق
TT

منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت آلاف الفيديوهات المحملة بمشاهد عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان تقوم بها قوات الأمن وقوى الجيش السوري، ولعبت مقاطع الفيديو تلك دور البطولة إعلاميا في مناصرة مطالب المحتجين، وهو ما أسهم في تصاعد الغضب الشعبي العارم بحق النظام السوري.

أصعب تلك اللقطات كانت للطفل حمزة الخطيب الذي أظهر الفيديو الخاص به تعرضه لتعذيب وحشي، وهو ما ألهب الاحتجاجات ودفع بآلاف السوريين لإظهار تعاطفهم مع الطفل.

يقول رامي نخلة، الناشط الحقوقي والمعروف إعلاميا باسم «ملاذ عمران»، لـ«الشرق الأوسط»: «ما أسهم في وصول عدد كبير من الفيديوهات التي توثق المظاهرات والجرائم في سوريا إلى الإنترنت ثم الإعلام، هو الوعي الكبير لدى المواطن السوري بضرورة توثيق هذه الأحداث وإطلاع العالم عليها». ويعتبر نخلة تلك الفيديوهات «السلاح الوحيد المتاح للمواطن السوري الأعزل للوقوف في وجه التزييف الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي السوري».

من جهته، يقول الدكتور عمار القربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا، إن مقاطع الفيديو ازدادت أهميتها بشكل كبير على خلفية منع السلطات السورية للصحافيين الأجانب والعرب من دخول سوريا وتغطية الأحداث، وهو ما جعل الإعلام العالمي يتلقف الفيديوهات كمادة ثرية لما يحدث على الأرض.

اللافت أن بداية الاحتجاجات شهدت تشكيك السلطات السورية في أماكن تصوير تلك المقاطع، حيث زعمت أن معظمها تم تصويره خارج سوريا، وهو ما جعل الناشطين ينتقلون لمرحلة أكثر احترافية في تصوير مقاطع لتشمل علامات مميزة في البلدات محل التصوير مصحوبة بالتاريخ وعلامات مائية لتسميات أيام الجمعة التي تشهد التصوير. ووفقا لناشط سوري، تحدث لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، طلب عدم الكشف عن هويته، «يعد الفيديو هو الوسيلة الإعلامية الأكثر مصداقية، فلا يمكن نفيه على الإطلاق».

وأوضح القربي أن الحواجز الأمنية بين المدن السورية تشهد تدقيقا بالغا على أجهزة التليفون الجوال والكاميرات الإلكترونية لمنع انتشار مقاطع فيديو أكثر حدة بين السوريين، مشيرا إلى اعتقال مئات الناشطين الذين ثبت أنهم قاموا بتصوير أو تمرير أو تخزين مقاطع للفيديو.

وبين أن عملية تصوير مقاطع الفيديو تنطوي على مخاطرة جد كبيرة، فالكثير من الشبان يخاطرون بحياتهم في سبيل تصوير مشهد واحد يوثق جريمة، وهم يعلمون بأنهم الهدف الأول لقناصة النظام، لكنهم لا يترددون في التصوير. موضحا أن «السلطات السورية تستهدف وتتعقب نوعين من المشاركين في الاحتجاجات أولهم (الهتيفة) ومؤلفو الأهازيج، وثانيهما مصورو الفيديوهات الذين يلتقطون مشاهد العنف المفرط بحق المحتجين»، وأوضح القربي أن عشرات السوريين سقطوا ضحايا ثمن مشاركتهم في نقل الأحداث لعل آخرهم وأشهرهم الشاب الحمصي هادي الجندي (22 عاما) الذي اغتيل ظهر الجمعة الفائت 8 يوليو (تموز) برصاصة في الرأس ثمنا لفضحه ممارسات النظام السوري.

وكشف ناشطون آخرون لـ«الشرق الأوسط» أن عشرات الشباب سقطوا ضحايا من شرفات منازلهم أثناء تصوير مقاطع فيديو، لعل أبرزها مشهد شهير لشاب سوري يقتل أثناء تصويره مقطع فيديو من فوق سطح بنايته.

ويؤكد رامي نخلة أن الفضل الأكبر في انتشار تلك الفيديوهات يعود إلى المتظاهرين أنفسهم، فالنسبة الكبرى من الفيديوهات التي رفعت لم تصل إلى الناشطين مباشرة أو لأي مجموعة ناشطة أخرى بل يتم وضعها على الإنترنت مباشرة. وكشف نخلة عن خلايا عمل إلكترونية تنشط خارج سوريا لالتقاط تلك المقاطع وإعادة تنظيمها بشكل احترافي حيث يقول: «هناك ناشطون في الخارج يكرسوا كل وقتهم لمراقبة (يوتيوب) على مدار 24 ساعة، ويعملون على إعادة تحميل كل فيديو يخرج من سوريا ووضعه في صفحة واحدة مما يسهل تعامل وسائل الإعلام معها».

ولا يتوقف عمل السوريين في الخارج على إعادة تجميع الفيديوهات حيث ينشط آخرون لديهم خبرة بالأمور التقنية، وهو ما أسهم بشكل كبير في إعادة ترجمة الفيديوهات التي تحمل شهادات هامة إلى لغات عدة، حرصا منهم على وصول الرسالة واضحة إلى الناطقين بلغات أخرى خاصة الإنجليزية والفرنسية.

وبحسب ناشط إلكتروني تحدث لـ«الشرق الأوسط» من دمشق عبر الـ«Skype»: «ربما لا يعرف البعض أن دمشق التي لم تشهد مواجهات عنيفة بحدة مواجهات في بانياس ودرعا وحماه تعتبر مركزا لنقل الثورة السورية للعالم الخارجي عبر الإنترنت، حيث تتوفر بها الكهرباء بصورة مستمرة وكذلك خدمات الإنترنت عكس الكثير من البلدات والمدن السورية الأخرى التي قطع النظام الكهرباء وخطوط الهواتف الأرضية والجوالة عنها، وهو ما جعلها مركز لاستقبال آلاف الفيديوهات التي تنتشر لاحقا في الفضاء الإلكتروني، لتكشف حجم الانتهاكات التي يقترفها نظام بشار الأسد».

لكن ناشطين سوريين كشفوا أنهم يستخدمون مولدات كهربائية وهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية التي هربها متعاطفون أجانب عبر الحدود مع لبنان، وهو ما يساعد الناشطين السوريين في نقل حقائق ما يحدث على الأرض للعالم الخارجي عبر مقاطع الفيديو التي تصلهم.