حلم الاستقلال يداعب الأوساط الشعبية والثقافية في كردستان

بعد إعلان دولة السودان الجنوبي

TT

أثار إعلان قيام دولة السودان الجنوبي ارتياحا شعبيا في الأوساط الكردستانية، وداعب خيال الكثير من مواطني كردستان باقتراب تحقيق حلمهم الأثير بتشكيل الدولة الكردية المستقلة. ففي استطلاع لرأي عدد من النخب الثقافية والأوساط الشعبية، كان هناك إجماع كامل بحق الشعب الجنوبي السوداني لتقرير مصيره، مع دعوة القيادة الكردية إلى خطوة مماثلة لتحقيق أماني الشعب الكردي في تشكيل دولته المستقلة.

ورحب رحمن غريب الناشط المدني وعضو مركز الميترو للدفاع عن حقوق الصحافيين بنشوء دولة السودان الجنوبي قائلا: «إن هذه الخطوة الجريئة تجسد رغبة جميع الشعوب التي ترزح تحت نير الحكومات والنظم الدكتاتورية والقمعية بالتحرر والاستقلال بما فيها الشعب الكردي، ولكن في الوقت الذي تتجه معظم شعوب الأرض إلى التحرر وتتطلع إلى الاستقلال الكامل، فإن هناك من القيادة الكردية من يرى هذا الحق المشروع للشعوب كحلم العصافير، وهذا يعني تصغير الحلم الكردي بالتحرر والاستقلال، وأن تلك القيادات التي ترضى اليوم بالفيدرالية ضمن إطار العراق لا تمارس حتى هذا الحق المعترف به في الدستور، وإنما تمارس نوعا من الحكم الذاتي داخل إطار النظام الفيدرالي، وهذا يعني بحد ذاته أن حلم القيادة الكردية ما زال صغيرا لا يرتقي إلى تطلعات الشعب الكردستاني الذي من حقه مثل سائر الشعوب أن يتحرر ويشكل دولته المستقلة».

وتشاطره الرأي آراس نوري أحمد طه، وهي ابنة أحد المؤسسين الأوائل للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه حاليا رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، حيث تقول: «كلما وصلت القضية الكردية إلى القمة كان هناك انحدار لها بفعل أداء القيادة الكردية، والمشكلة الأساسية تنحصر في أن معظم القيادات الكردية لا تملك الثقة بنفسها وتتردد في خطوات تاريخية لتحقيق طموحات وأماني شعبها.

وتضيف آراس، وهي مقيمة في ألمانيا منذ ثلاثين سنة وعادت إلى الاستقرار في كردستان: «ما جرى من جرائم النظم الدكتاتورية ضد بعض الشعوب كالجنوب السوداني أو دارفور أو غيرها لا تزيد عن الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الكردي، ومع ذلك فإن هناك تصغيرا متعمدا لتلك التضحيات، والرضا بأقل حقوق يمكن تحقيقها لشعب قدم هذا القدر الكبير من التضحيات والدماء طوال ثمانين سنة من تاريخه النضالي»، وتستطرد: «السودان الجنوبي لديهم النفط ونحن أيضا لدينا النفط، هم قاوموا النظام الدكتاتوري طوال خمسين سنة ونحن نقاوم الدكتاتوريات منذ ثمانين سنة، الفرق الوحيد بيننا وبينهم أنهم حصلوا على الدعم الدولي، ونحن ما زلنا مترددين في التحرك على المستوى الدولي لطرح مشروعية قضيتنا العادلة، والمشكلة الأساسية هي أن القيادة الكردستانية تفتقد استراتيجية محددة بهذا الشأن، لذلك ينبغي على هذه القيادة أن تركز من الآن فصاعدا على التحرك الدولي ومحاولة كسب الدعم وخصوصا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن القيادة السياسية لو أدرجت مسألة تشكيل الدولة الكردية كبرنامج عمل للتحرك على المستوى الدولي فلا بد أن نصل إلى اليوم الذي سيتمكن فيه الشعب الكردي من تشكيل دولته المستقلة».

لكن النائب شوان كريم كابان عن القائمة الكردستانية في البرلمان الكردستاني يرى أن الشعب الكردي اختار بإرادته الحرة أن يبقى داخل إطار الدولة العراقية الموحدة، ويقول: «نحن في الوقت الذي نرحب بحرارة بوصول شعب السودان الجنوبي إلى تشكيل دولته المستقلة، وهذا حق مشروع لهم، نؤكد بأن قيادتنا السياسية وشعبنا عبر برلمانه المنتخب قد اتخذ قراره بالبقاء في إطار الدولة العراقية الموحدة، لذلك فإن الظروف بيننا وبينهم تختلف، فدولة السودان الجنوبي تلقت دعما من معظم دول العالم، وبالأخص من دول الإقليم المحيطة بالسودان، على العكس من الدول المحيطة بالعراق والتي تعارض معظمها تطلعات الشعب الكردي إلى الاستقلال، لذلك فإن الحل الواقعي للقضية الكردية في العراق هو البقاء ضمن إطار الدولة العراقية الموحدة، لذلك اختار الشعب وعبر برلمانه المنتخب قرار البقاء، وفي حال تغيرت الظروف الحالية فلا أعتقد أن القيادة الكردية سوف تتردد في تحقيق الحلم الكردي الكبير بالاستقلال، ولكن هذا الأمر لم يحِن وقته بعد».

ويرحب المواطن عبد الغني سعيد (63 عاما) بنشوء دولة السودان الجنوبي ويقول: «لم نكن نسمع الكثير عن نضال الشعب السوداني بالجنوب إلا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإنهم استطاعوا أن يشكلوا دولتهم المستقلة، وقضيتنا القومية سمع بها العالم منذ أكثر من خمسة عقود، ومع ذلك ما زلنا نراوح مكاننا. لا أدري لماذا لا تتجرأ قيادتنا بإعلان دولتنا المستقلة بدل الذهاب إلى بغداد التي لم نستفد منها شيئا، وعندما أتابع الأخبار وأرى تراجع الحكومة العراقية وأقرأ المواقف المعادية للكثير من العرب من إعادة المناطق المنزوعة من كردستان إلى حدود إقليم كردستان، عندها أتأكد أن حلم تشكيل الدولة الكردية بات مستحيلا وبعيدا بسنوات ضوئية عن مخيلة قادتنا في بغداد».

ويرى الشاب مريوان (30 سنة): «إن سبب تردد القيادة الكردية عن تحقيق هذا الحلم الكبير يعود إلى سعيهم وراء مصالحهم الحزبية أكثر من المصالح القومية»، ويقول: «قبل عدة سنوات جرى استفتاء على مسألة تشكيل الدولة الكردية هنا في كردستان، وصوّت 98% من المستطلعين لصالح الاستقلال، ولكن القيادة السياسية في كردستان خافت من أن تطرح هذه المسألة التي تعبر عن إرادة الشعب الذي يقول هؤلاء القادة إنهم يمثلونه، فلماذا لم تتقدم هذه القيادة بخطوة شجاعة مثلما فعلها السودانيون في وقت أن غالبية الشعب يؤيدونهم في ذلك؟ وماذا ينقصنا عن الآخرين حتى تتردد القيادة الكردية عن مثل هذه الخطوة التي تحقق حلما راود الكثيرين من الذين قدموا أرواحهم في سبيل تحقيقه؟».