فورد الدبلوماسي الهادئ الذي أربك النظام السوري

دبلوماسيون يعتبرون زيارته إلى حماه شجاعة

TT

أحدث السفير الأميركي روبرت فورد، المعروف بأنه دبلوماسي هادئ تحت الرادار، تغييرا في ديناميكية العلاقات الأميركية مع سوريا بسفره إلى مدينة سورية تطوقها الدبابات (حماه)، تلك المدينة التي تعد مركز المظاهرات التي اجتاحت سوريا بأكملها.

ويشير المقربون إلى أن فورد ليس من نوع الدبلوماسيين الذين يسعون إلى تسليط الأضواء عليهم. غير أن زيارته إلى حماه - حيث استقبله المتظاهرون بالترحاب ملوحين بأغصان الزيتون - كانت أبرز خطوة اتخذتها الولايات المتحدة لدعم المتظاهرين السوريين.

وقال روبرت مالي، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية: «يظهر كل ما فعله على مدار الأيام القليلة الماضية أنه شخص يمكنه أن يتخذ إجراءات غاية في الفاعلية بصور تسبب نوعا من الارتباك للنظام السوري».

يذكر أن زيارة فورد إلى مدينة حماه أثارت ردود فعل غاضبة من جانب الحكومة السورية، التي اتهمته بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقام مؤيدون للحكومة السورية باقتحام مبنى السفارة الأميركية في دمشق يوم الاثنين، حيث حطموا اللوحة التي كتب عليها اسم السفارة الأميركية وحاولوا تحطيم الزجاج، قبل أن يمسك بهم رجال الأمن.

يذكر أنه بعد أشهر من تزايد الانتقادات الأميركية الموجهة للرئيس السوري بشار الأسد، والتي تنطوي على نوع من الحذر في الوقت نفسه، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمرة الأولى يوم الاثنين أن الأسد «فقد شرعيته».

وفي يوم الثلاثاء، أدان مجلس الأمن «في بيان شديد اللهجة» الهجوم على السفارة الأميركية وهجوما مماثلا على سفارة فرنسا، التي كان سفيرها قد زار حماه أيضا. وانتهجت الحكومة السورية سياستها المعتادة، بإلقاء القبض على ستة من المتهمين بالهجوم على السفارة والتعهد بتوفير إجراءات أمنية أفضل.

«اتسمت زيارة فورد بالجرأة الشديدة وأيضا - بوضع رد الفعل السوري في الاعتبار - كانت بمثابة خطوة شجاعة جدا»، هذا ما ذكره بي جي كرولي، متحدث سابق باسم وزارة الخارجية الأميركية، والذي كان يحث على اتخاذ إجراءات أكثر حزما ضد النظام السوري.

وبالنسبة لدبلوماسي متواضع، نال فورد نصيبه من الجدل في العام الماضي. وتم تعيينه سفيرا لسوريا في يناير (كانون الثاني)، وهو المنصب الذي كان قد تم تعليقه بعد أن رفض الجمهوريون شغل المنصب، الذي كان قد ظل شاغرا منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 2005. وكان الجمهوريون متشككين في رأي إدارة أوباما الذي مفاده أن إرسال سفير أميركي إلى سوريا من شأنه أن يعزز السلام في الشرق الأوسط. وما لم يحصل فورد على موافقة مجلس الشيوخ، فسيتعين عليه ترك منصبه مع نهاية العام الحالي.

وفي الوقت الذي انتقد فيه الجمهوريون تعيين فورد في هذا المنصب، فإنهم لم يشككوا في أوراق اعتماد فورد. فهو جزء من مجموعة خبراء في شؤون العالم العربي في وزارة الخارجية الأميركية، ممن كانوا قد تم إبعادهم عن المشاركة الفعلية أثناء التخطيط لغزو العراق، إلا أنهم أثبتوا أنفسهم لاحقا كمحللين مهرة ومديرين براغماتيين في بغداد.

وقال جون نيغروبونتي، سفير أميركي سابق لدى العراق ومسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية، إن فورد كان معروفا بشخصيته الودودة، لكن «لا يجب أن تدع ذلك يدفعك لاعتقاد أنه لا يتمتع بطبيعة داخلية شديدة الحزم»، على حد قول نيغروبونتي.

وقالت إيما سكاي، وهي مستشارة سابقة للجيش الأميركي في العراق، إن فورد نجح في زيارتين قام بهما إلى بغداد بشكل جزئي نظرا لأنه كان مستمعا جيدا لديه القدرة على بث الطمأنينة في نفوس الناس. وروت سكاي أن فورد استهل اجتماعا، كان من المنتظر أن يكون عسيرا، مع متحدث باسم مجلس النواب العراقي منذ بضع سنوات مضت بحكي نكتة بلغة عربية سليمة. وقالت سكاي: «كانت لديه القدرة على تهدئة أي توتر يحدث هناك».

التحق فورد بالعمل في السلك الدبلوماسي في عام 1985، بعد تطوعه بقوات حفظ السلام في المغرب ونيله شهادة جامعية وشهادة عليا في جامعة جون هوبكنز.

ويقول أصدقاؤه إن خبرته مع قوات حفظ السلام جعلته على درجة من الإحساس الشديد بمعاناة الفقراء.

وبصفته دبلوماسيا، فإن من السهل بالنسبة له «أن يدور في الحلقات نفسها كالنخبة في الدولة المضيفة. إنه شخص كان أصدقاؤه، في المراحل المبكرة من حياته العملية، أصحاب متاجر وسائقي سيارات أجرة»، هذا ما ذكره زميل له، لم يكن مصرحا له بالكشف عن هويته. وذكر نيغروبونتي أن فورد قد احتفظ بهذا الحماس للتعرف على أناس، على الرغم من المخاطر في العراق.

قال: «كان واحدا ممن لا يكلون، وكان لديه اتصالات واسعة، حتى أنه كان لا يمانع في ارتداء سترته المضادة للرصاص وخوذته والذهاب إلى المنطقة الخضراء لمقابلة أفراد تربطه علاقات اتصال بهم».

عمل فورد، الذي ولد في عام 1958 في دنفر، سفيرا في الجزائر، وكان قد أرسل من قبل مبعوثا إلى البحرين وتركيا ومصر والكاميرون. وزوجته أيضا دبلوماسية، وهي تقيم مؤخرا في المملكة العربية السعودية.

لم يتحدث فورد علنا عن الأحداث الأخيرة. لكنه كتب في الصفحة الخاصة بسفارته على «فيس بوك» يوم الأحد: «من العجيب أن تدع الحكومة السورية مظاهرة ضد أميركا تمضي بحرية في الوقت الذي تقمع فيه قواتها الأمنية المتظاهرين السلميين الذين يحملون أغصان الزيتون والمنتشرين بمختلف أنحاء سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»