وزير خارجية فرنسا يقر بوجود اتصالات مع ممثلين للنظام الليبي والعقدة مصير القذافي

رئيس الحكومة: بشائر الحل السياسي في ليبيا بدأت بالظهور

TT

يبدو أن «الحدث» الليبي يلعب في باريس وليس في مكان آخر، بالنظر لدور فرنسا «الريادي» في الموضوع الليبي. ولا يعدو سعي الحكومة الفرنسية إلى التقليل من أهمية «التواصل» القائم بينها وبين ممثلين عن النظام الليبي، يظهر أكثر فأكثر أنه رغبة منها في وضع المجلس الوطني المؤقت في الواجهة، بحيث لا تتهم بأنها «خطفت» القرار من أصحابه. أمس، كان الموضوع الليبي حاضرا بقوة بمناسبة جلسة المناقشة العامة التي جرت في البرلمان بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، والتي انتهت بتصويت على سياسة الحكومة بعد مرور نحو 4 أشهر على بدء العمليات العسكرية، وذلك بموجب ما يقتضيه الدستور الفرنسي وتعديلاته لعام 2008.

ولم يكن منتظرا أبدا ألا يمنح البرلمان الثقة للحكومة بفضل الأكثرية الحائزة عليها في المجلسين معا. لكن الجديد، ما جاء على لسان رئيس الحكومة، فرنسوا فيون، الذي تحدث لأول مرة عن «بداية ارتسام ملامح حل سياسي» في ليبيا الذي أصبح اليوم «ضروريا أكثر من أي وقت مضى».

غير أن لهذا الحل مواصفات، أولها وقف العمليات العسكرية الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر شروط ثلاثة، عرضها فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه بوضوح، وهي: وقف حقيقي لإطلاق النار، ويتضمن عودة قوات العقيد القذافي إلى ثكناتها، ووقف التعرض للمدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وأخيرا (وهو الشرط الأهم)، تنحي العقيد القذافي عن السلطة.

غير أن الحل السياسي الذي يتحدث عنه فيون لا يبدو قريبا بحسب جوبيه «لأن ظروف وقف إطلاق النار لم تتوافر بعد»، في إشارة واضحة إلى أن شرط التزام القذافي بالتنحي عن السلطة لم يتوافر بعد. وليس سرا أن هذا الموضوع هو عقدة العقد التي ما زالت تعيق العبور إلى الحل السياسي. لكن الأمور ليست جامدة. فقد لمح رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي، في حديث صحافي، أمس، إلى جريدة «لو فيغارو» المقربة من السلطة، إلى أن مفاوضات محتملة يمكن أن تجري بين النظام الليبي والثوار ومع الدول المشاركة في العمليات العسكرية ضد ليبيا، من غير مشاركة القذافي الذي «لن يتدخل في تلك المناقشات (إذ) يجب أن تجري بكل حرية». وما قاله المحمودي أكده الوزير جوبيه، الذي ربط الحل بـ«بيان يعلن انسحاب القذافي من السلطة السياسية والعسكرية». ويبدو أن جوبيه يتبنى الخط المتشدد الذي يريد أن يكون تنحي القذافي في بداية الطريق وليس نتيجة للتفاهمات والمفاوضات التي يمكن أن تقوم بين الأطراف الليبية أو بين النظام أو ما بقي منه، والحلف الأطلسي أو مجموعة الاتصال التي ستجتمع في إسطنبول يوم 15 الجاري. وبحسب المصادر الفرنسية فإن البند الأول على جدول أعمالها سيكون «البحث في الحل السياسي».

وأكد جوبيه ما سبق أن أعلنه سيف الإسلام القذافي، في مقابلة مع صحيفة «الخبر» الجزائرية، عن وجود «مفاوضات» مع فرنسا حول مستقبل الوضع في ليبيا. لكن جوبيه لم يتبن مصطلح «مفاوضات» بل تحدث عن «اتصالات» مع ممثلين عن النظام الليبي. وقال الوزير الفرنسي: «نستقبل موفدين يقولون لنا: القذافي مستعد للرحيل، دعونا نبحث الأمر». وأضاف جوبيه: «تجرى اتصالات ولكنها ليست مفاوضات حقيقية حتى اليوم».

وتقوم الاستراتيجية الفرنسية على تشديد الضغط العسكري من جهة، والبحث عن حل سياسي من جهة أخرى، على أن يكون رحيل القذافي، رغم أن هذا الشرط ليس واردا في قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1970 و1973، بنده الأول. وبعد أن تعاملت باريس مع «المبادرة الأفريقية» بشيء من التعالي معتبرة أن القادة الأفارقة موالون للقذافي، فإنها غيرت موقفها بالتوازي مع تغير الموقف الأفريقي. وأعلن الوزير الفرنسي أن رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الموريتاني، اللذين يرأسان لجنة الاتحاد الأفريقي عن ليبيا، «يسيران في هذا الاتجاه اليوم». وسبق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن طلب من نظيره الروسي القيام بوساطة مع ليبيا للحصول على انسحاب القذافي من المشهد السياسي الليبي وتسهيل الحل السياسي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محمود شمام، أحد المتحدثين باسم الثوار، أن أحد المقربين من القذافي واسمه بشير صالح، توجه مؤخرا إلى فرنسا ليقترح وضع العقيد الليبي قيد الإقامة الجبرية في ليبيا، شرط تمتعه بحماية دولية. وبحسب شمام، فإن المعارضة لم توافق عليه لأن سيف الإسلام، نجل العقيد الليبي، رفضه.

وهكذا، يبقى مصير القذافي العائق الأول بوجه السير بحل سياسي ما زالت ملامحه غامضة. وترتفع أصوات في فرنسا، للمطالبة بألا تعرف ليبيا مصير العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، حيث عرف حربا أهلية أوقعت مئات الآلاف من القتلى. ولذا فإن البحث أبعد من مصير القذافي، يتناول صورة ليبيا في المرحلة اللاحقة، وكيفية تفادي مآس وآلام ستصيب الشعب الليبي بالدرجة الأولى.