نص الوثيقة المقترحة للمبادئ الأساسية في مصر

TT

تفردت الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011 بمطالبها الإنسانية لكل المواطنين، دون أي تمييز، فخرج المصريون من جميع شرائح المجتمع دون استثناء، من كل دين وملة، فقراء وأغنياء، شيوخ وشباب وأطفال، رجال ونساء، في شتى محافظات مصر، لنصرة أهداف الثورة في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

واستمر تفرد الثورة في إصرارها على سلميتها رغم كل ما واجهته من قتل وعنف وما فقدته من الشهداء ودماء المصابين، كما تفردت بانحياز القوات المسلحة لحمايتها، ثم توجت هذا كله بمطالبتها الملحة بالمحاكمة العادلة لقاتليها وجلاديها وخصومها، فألهمت شعوب العالم.

وإذ تواجه الثورة المصرية في المرحلة الحالية مخاطر وتحديات جساما تهدد بضرب أهدافها في مقتل، وإعادة إنتاج النظام الاستبدادي الذي قامت لإسقاطه في ثوب جديد، فقد تبين من تجربة دستور 1971 أن تعديل الدستور ممكن لتحقيق رغبات الحكام في دوام الاحتفاظ بالسلطة والانفراد بها، وتوريثها، التفافا على قيم الجمهورية أو تفريغا للحقوق والحريات العامة من مضامينها بتحويل حالة الطوارئ الاستثنائية المؤقتة إلى حالة طبيعية دائمة.

واستيعابا للدروس المستفادة من هذه التجربة، ورغبة في إعادة توحيد الصف واستعادة روح الثورة التي توحد حولها المصريون بأطيافهم المتنوعة التي تلاقت بالميادين في كل المحافظات، فإن الأمر يستدعى التوافق والاتفاق حول مجموعة من المبادئ الحاكمة التي تعلو بالحقوق والحريات الأساسية للمواطن المصري، وتحصنها، فلا يجوز تعديلها أو إهدارها أو المساس بمضمونها أو جوهرها بأي طريقة كانت، مما يوفر ضمانات لحمايتها تعلو على نصوص الدستور ذاته وتضمن استقرار دولة القانون المدنية والنظام الديمقراطي والحقوق والحريات الأساسية للمواطنين في مصر بعد الثورة. وقد تم التوافق في إطار مناقشات مؤتمر الوفاق القومي على مشروع الوثيقة المرفق.

نص وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدولة المصرية الحديثة

* نحن جماهير شعب مصر الحر، على هذه الأرض الطيبة منذ فجر التاريخ، اعتزازا بنضال هذا الشعب المصري عبر تاريخه العريق من أجل الحرية وسلام البشرية، وما قدمه للحضارة الإنسانية، مدركين التحديات التي تواجهنا على طريق بناء دولة القانون بمقوماتها المدنية الديمقراطية الحديثة القائمة على المواطنة، ومؤمنين بقيمة المواطن وحماية حقوقه في المساواة والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وضمانا لتحقيق أهداف الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011، واستلهاما لروحها، واحتراما ووفاء لأرواح الشهداء وتضحيات ونضال الشعب المصري العظيم، نعلن وثيقة المبادئ الأساسية الحاكمة للدولة المصرية الحديثة:

أولا: المبادئ الحاكمة 1 - جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية موحدة غير قابلة للتجزئة، شعارها «الحرية.. والكرامة الإنسانية.. والعدالة الاجتماعية»، نظام الحكم فيها جمهوري يقوم على أساس المواطنة وحكم القانون، يحترم التعددية السياسية والثقافية، ويكفل المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة بينهم.

2 - الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ومبادئ شرائع غير المسلمين هي المصدر الرئيسي للتشريعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية.

3 - السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، يمارسها من خلال الاستفتاءات الحرة والانتخابات الدورية النزيهة، عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر وتحت الإشراف القضائي الكامل، وفقا لنظام انتخابي يضمن حق الترشح والتصويت وعدالة التمثيل لجميع المواطنين، رجالا ونساء، دون أي تمييز أو إقصاء. ولا يجوز حرمان أي مواطن من حق الترشح أو الانتخاب دون سند من القانون ولمدة وأسباب محددة.

4 - يقوم النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة. وللمواطنين حق مباشرة العمل السياسي وإنشاء الأحزاب السياسية بالإخطار، بشرط عدم استنادها إلى أي أساس ديني أو جغرافي أو عرقي أو أي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة، كما يحظر ممارستها لأي نشاط ذي طابع عسكري.

5 - سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتخضع السلطات العامة والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والمواطنون كافة للقانون دون أي تفرقة. واستقلال القضاء ضمانة أساسية لمبدأ خضوع الدولة للقانون وكفالة العدالة للكافة.

6 - الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واستقلالها واجب باعتباره أحد مقومات النظام الديمقراطي اللازمة للحد من تدخل السلطة التنفيذية وضمان الرقابة التبادلية بين السلطات. ولا يجوز للسلطات العامة أن تتنازل لغيرها عن اختصاصاتها أو أن تفوض في هذه الاختصاصات إلا بموجب نص دستوري. ويحظر توريث السلطة أو الوظائف العامة.

7 - نهر النيل شريان الحياة على أرض مصر الكنانة، وتلتزم الدولة بحسن إدارته وحمايته من التلوث والتعديات، وتعظيم الانتفاع به والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيه، كما تلتزم بحماية الملكية العامة للمرافق الاستراتيجية والعامة وسائر الثروات والموارد الطبيعية للدولة.

8 - يقوم الاقتصاد الوطني على التنمية الشاملة والمستدامة التي تهدف إلى الرفاه الاجتماعي، وتشجيع الاستثمار المصري والعربي والأجنبي، وحماية المنافسة الحرة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك، وضمان عدالة توزيع عوائد التنمية على جميع المواطنين.

9 - القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية أمن الوطن واستقلاله والحفاظ على وحدته وسيادته على كامل أراضيه.

10 - يتمسك الشعب المصري بانتمائه العربي والأفريقي، ويعتز بتاريخه الفرعوني والقبطي والإسلامي، وببنية ثقافية وحضارية غنية بتنوعها وتعددها وتراكم معارفها، باعتبارها جزءا أصيلا من الحضارة الإنسانية. ويسهم بإيجابية في تحقيق السلام العالمي وتعزيز مبادئ العدالة وحقوق الإنسان والشراكة بين الدول والشعوب.

ثانيا: الحقوق والحريات الأساسية 1 - الكرامة الإنسانية حق أصيل لكل إنسان، وعلى الدولة واجب احترامها وحمايتها، ولا يجوز تعريض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة المهينة أو الماسة بكرامته.

2 - جميع المواطنين أحرار ومتساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات والحريات. ويحظر التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الثروة أو المكانة الاجتماعية أو الآراء السياسية أو الإعاقة. ويجوز تقرير بعض المزايا للمعاقين من المواطنين.

3 - تكفل الدولة لجميع المواطنين حرية العقيدة وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وتحمى دور العبادة.

4 - تكفل الدولة تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين، رجالا ونساء، دون أي تمييز.

5 - لكل مواطن الحق في حرية الإقامة والتنقل، ولا يجوز القبض على أي مواطن أو تفتيشه أو احتجازه أو حبسه أو تقييد حريته الشخصية إلا بموجب أمر قضائي استنادا للقانون. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص في القانون. وكل متهم بجريمة بريء حتى تثبت إدانته قانونا في محاكمة علنية أمام قاضيه الطبيعي، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه. ولا يجوز محاكمة المدنيين أمام أي قضاء استثنائي أو القضاء العسكري فيما عدا الجرائم التي تقع على مهمات وممتلكات القوات المسلحة.

6 - الحق في الملكية الخاصة مكفول، ولا يجوز المساس بهذا الحق إلا استنادا للقانون وبحكم قضائي وتعويض عادل. وتتكامل الملكية الخاصة مع الملكية العامة والتعاونية في تنمية الاقتصاد الوطني.

7 - الحق في العمل مكفول، وتلتزم الدولة ببذل غاية الجهد لتوفير فرص العمل لكل مواطن بشروط عادلة دون تمييز، كما تلتزم بوضع حد أدنى للأجور يكفل للمواطن مستوى من المعيشة يتناسب وكرامته الإنسانية.

8 - لكل مواطن حق تولي الوظائف العامة، إذا توافرت فيه شروط توليها، وذلك دون أي تمييز.

9 - الحقوق الاجتماعية مكفولة، ولكل مواطن الحق في حياة آمنة، وبيئة نظيفة خالية من التلوث، بما في ذلك الحق في الغذاء الصحي والسكن والرعاية الصحية وممارسة الرياضة، وله الحق في التأمين ضد البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وفقا لمقتضيات العدالة والتكافل الاجتماعي.

10 - لكل مواطن الحق في التعليم، وتلتزم الدولة بتوفير فرص التعليم في مؤسساتها التعليمية بالمجان، ويكون إلزاميا في مرحلة التعليم الأولى والأساسي على الأقل، ويقوم القبول في التعليم العالي على أساس المساواة وتكافؤ الفرص بصرف النظر عن الإمكانيات المالية. وتعمل الدولة على ضمان جودة التعليم وتعظيم الاستثمار في الثروة البشرية المصرية، وتشرف على جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية. وتكفل الدولة حرية البحث العلمي وحرية الإبداع والابتكار، كما تكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي.

11 - لكل مواطن حق المشاركة في الحياة الثقافية بمختلف أشكالها وتنوع صورها. ويتضمن ذلك الحق في حرية الاختيار وحرية الرأي والتعبير في الحياة العامة أو الخاصة وحرية ممارسة الأنشطة الثقافية والفنية وإنتاجها ونشرها. ولكل مواطن الحق في تنمية معارفه والحصول على المعلومات وتداولها ونشرها، واستخدام وسائل الإعلام والاتصال المختلفة.

12 - لكل مواطن الحق في التمتع بحرمة حياته الخاصة، بما في ذلك حياة أسرته ومسكنه وشرفه وسمعته، ومراسلاته ومحادثاته التليفونية واتصالاته الإلكترونية والمعلوماتية وغيرها من وسائل الاتصال. ويضمن القانون حماية هذه الحقوق، ولا يجوز الاعتداء على حرمتها أو تقييدها أو مصادرتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.

13 - للمواطنين حق إنشاء النقابات والاتحادات لحماية حقوقهم ومصالحهم المشروعة، ولهم الحق في إنشاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية والتجمع والتظاهر السلمي دون إخلال بحقوق الغير أو بالمبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة.

14 - لكل مواطن الحق في الجنسية المصرية والحصول على جواز سفر، ولا يجوز إسقاط الجنسية أو إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها.

ثالثا: الضمانات الدستورية للمبادئ والحقوق والحريات الأساسية المبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد.

يشكل انتهاك أي من هذه المبادئ أو الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة أو محاولة تغييرها أو التحريض على شيء من ذلك انتهاكا للدستور. ويحق لأي مواطن كما يحق لأي من الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات أو المؤسسات الأهلية اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا بطلب وقف هذا الانتهاك أو وتقرير انعدام أثره.

يحظر تأويل أو تفسير أي نص في هذه الوثيقة على نحو يجيز لأي من سلطات أو مؤسسات الدولة أو لأي جماعات أو أفراد القيام بأي فعل يهدف أو يؤدى إلى إهدار أي من المبادئ أو الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في هذه الوثيقة أو الانتقاص من أي منها أو الإخلال بها.

يراعى في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المائة التي تتولى إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد أن يكونوا من غير أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وأن يضمن تنوع خبراتهم في المجالات القانونية والسياسية والعلمية والثقافية، وعدالة التمثيل لكافة أطياف الشعب المصري. وفى جميع الأحوال، تلتزم هذه الجمعية التأسيسية في أدائها لمهمتها بالمبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة.